يقول الحق سبحانه وتعالى{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} هذه الآية الكريمة كفيلة وحدها بايقاظ إحساس من تدبرها وأمعن النظر طويلاً في مناشدة الرب الرحيم لعباده المؤمنين تفضلاً منه وإحساناً، لأن تلين قلوبهم لذكره وتنقاد للحق. وحذرهم سبحانه من قسوة القلب والتشبه بأهل الكتاب من يهود ونصارى. ويروى أن هذه الآية كانت سبباً في هداية العابد المجاهد الفضيل بن عياض رحمه الله، حين سمع قارئاً يتلوها ويرددها، حيث خالطت بشاشتها قلبة. فانتهى من فوره عن المعصية وعقد العزم على التوبة النصوح، فأصبح مشعل هداية. تلك الخاطرة تداعت أمامي وأنا أجيل النظر فيما خلفه العدوان الآثم الذي استهدف مبنى الإدارة العامة للمرور بالرياض يوم الأربعاء الموافق 2-3-1425ه من قبل المعتدي الباغي فألحق خسائر فادحة بالأرواح المؤمنة والممتلكات العامة والخاصة وروع الآمنين. ومما زاد هول الفاجعة، ان مرتكب تلك الحماقة والوحشية مواطن يفترض فيه أنه يدين لله الواحد القهار. بدليل أنك لو وصمت ما سيقدم عليه من تنفيذ لتلك الجريمة، أنه عمل إرهابي تحرمه الشريعة الإسلامية وأن من لازم ارتكابه خروج صاحبه عن الدين حيث يتسبب في قتل نفسه وأنفس معصومة بغير حق. بدليل قوله سبحانه {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. لو قلت له ذلك، لعتب عليك وقال كيف تخرجني من حظيرة الإسلام بل قد يرى أنه يتقرب الى الله بذلك ويعتبره جهاداً، نسأل الله السلامة والعافية. وهذا منتهى الضلال حيث المسخ الذي يستحكم معه انغلاق الذهن على فتنة الشبهات فتصور له خيالاته المريضة حسناً ما ليس بالحسن، وصدق الحق حيث يقول: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً}. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد حين أورد قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هدايةً أعظمهم جهاداً. وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته ومن ترك الجهاد فاته من الهدي بحسب ما عطل من الجهاد - ا.ه. فأين هؤلاء القوم الذين يستبيحون بلاد المسلمين من كلام تلميذ شيخ الإسلام ابن القيم هل جاهدوا أنفسهم وأهواءهم وشياطينهم ودنياهم؟ بل باعوا أنفسهم للشيطان، فأدخلهم من باب الشبهة، والذي هو أعظم فتنة من باب الشهوة يقول ابن القيم في موضع آخر: دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعة الله ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه. وعوداً على بدء ما استفتحت به الموضوع من قوله سبحانه {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} لأذكر أولئك الخارجين عن جادة الصواب ان يتقوا الله في إخوانهم المسلمين ويتوبوا إلى رشدهم، ويحقنوا دماءهم ودماء إخوانهم ويوجهوا سهامهم إلى أعداء الأمة المتربصين بها فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى رص الصفوف ووحدة الكلمة لمواجهة اليهود والصليب المحتل، الذي مافتئ يعمل جاهداً على اختراق الجبهة الداخلية. وأعيذهم بالله أن يكونوا معولاً من المعاول الهدامة، ذلك أن تفجير الوشم لا يخدم الا أعداء الإسلام حيث لا يمكن بحال أن تجد له مايبرره من الناحية الشرعية حيث استهدف منشأة حكومية يعمل فيها مسلمون. قد يكون من بين العاملين او المراجعين قريب لمن اقترف الجريمة، فضلاً عن ان جميع منسوبي الجهة والمستفيدين من خدماتها إخوان مسلمون والمسلم لايزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً - مع ما في ذلك من مفارقة الجماعة وشق عصا الطاعة وتلك كبيرة من كبائر الذنوب - قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية). فعلى حاملي السلاح على إخوانهم المسلمين التوبة النصوح والكف عن ترويع أهلهم ومجتمعهم فالرجوع للحق خير من التمادي في الباطل، كما ان عليهم ان يصدروا فيما يأتون ويذرون عن العلماء الربانيين الراسخين في العلم. نسأل الله ان يمنَّ على أولئك الخارجين بالهداية وأن يرينا وإياهم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا وإياهم الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وأهيب بهم أن يتأملوا ردود الفعل للحادث الأخير، حيث استنكره واستهجنه عموم المسلمين في الداخل والخارج ولم نجد بحمد الله من يبرره. وآمل ان يقفوا جيداً عند بيان أصحاب الفضيلة المشايخ: الشيخ عبدالرحمن البراك، الشيخ د.عبدالله الجبرين، الشيخ د.سفر الحوالي، الشيخ د. سلمان العودة، الشيخ د. عبدالله التويجري، الشيخ د. ناصر العمر، المنشور في هذه الصحيفة بتاريخ 7-3 حول أحداث التفجير والقتل في المملكة، حيث جاء بياناً شافياً لمن يبحث عن الحق. وفقهم الله وسدد خطاهم وبارك في جهودهم.