إن الحدث المروع الذي روع عاصمة الحرمين الشريفين مستهدفا أمن هذا البلد المبارك لهو حدث مفجع ومذهل في نفس الوقت، حيث يعجز الإنسان حينما يفكر في جسامة هذا العمل وخطورته وانتهاكه لحرمة الأنفس والدماء المعصومة، وترويع وتخويف الآمنين، وما نتج عنه من قتل المسلمين الآمنين من غير حق، وإصابة لأبرياء، وتخريب وفساد في الأرض يعجز عن معرفة الهدف من وراء هذا العمل الإجرامي الآثم، وماذا تريد هذه الفئة الضالة من عملها هذا الذي يتنافى مع أحكام الشريعة الغراء ويعد من باب الحرابة للمسلمين والإفساد في الأرض. إننا لا نجد من دوافع هذا العمل الإجرامي سوى انحراف ضال لفكر هذه الفئة الباغية يذكرنا بنزعة التكفير والخروج على الأئمة التي مرت عبر التاريخ وأخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم. إن من المؤلم حقا، والغريب في نفس الوقت، أن تتخذ هذه الفئة الضالة نهج التكفير لتتحول أداة في يد أعداء الأمة لتحارب دينها وتعمل لزعزعة أمن هذه البلاد الشامخة القائمة على حكم الشريعة، ولكن لعلم هؤلاء إن أعمالهم الإجرامية الآثمة سوف ترتد عليهم عاجلا أو آجلا، بإذن الله، وسوف تبقى هذه البلاد بلاد التوحيد عزيزة شامخة بإيمانها قوية بعقيدتها وتلاحم أبنائها، وسوف تبقى دوحة آمنة من خلال تطبيقها لشرع الله وإقامتها لحدوده، كما سوف تبقى مضرب المثل في الأمن والاستقرار، راعية لحقوق المسلمين وقائمة بدورها الريادة في العالم. إننا أمام هذه الأحداث، التي نستنكرها أشد الاستنكار لكونها تتنافى مع عقيدتنا وديننا، لا يجوز أن نبرر أفعالها بحال من الأحوال، حيث انكشف زيف أصحابها باستخفافهم بدماء المسلمين، ونؤكد على أمور من أهمها ما يلي: 1- يجب أن تراجع هذه الفئة الباغية فكرها في مسائل عقدية مهمة تتعلق بحرمة الدماء المعصومة وحكم الإفساد في الأرض وقتل الأبرياء والتعدي على الآمنين والتي حرمها الله ورسوله بنصوص قطعية وحكم الخروج على ولي الأمر. 2- على هذه الفئة أن تراجع أحكام الجهاد في الشريعة مفهومه وضوابطه وأن لا تترك لنفسها تفسير مفهوم الجهاد لأهوائها فتجني على نفسها وأمتها ودينها. 3- على هذه الفئة أن تراجع أخذ فتاواها من العلماء المعتبرين وتتقي الله في إصدار أحكامها. 4- إن تعلم هذه الفئة خطر ما تقوم به من أعمال، وأنها بأعمالها هذه تتسبب في تشويه حقيقة الإسلام وأحكامه العادلة السمحاء وتجعل من أفعالها مطية لأعداء الملة والدين للنيل من عدالة الإسلام وسماحة أحكامه إلى رميه بالإرهاب والتشدد والجور والاعتداء على الآمنين، وهو من ذاك براء، كما أن أعمالها هذه في بلاد الحرمين تعتبر جرما شنيعا لأن هذه البلاد الظاهرة تمثل رمز الإسلام ومنبع نوره ومهد الرسالة، فكيف تحارب بلاد التوحيد بيد فئة من أبنائها الذين يؤمل فيهم سلامة المعتقد وصدق التوجه وصحة المنهج وصدق الولاء والمحبة لبلادهم التي منها انتشرت رسالة الإسلام وإليها تهفوا قلوب المسلمين جميعا؟؟ 5- إنني مع هذه الأحداث أخاطب نفسي وزملائي من طلبة العلم والدعاة إلى الله بالقيام بواجبهم في تصحيح ما قد يوجد من مفاهيم خاطئة وتصورات مغلوطة عن بعض القضايا العقدية المهمة التي قد تكون سببا في انحراف في الفكر والجنوح والإفراط والتشدد على غير هدى ونور، كما ادعو إلى كشف كل الأفكار والتوجهات مهما كان نوعها وتحذير الناشئة منها. 6- على وسائل الإعلام مسؤولية إتاحة الفرصة للعلماء والغيورين من أبناء هذه البلد وطلبة العلم الشرعي للتصدي لهذه الأفكار الضالة التي تقود إلى هذه الجرائم الخطيرة وتبصير الناس من خلال وسائل الإعلام بالدين الحق والاهتمام بالخطاب الإعلامي الصادق الذي يقترن بالعلم والحكمة، مع التركيز على أهمية الوضوح والشفافية في طرح قضايا التكفير والعنف والغلو وبيان أسبابها وآثارها من العلماء والمختصين. 7- على الغيورين والمؤسسات التعليمية والدعوية، خاصة الجامعات، إعلان الوجهة الشرعية وتأصيلها لقضية الإرهاب وربط ذلك بفتاوى العلماء ونظام الدولة، مع استقراء شبهات هذه الفئة الضالة ودعاواهم وتلبيسهم والرد على حججهم من خلال برامج وخطط علمية مدروسة ومبرمجة بصفة دائمة وليست ردود فعل لأحداث طارئة. 8- على أهل الحل والعقد في بلادنا ممارسة دورهم الريادي للانفتاح على الناس وربطهم بالمرجعية الدينية وخاصة مع الناشئة من الشباب. وختام عزائي لمن طالتهم اليد الآثمة من رجال الأمن وغيرهم ممن أصيبوا في هذا الاعتداء المنكر، وعليهم الصبر والاحتساب، وليعلم رجال الأمن أن الجميع معهم بالدعاء لهم بالإعانة في القيام بواجبهم، حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا وأمتنا من كل مكروه، وأدام على بلادنا نعمة الأمن والأمان في ظل أحكام الشريعة المطهرة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.