إنه أبو عبدالعزيز الفذ.. فقدته الرياض وحائل والمملكة العربية السعودية.. بل فقده العرب جميعاً.. أقول ما أقول وأنا كلي قناعة بأنني لا أعدو الحقيقة.. نعم فقدنا فهد العريفي هذا الرجل الشهم.. راعي النخوة.. رجل الفزعة الذي لم يكن يرد أحداً يقصده ويشهد على ذلك العشرات, بل المئات ممن عرفوه أو قرؤوه أو قصدوه وكأن الشاعر يعنيه حين قال: تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله نعم.. لقد كان أبو عبدالعزيز يتحلى بهذه الخصال الطيبة التي لا تجدها إلا في القليل، بل النادر من الرجال، حظيت بمعرفة الأستاذ فهد العريفي قبل أكثر من ثلاثين سنة في هذه الجريدة العريقة (الجزيرة)؛ حيث كنت رئيساً لقسم التصحيح اللغوي بها، وكان أبو عبدالعزيز يكتب مقالاته فيها.. ومن شدة حرصه على أن تظهر مقالاته سليمة من الأخطاء كان يوصيني بأن أراجع مقالاته بنفسي والاتصال به عند أي التباس حتى لو كان في وقت نومه أو راحته.. فكان له ما يريد مما يجعله دائم الثناء على قسم التصحيح في الجزيرة، وكان يعني بحكمه وإشادته كل محتويات الجريدة، وليس ما يخصه فحسب. ها أنت رحلت أيها الغالي وقد تركت حروفي تبكي على صدر الأوراق.. وكلماتي تنوح لتشاركني لوعة الفراق.. لقد فجعني فراقك كما فجع أهلك ومحبيك.. ليس عجباً أن يعتصر الموت قلوبنا ألماً وحسرة على من نحب.. وهذا ما حدث لي عند وفاة أخي وصديقي الأستاذ فهد العريفي (رحمه الله). لقد تعطلت لغة الكلام حينما علمت بخبر رحيله.. فطفح لديَّ كيل الأتراح.. ولم يسعفني قلمي حين أردت الاستعانة به ليخفف بعضاً من آلامي التي استكانت في نفسي. إن حديثي عن أخي وصديقي فهد العريفي لن يفيه حقه.. فهو إنسان يأسرك بلطفه، ويخجلك بتعامله.. صديق للشرفاء في كل مكان.. محب للناس فأحبه الناس.. عاشق للكلمة فعشقته، فأعطاها وقته وجهده وحياته.. حين رحل بكته الحروف، ونعته الكلمات؛ لأنها فقدت فارسها الشهم الذي رافقها منذ شبابه وحتى آخر أيامه.. لن أنسى موقفه معي ذات يوم حين تجلت شهامته ووقف معي وقفة الرجال وقال لي بالحرف الواحد: (لا تقلق.. سأضع لك مكتباً بجوار مكتبي إذا لزم الأمر). لقد ترجل الفارس بعد أن أعطى وبذل من وقته وجهده لغيره وخدم وطنه بكل صدق وإخلاص. برحيل فهد العريفي فقد المجتمع علماً من أعلامه ورمزاً من رموزه، فما أقسى أن يرحل من عالمنا رجل قوي شهم عميق الإيمان بالله ثم بوطنيته.. لقد رحل بعد أن مرَّ بمحطات متنوعة في رحلة حياته.. كلما حاولت أن أرثيه وأن أكتب شيئاً من فضائله تتشتت الكلمات وينضب معين الكلام.. ولولا رحمة من الله لفقدت الصبر، فتذكرت قول الشاعر: ثلاث يعجز الصبر عند حلولها ويعجز عنها عقل كل لبيب خروج اضطرار من بلاد تحبها وفرقة إخوان وفقد حبيب لقد مضى أبو عبدالعزيز بصمته المهيب بعد أن عانى من الألم ما عاناه. رحل بهدوء الصابر المؤمن بقضاء ربه.. إنه الموت مصير كل حي، ونهاية كل مخلوق.. إنه كأس وكل الناس شاربه.. إلا أن استشعاري بفقده كان مراً، وإحساسي برحيله كان صعباً.. لكن هذه إرادة الله ولا رادَّ لقضاء الله.. ستظل بصماته منقوشة لن تفارق ذاكرتي، لن أنسى كلماته الشفافة حين عزَّاني في والدتي -رحمها الله- وكان يتحدث وهو على السرير الأبيض يعاني من أثر العملية الجراحية. سيظل فهد العريفي بيننا رغم غياب جسده وروحه، وذكراه العطرة ستظل على ألسنتنا ما حيينا. وسيكون فهد العريفي الأستاذ والكاتب والأديب والمفكر والغيور مدرسة للأجيال؛ لتنهل من علمه وفضائله وصفاته الطيبة.. فالعظماء سيبقون عظماء رغم رحيلهم عن عالمنا!! ولا يفوتني أن أتقدم بأحر التعازي القلبية إلى أبنائه الكرام عبدالعزيز وأحمد وخالد وزوجته الفاضلة وبناته الكريمات، وأخص الزميلة السابقة الكاتبة المتميزة الأستاذة فوزية والأستاذة سلمى والأستاذة صبحية.. ( والعزاء لأهله وذويه وعلينا لمن فقدنا الدعاء ) فليرحمك الله أيها الأخ العزيز أبا عبدالعزيز، فمصابنا فيك جلل، وليرحمك بقدر دعوات محبيك، وبقدر ما فعلت من خير وسعيت في صلاح.. وما نقول إلا كما يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.