تجربة مخيفة مرَّتْ بي في هذه الأيام، وقد كنت غافلاً عن تقدير وقعها السيئ، حيث كانت الحياة تسير بطريقة روتينية ولم يخطر بالبال أن الركن المهم في المنزل ربما ينهار في يوم من الأيام. ولقد هز وجداني وجلب لي شعوراً بالفراغ والحسرة فقد أم أولادي بغمضة عين وبدون أية مقدمات، لقد جعلت أتلمَّس طريقي فوجدته مظلماً وحرت بوضعي وبمحيطي صرت أتأمل ما حولي وأتساءل بيني وبين نفسي ما الذي تغير لدي حتى صرت لا أرى ما حولي كما عهدته. إن هذه التجربة المخيفة ذات وقع خاص لم يحدث لي أسوأ منها من قبل. إن البيت الذي أعرفه قد انقلب إلى منزل غريب، وجعلت أبحث عن طريقي فيه فلم أجده، ماذا أعمل؟ وكيف أسعى إلى نسيانه وإلى التقليل من وقعه؟ وكيف يمكنني ان اقتنع وأقنع اولادي بتقبله وأن نبحث عن سلوة لعلها تخفف من وقع الحادث الذي لن ينسى أبداً. إن الإنسان إذا فكَّر في وضع بيته بعد أن يفقد ربته فسيصاب بنوع من الهلوسة ؛لأنه لن يتقبل ذلك ولن يستوعبه. إن فقد أم الأولاد لا تعدله بالنسبة له ولأولاده أية كارثة، لأنه في تقديري أعظم كارثة يصاب بها، ولن يعرف علو قدرها وقيمتها الحقيقية إلا بعد هذه الغيبة الطويلة. إن أسوأ خبر يصل إليه هو أن يفاجأ بأن إنساناً سليماً معافى قد انتقل الى رحمة الله بدون أية أعراض أو مقدمات. لقد فقدنا أمَّاً رحيمة بأولادها إلى درجة لا تحد، وتدير بيتها إدارة حكيمة. بعد ان مرت هذه الأيام القليلة في عددها الطويلة في تأثيرها منذ فقدنا أم الأولاد ؛ فليس لدي ما أقوله إلا الدعاء لها بالمغفرة ولأبنائها وبناتها بالصبر والسلوان والصلاح الذي كانت تنشده وتتمناه لهم. إنني لأرجو من الذي ألهمها الشهادة عند وفاتها أن يغفر لها ويمنح كافة أقاربها الصبر، وأن لا يري قارئ هذه العجالة أي مكروه. وهذا قضاء الله وقدره ونحن راضون به إن شاء الله.