لقد آلمنا جميعاً نحن أهل هذه البلاد المباركة، بل آلم كل مسلم غيور على دين الإسلام، ما حدث في يوم الأربعاء الموافق 2-3-1425ه بمدينة الرياض من تفجير مدمر، استهدف مبنى الإدارة العامة للمرور، حدث هذا العمل الإجرامي من فئة باغية ضالة مضلة، ارتكبت جرماً خطيراً وضلت ضلالاً بعيداً, وجلبت لبلاد الحرمين شراً مستطيراً، فئة لبست لبوس الدين لتحقيق مآربها وأطماعها الذاتية، فمن وافق هواها وما تعتقده من آراء وما تأخذ به من توجهات، فهو المسلم المجاهد الذي تجب موالاته ونصرته، ومن خالفها وبين لها وجه الحق والصواب، فهو العدو اللدود، الذي تجب محاربته والحكم بكفره واستباحة دمه وماله.. هكذا يفهمون الإسلام كما يحلو لهم ويخدم أهدافهم العدوانية ومبادئهم الهدامة، وأفكارهم المنحرفة. هؤلاء الخوارج المارقون، والقتلة المجرمون، أما آن الأوان لهم أن يثوبوا إلى رشدهم، ويتدبروا أمرهم، ويحكموا عقولهم، ويفيقوا من غيهم، ويعودوا إلى صوابهم، ويراجعوا أنفسهم ويحاسبوها على ما اقترفت جوارحهم من الجرائم والآثام ويفكروا في عواقب تلك الأفعال الشنيعة والأعمال الإجرامية الآثمة. أما آن لهم أن يكفوا عن غدرهم وبغيهم وظلمهم، ومن قتل إخوانهم المسلمين وسفك دماء الأبرياء المعصومين. أما آن لهم أن يعتبروا بمصائر الظالمين والمعتدين والمفسدين والطغاة الملحدين، وكيف أهلكهم الله وجعلهم عبرة للمعتبرين وأثراً للباقين.. ألا يقرؤون قول الحق تبارك وتعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227) سورة الشعراء، وقوله سبحانه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30) سورة الأنفال، وقوله عز من قائل: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} (15) سورة الطارق، {وَأَكِيدُ كَيْدًا} (16) سورة الطارق، وقوله عز من قائل: { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}. إن هذه العصابة المجرمة قد قست قلوبهم, وانطمست عقولهم وتبلدت أفهامهم، واستحكم لديهم الحقد والحسد والكراهية والبغضاء والعدوة والشحناء، واختلطت لديهم المفاهيم، فلا يستطيعون التمييز بين الحق والباطل والمشروع والممنوع، والخير والشر والفاجر والبر.. أو ليسوا يدعون زوراً وبهتاناً، أنهم يقصدون من تفجيراتهم الاعتداء على الكافرين دون المؤمنين مع أن ذلك لا يجوز شرعاً بنصوص الكتاب والسنة، فما بالهم قد طاشت سهامهم، وامتد عدوانهم، واستفحل شرهم، وعظم خطرهم فأجرموا بحق المسلمين... لقد استهدفوا بتفجيرهم الآثم، وجريمتهم النكراء، وفعلتهم الحمقاء قتل المؤمنين، وترويع الآمنين، وإحداث الفتنة والفرقة والشقاقة بين أفراد المجتمع وقيادته، وهم بذلك واهمون وفي غيهم يعمهون، وفي ضلالهم يتخبطون، وفي سوء أعمالهم سيقعون.. فأين هم من قول المولى سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء، وعن ابن عمرو رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. قال ابن العربي في شرحه للحديث: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة، حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول.. إلى أن قال: ثبت النهى عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف تقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟ فكيف بالتقي الصالح؟. وللبخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقات من جهينة فصبَّحنا القوم فهزمناهم، فلحقت أنا ورجل من النصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قلت يا رسول الله: إنما قالها متعوذا فقال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن اسلمت قبل ذلك اليوم، وفي رواية انه قال: (أفلا شققت عن قلبه)، ولمسلم أنه قال يارسول الله استغفر لي فقال: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة). فهل أدرك هؤلاء القتلة ما تضمنته هذه النصوص من تعظيم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وفداحة ذلك الجرم إنه لعجب أمر هؤلاء وما يريدون ويخططون إنهم يخدمون بأفعالهم الأعداء، ويسيئون إلى الإسلام ويجعلونه في قفص الاتهام بالإرهاب والعنف والتطرف والقتل والدمار، وهو من ذلك براء إنهم بصنيعهم هذا يطعنون الإسلام في خاصرته، فالإسلام دين الرحمة والسلام والعدل والأمن على النفس والأموال والأعراض والعقول، لا دين الغدر والخيانة والقتل والتدبير والتفجير. إننا على ثقة بأن ما حدث لن يزيد مجتمعنا إلا تلاحماً وتماسكاً وتعاوناً على البر والتقوى، وعلى فضح هؤلاء العابثين والوصول إليهم في أوكارهم وكشف مخططاتهم ودسائسهم وإجرامهم، فهم بذرة فاسدة ونبتة خبيثة لابد من اجتثاثها بحزم وصرامة والتصدي لهم بجميع الوسائل، فأمن البلاد والعباد مسؤولية الجميع وأمانة في أعناقهم ولن يسمح لأي ضال ومنحرف أن يشوه إسلامنا، ويعبث بأمننا ويقتل إخواننا ويهدر مقدراتنا ويعيث فساداً في بلادنا.. فاللهم اكفنا أذاهم بما شئت ورد كيدهم في نحورهم واحفظ اللهم البلاد والعباد من شرورهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.