الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد. فإن قلبَ المؤمن ليعتصره الحزن، حين يرى هذه الأحداثَ التي ابتُليت بها هذه البلاد من أناسِ ضلّوا الطريقَ وامتزجت عقولهم بأفكارٍ خاطئة، تتضمن مفاسدَ كبيرة وشروراً عظيمة، فيها قتلُ الأنفس المسلمة والمعصومة ظلماً وعدواناً، قال الله تعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً) أخرجه أحمد والبخاري، وفي البخاري أيضا:( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة). إنّ هذه الأعمالَ الإجرامية التي تستهدف قتل المسلمين أو المستأمنين وترويع الآمنين لا تقوم على أساس شرعيّ، ولا تقبلها العقولُ السليمة والفطر السويَّة، وهي فعلة مستهجنة شنعاء، تتضمن البغيَ والظلم، فليس من أخلاق المؤمن الإقدامُ على تفجير نفسه وقتل الغير أو قطع الطريقِ عليهم أو احتجازهم وتهديدهم بالسّلاح والاعتداء على ممتلكاتهم، بل هذه من أخلاق قُطّاع الطرُق المفسدين في الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جنّهم خالداً مخلداً فيها أبداً..) الحديث. أخرجه مسلم. ولا يخفى على ذي بصيرة أن في هذه الأعمال حملاً للسلاح على المسلمين وقد أخرج البخاريّ ومسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يشير أحدُكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار). كما إن فيها مفارقة الجماعة وشق عصا الطاعة، وهي كبيرة من الكبائر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية) أخرجه مسلم. ولقد أرسى الإسلام مبادئ عدة في هذه المسألة منها: أولاً: إن الإسلام يحرم الاعتداء على الأبرياء من المسلمين وغيرهم ممن ليسوا من أهل الحرب. ثانياً: الغاية لا تبرر الوسيلة، فالإسلام لا يقبل الوصول إلى الغايات الطيبة بالوسائل المحرمة، ولهذا فسر السلف العمل الصالح المقبول بأنه ما اجتمع فيه أمران: الخلوص والصواب، فلا يقبل العمل عند الله إلا إذا كان خالصاً صواباً، وخلوصه أن يكون لله تعالى، وصوابه أن يكون على السنة. ولنا أن نتساءل: أين هذه الأعمال المفسدة من سنة النبي الرحيم بأمته صلى الله عليه وسلم. بل إن هذه الأعمال تشيع الهلعَ وتثير الفزع، ولا يجوز ترويع المؤمنين، إنها تؤجَّج نارَ الفوضى، وخطورةُ ذلك لا تخفى. وإنّ التفريطَ في أمن المجتمع تدمير له ولمكتسباته ودعائمه، لذا يجب علينا جميعاً أن نسعى للحفاظ على هذا الأمن بسدِّ الثغراتِ التي يمكن أن تُحدث شرخاً في المجتمع او تجعلَ جسده مثقلاً بالجراح، فيشغل بردمها عن دوره ورسالته وبناء مجتمعه وأمته. ولقد بيَّن القرآن الكريم أنّ سمة المنافقين زعزعةُ أمن المجتمع والإفساد فيه وإشاعةُ الفتنة بدعوى الإصلاح، قال الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ {11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} البقرة :(12.11). فالأمن مطلبٌ أساسٌ لجميع الناس، خاصة في المجتمعات المسلمة التي تتمتع بالإيمان، إذ لا أمنَ بلا إيمان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من أصبح منكم آمناً في سِربه معافى في بدنه عنده قوتُ يومه فكأنما حيزت له الدنيا). وبالأمن تُعمَّر المساجِد، وتُقام الصلوات، وتُحفظ الأعراض، وتؤمَّن السُبُل، وينشر الخير، وتقام الحدود، تنتشر الدعوة، وتُطبّق الشريعة، وإذا اختلَّ الأمن سادت الفوضى وحكم اللصوصُ وقُطاع الطرق. إن أمن الفردِ جزء من أمن مجتمعه، وتوطيد الأمن يستلزم أن يؤدي كل فرد مسؤوليته في حفظ الأمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته). وإن شناعة هذه الجريمة التي حدثت في مدينة الخبر وقبلها في ينبع والرياض وغيرها من مدن المملكة، جلية لا تكتنفها شبهة، وناصعة لا شكَّ فيها، ومما يثير العجب كيف غيب هؤلاء نصوصَ الشرع وعقولهم حتى أراقوا دماءَ الأبرياء،وإن هؤلاء الذين يقومون بهذه الأعمال قد ضلوا الطريق الصحيح، فاستحلوا دماء الأبرياء وترويع الآمنين، وهذا يضاعف المسؤولية على أهل العلم والبصيرة أن يبذلوا المزيد من الجهد، حتى يزيلوا الغشاوة عن عيون هؤلاء العابثين بأمن الوطن ومكتسباته، وأن يسعوا بكل ما أوتوا من علم لتحصين شبابنا بترسيخ المنهج الوسط للإسلام، ونشر العلم الشرعي في المدارس والجامعات والمساجد. ولا شك أن للدور الفاعل الذي قامت به مراكز التوعية في المجتمع باختلاف انواعها، والتأكيد المستمر لولاة الأمر - حفظهم الله - على ضرورة البيان للأمة وتوجيه المجتمع وخاصة الشباب بخطورة هذا الفكر وانحراف سلوكياته، وإدراك العلماء والمفكرين والمثقفين لواجبهم الشرعي والوطني لقيام الحاجة إلى البيان وأدائهم لنشاط حافل في هذا المجال اثرا كبيرا في رفض المجتمع بمختلف فئاته لهذه الفئة الشاذة الضالة التي استوردت هذا الفكر المنحرف ونقلت هذا الوباء خارج البلاد إلى الداخل. فلا يزال الواجب حتمياً لازماً على كل قادر بأن يقوم بمهمة التوعية والإرشاد وإيضاح الحق في هذه القضية وبيان خطورتها وضررها في الحاضر والمستقبل. والبيان في مثل هذه الحال متعين على كل مسلم مؤمن بحسب علمه وفهمه من الشرع وكل يؤدي دوره في التوعية في محيطه ومستطاعه. - فالفرد في خاصة نفسه يلزمه الإنكار لهذا الفكر الضال والسلوك الإجرامي المنحرف،والأب في أسرته، والمعلم في مدرسته، والتاجر في سوقه والعالم في منبره والمرأة في محيطها والمثقف والمفكر في منتداه والخطيب وإمام المسجد في محرابه، لابد أن يقوم الجميع كل بدوره في التوجيه والتحذير للأمة وبيان حكم الشرع في هذا الانحراف الفكري والسلوكي. حيث لا يخفى على الجميع أن البيان واجب وفرض عين عند قيام الحاجة إليه حسب الاستطاعة ولا يجوز تأخيره عن وقت حاجته. والبيان هذا يجب أن يشمل أمرين: الأول: إيضاح الواقع وخطورته وآثاره. ثانياً: إيضاح الواجب في هذا الواقع شرعاً، ببيان مخالفة هذا الانحراف لما جاء به دين الله من حفظ الدماء وصيانة الأموال والحرمات.. ولا شك ونحن نعايش هذه الأحداث المؤلمة أن المسؤولية في البيان مسؤولية الجميع، والواجب فيها شرعي نصيحة للأمة وإقامة للحجة. وهو واجب وطني أيضاً تستدعيه المصالح وتؤكده أهداف دولتنا وقيم مجتمعنا وتقاليده السامية النبيلة. وما دام أننا نشاهد بأعيننا عبثية هذه التصرفات اللامسؤولة، ومخالفتها للشرع والعقل والفطرة، ومع إدراك الجميع أن هذا الفكر وسلوكه هو فكر وافد مستورد غريب على بلادنا وحضارتنا، إلا أن التوعية أمر واجب تحصيناً للصغار والشباب ووقاية لهم من هذه الشرور والانحرافات. ونحن على ثقة بالله عز وجل أنه حافظ لهذه البلاد من كل باغ ومتعد ومجرم. وإنني أدعو مؤسساتنا العلمية والقضائية وقنوات التوعية والإرشاد والتوجيه برجالها وعلمائها المخلصين إلى زيادة الجهد ومضاعفته لدفع هذه الأخطار الفكرية والتصرفات العبثية الخارجة على حكم الله وشرعه والمتمردة على المجتمع وقيمه وأخلاقياته. كما أؤكد على ثقتي التي لا تزعزع بأن الله سبحانه انه سوف يحفظ هذه البلاد بلاد العلم والتوحيد والسنة والشريعة وهو بالمرصاد لكل ظالم معتد.. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.