رغم الجفاف الذي راح يعصف بضواحي وقرى الطائف، إلا أن الطبيعة ظلت وفية مع الناس.. فما إن حل ربيع هذا العام، حتى حل معه الغيث العميم، فارتوت الأرض، واخضر الشجر، وتفتحت الأكمام عن زهور تنضح مختلف أنواع العطور، فهذا فل، وهذا ياسمين، وذاك ورد.. وما ادراك ما الورد، في مرتفعات الهدا ووادي محرم والشفا وغيرها. إن نظرة واحدة إلى الحقول الخضراء في الطائف، كافية لمعرفة أي ربيع تعيشه هذه المدينة، الحالمة بين جبلي حضن ودكا.. ربيع زاخر بالازهار، في نهارات مشمسة، وليالي مقمرة، وأوقات مفعمة بالسرور والبهجة. ما أصدق هذا الشاعر: (عبدالوهاب بن إبراهيم آشي) رحمه الله، الذي رسم هذه الصورة الفوتوغرافية بقوافي الشعر لطائف الأحلام، قال: بلاد.. حبتها الطبيعة ما يحبب للقلب أدوارها جبال تناطح جون السحاب وتوحي إلى النفس أفكارها تنائف تمرح فيها الوحوش تساجل في الدوح أطيارها ومشتبك الاثل في غابها كما جارة عانقت جارها إذا الليل أرخى ستاره أرتك الطبيعة أنوارها ترى البدر في علوها مش رق الجبين يضاحك نوارها هي الطائف منذ أن كانت وما تزال، محركة الشعور، ومبعث الشعر، وملهمة الشاعر.. ألم يُربط الشعر بالجمال، ويقرن الإبداع بالإلهام، فهي الطائف.. طائف الجمال والإلهام، والشعر والإبداع. فكأنما شاعر الساحل (حمزة بن أحمد الشريف)، الذي عاش فيها ردحاً من حياته أراد أن يعبر عن هذا المعنى وهو يقول: خميلة الشعر.. غنى الشعر وابتهجا فبلّ صدحه الأرواح والمهجا وذاب لحن القوافي في جوانحنا ورجعه بين قيعان النقا درجا وإن مبعثه دوح الشفا هزجت انغامه.. وعلى ترديدها هزجا والعطر في حقله روض الهدا بكرت سحابة تمزج الاشذاء فامتزجا حنى رحاب له فانهل هاطلها يسقي الغدير مياهاً تشبه اللججا وقد تردف جون المزن إن له بوجّ سيلا يعم النبت مبتهجا هذا.. ولربيع الطائف، بجون مزنه، وهطل غيثه، وشذا عطره، وغناء طيره.. صور فاتنة، لا تنفك تداعب مخيلة الشعراء منذ مئات السنين. ولعلنا نكتفي هنا في الختام بهذه الأبيات المحلقة، لشاعر سوري من حماة، هو (محمد ياسر أمين فتوي)، حيث يقول واصفاً ربيع الطائف المأنوس: يتخطر الغيم الرقيق على ذرى أجباله.. وبه الضلوع رجاح ومواسم الزهر النسيق بديعة والعطر من أزمانها نضاح بلد له قبل الشموس شروقها ومن الفؤاد له الحديث مباح والشعر والنجوى.. وكل تململ في الحب.. موفور به ومتاح