في شهر رمضان الكريم من العام الماضي أجريت للوالد عملية دقيقة في قلبه، وكان الأطباء ومَنْ حولهم يحذرون من إجهاده في الحديث ومقابلة الزائرين في الأسابيع الأولى بعد إجراء العملية، وحاولنا نحن أبناءه أن ننفذ وصية الأطباء، لكننا فشلنا أمام كثرة محبيه وأصدقائه ومعارفه، وكان فشلنا أكبر أمام إصراره هو على لقاء كل من تكلف مشقة الحضور إلى المستشفى، وكان ذلك بعد ساعات قليلة من إجراء العملية وفي غرفة العناية المركزة التي أحاطه فيها أصدقاؤه وأقاربه بالحب والتقدير اللذين كان لهما أكبر الأثر في رفع روحه المعنوية ومساعدته على تحمل الآلام التي كان يحس بها. هكذا عرفتُ أبي اجتماعياً من الدرجة الأولى، صديقاً للشرفاء من أي مكان، ومحباً لأبناء كل هذا الوطن على سعته وامتداده، ولم يكن أبي رغم محبته الشديدة لمسقط رأسه - حائل - يفرق بين أبناء مدينته وبين غيرهم من المواطنين، بل وحتى بين أصدقائه من أبناء أمته العربية كلها. وفي إحدى الأمسيات التي كانت تجمعه ببعض أصدقائه في بيتنا قال له أحدهم معلقاً على طلب أحد ضيوفه ممَّنْ لم تكن له صلة أو معرفة سابقة بالوالد، وإنما لجأ إليه يطلب شفاعته في أمر ما، قال له ذلك الصديق: إن هذا الرجل ال.... وذكر اسم المنطقة التي ينتمي إليها، لا يبدو أنه صادق في كل ما قاله!!، وأسهب في هذا؛ لكن الوالد أجابه بأن لديه قناعة راسخة بأن المروءة لا تتجزأ وأنها ليست مقصورة على مساندة أبناء المنطقة التي ينتمي إليها هو وصديقه المتحدث!! إيها الأب الحبيب، كنت في سنوات عمري الأولى أغار ممن أراهم يشاركونني حبك ورعايتك واهتمامك؛ لكنني اليوم أدركت أن قلبك الكبير لم يكن ليعمر - فقط - بحب أسرتك، فقد كانت المساحات الواسعة فيه تجعلك قادراً على محبة الجميع. * معلومات عن الوالد هو فهد بن علي بن عبدالعزيز بن سليمان بن محمد العريفي. ولد في لبدة في حائل في ربيع الآخر من سنة 1348ه. والدته هي: فاطمة بنت رشيد الناصر الرشيد الليلي. كان له أخَوَان وسبع أخوات توفوا جميعاً في سنواتٍ مبكرة. أخواه هما: 1- عبدالكريم الأول توفي في 23 شعبان 1354ه. 2- عبدالكريم الثاني توفي في 23 رمضان 1371ه وعمره سبع عشرة سنة. تزوج الوالد مرتين: الأولى في 26 رجب 1366ه والثانية في 11 شوال 1372ه وله من الأبناء: 1- عبدالعزيز. 2- أحمد. 3- خالد. وخمس بنات.