تناولنا في الأسبوع الماضي كيفية صنع القرار الإداري وأنواع القرارات التي يصدرها المدير، ومراحل عملية صنع القرارات، ومرحلة تشخيص المشكلة، وفي هذا الأسبوع مرحلة البحث عن البدائل وتقييمها، واختيار البدائل والنواحي السيكولوجية في صناعة القرارات والمشاركة فيها، والوقت المناسب لاتخاذ القرار والجرأة والتردد في إصدار القرار. ثانياً: مرحلة البحث عن البدائل: المقصود بذلك البحث عن الحلول والمسالك المختلفة لحل المشكلة القائمة، وهذه المرحلة شاقة ودقيقة، وتتطلب من الرئيس الإداري - شأنها شأن مرحلة تشخيص المشكلة - الاستعانة بآراء الغير، المتخصصين منهم والمبتكرين. ويندر أن توجد مشكلة ليس لها سوى بديل واحد، و إنما توجد في العادة عدة بدائل أو مسالك، لكل مزاياه وعيوبه، وينبغي أن يضع صانع القرار في اعتباره جميع البدائل الممكنة، وهو يستطيع التعرُّف على هذه البدائل أو المسالك بالطرق الآتية: 1 - عن طريق خبراته السابقة في المواقف المماثلة، وكذلك عن طريق مقارنة الحلول التي يتبعها غيره من المديرين في الوحدات الأخرى، مع ضرورة ملاحظة الفوارق التي ترجع إلى الظروف المحيطة بكل مدير وبكل وحدة. 2 - أن يعمل المدير قدر طاقته على الوصول إلى بدائل وحلول ابتكارية وفعَّالة، وهو لن يستطيع تحقيق ذلك إلا بعد دراسة كافية وشاملة لجميع أبعاد المشكلة، على هذا النحو لا يجب أن يكتفي بتقليد ما يفعله غيره، وإنما يجب أن يكون له في مواجهة الموقف أو المشكلة الراهنة تفكير ذاتي ومستقل. ثالثاً: مرحلة تقييم البدائل: عندما يتضح للمدير البدائل المتاحة وجب عليه بعد ذلك أن يقوم بتقييم كل بديل على حدة من النواحي الآتية: 1 - إمكانية تنفيذ البديل ومدى توافر الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذه. 2 - تكاليف تنفيذ البديل ومدى الكفاية التي يحققها من حيث الاقتصاد والسرعة والإتقان. 3 - آثار تنفيذ البديل على العمل داخل المنظمة وخارجها. 4 - الآثار النفسية والاجتماعية للبديل، أي مدى انعكاساته على أفراد التنظيم، ومدى قوة أو اهتزاز العلاقات التي يمسها خاصة إذا كان البديل يهم مصالح الجمهور. 5 - مناسبة الوقت والظروف لتبني هذا البديل. 6 - استجابة المرؤوس للبديل. 7 - الزمن الذي يستغرقه تنفيذ البديل. ومن الطبيعي أن نجاح المدير في تقييمه للبدائل أمر يتوقف على مدى صدق وحداثة البيانات التي بجب أن يحاط بها، وكذلك على مدى وصول هذه المعلومات في الوقت المناسب أي قبل إصدار القرار، إذ لا يجب أن يتخذ المدير قراراته على أساس مغامرة طائشة، بل على أساس مغامرة محسوبة وفي ضوء النظرة الشاملة والكلية وليس في ضوء النظرة القاصرة أو الوقتية، ومن الجدير بالملاحظة أن نقرر أن عملية تقييم البدائل تتسم بالخاصية الإنسانية، وتتسم بالمنطق المعقولية، ويتوقف على حسن التقييم الرشد في اتخاذ القرارات. رابعاً: مرحلة الاختيار بين البدائل: تمثِّل هذه المرحلة أشق المراحل التي يجتازها المدير قبل اتخاذ القرار، فبعد أن يتم تقييم البدائل على الوجه الذي بيَّناه يبقى بعد ذلك القيام بعملية التفضيل والاختيار فيما بينها، ويتسم ذلك بمقارنة البدائل من حيث المزايا والعيوب، ثم اختيار البديل الأفضل والأحسن، والتوصل إلى الحل الأمثل أمر يتطلب خبرة ودراسة عملية، ويتوقف الاختيار على توافر عناصر معينة في المدير، مثل الكفاءة وقوة الشخصية، وقدرته على التصرف السليم، وحالته النفسية وقت الاختيار، هذا فضلاً عن نوعية الظروف التي تحكم إدارة المنظمة، كما يتوقف أيضاً هذا الاختيار على الظروف المحيطة بالعمل ومدى الضغوط الداخلية أو الخارجية التي تمارس على متخذي القرار واتجاهات الرأي العام بشأنه. فعلى سبيل المثال إذا تقدم أحد أساتذة الجامعة بطلب للموافقة على إعارته للعمل بالخارج بإحدى الجامعات الأجنبية فيكون أمام رئيس الجامعة الاختيار بين أحد بديلين، إما الموافقة على طلب الإعارة وإما رفض هذا الطلب. فقد يوافق على طلب الإعارة رغبة في توثيق العلاقات الثقافية بين الجامعة والجامعة المطلوب الإعارة إليها، وحتى لا يحرم طالب الإعارة من مصدر رزق مشروع يبتغيه هذا الأخير لتحسين أحواله وظروفه المادية، أو لوجود أفراد أسرته بالخارج ويخشى أن يؤدي رفض الطلب إلى إضعاف روحه المعنوية، أو لأن الأستاذ الجامعي يستطيع في هذه الحالة أن يحصل على إجازة وفقاً لأحكام القانون بسبب مرافقة الزوجة بالخارج. وقد يرفض المدير طلب الإعارة لاعتبارات المصلحة العامة وحاجة العمل إليه، أو لماضي الموظف غير المشرف، إلى غير ذلك من الدوافع التي قد تؤدي برئيس الجامعة إلى رفض طلب الإعارة. وهكذا فلكل بديل مزاياه وعيوبه، وعلى المدير أن يزن كلاً منها ويختار الحل أو البديل الأمثل. النواحي السيكولوجية في صناعة القرارات والمشاركة فيها يعنى فقهاء الإدارة العامة بالنواحي السيكولوجية في إعداد القرار ويركزون على ضرورة المشاركة في صنعه ممن يعنيهم أمر القرار وخاصة القائمين على تنفيذه، فإلى جانب النواحي الرسمية المتمثلة في ظروف العمل والإمكانيات المادية التي يستند إليها مصدر القرار تلعب النواحي النفسية أو السيكولوجية دوراً ما في إعداد القرار. فالمشرف الإداري يجب أن يتمتع بما يسمى بالحاسة الإدارية في قيامه بمهام الإدارة، ويجب أن يؤمن إيماناً كاملاً بوجوب تحقيق أهداف المنظمة قدر إيمانه بوجوب تحقيق أهدافه الذاتية أو الخاصة، وأن يعمل على إيثارها أياً كان رأيه فيها، وكما يقول الفقه إنه في اللحظة التي يحس فيها رجل الإدارة أن شعوره الشخصي قد أصبح لا يساير أهداف المنظمة أو يتعارض معها بدرجة خطيرة يجب عليه أن يغادر مركزه فوراً، أو من الأفضل له وللمنظمة في تلك الحالة أن يتخلَّى عن مسؤولياته لغيره، وعملية صنع القرار يجب ألا تقف عند حد المدير أو المشرف الإداري، وإنما هي عملية جماعية يجب أن تمتد إلى معاوني المدير أو مساعديه وإلى كل من يهمهم أمر القرار أو يمس مصالحهم ومن هنا كان التركيز على الجانب السيكولوجي في عملية صنع القرار بالاهتمام بعنصر المشاركة من جانب موظفي التنظيم أياً كان قدر هذه المشاركة سواء بالاقتراح أو الرأي أو المعلومات اللازمة لإصداره، خاصة في المسائل التي تعنيهم وتهم مصالحهم أو مراكزهم في التنظيم، إذ يؤدي هذا الاشتراك إلى جعل القرارات أكثر واقعية وأكثر قبولاً للتنفيذ عن رغبة واقتناع، فالذي يجمع عليه المهتمون بدراسة الإدارة العامة هو أن القرار الذي يصنع بالمشاركة (القرار الجماعي) يكون أفضل من ذلك الذي يصنع عن طريق المدير وحده (القرار الانفرادي). والاشتراك في صنع القرار يعطي موظفي التنظيم الشعور بأهميتهم مما يؤدي إلى الإخلاص في العمل والتفاني في خدمة وإعلاء صالح المنظمة والعمل على تحقيق أهدافها، كما أن عملية المساهمة من جانب موظفي التنظيم في جميع المستويات في صنع القرارات يؤدي إلى تربية كوادر جديدة من القيادة الإدارية تكون مدربة وذات خبرة في صنع القرارات، هذا فضلاً عن تحقيق ميزة الثقة المتبادلة بين الرؤساء والمرؤوسين. ولا شك أن وجود العامل الإنساني في عملية صنع القرارات وتدخل العوامل النفسية أو السيكولوجية فيها هو الذي يبرر مدى اختلاف القرارات التي تصدر في الحالات المتماثلة والمتشابهة باختلاف القادة أو الرؤساء ومدى علاقتهم بأعضاء التنظيم، إذ أثبتت التجربة اختلاف القرارات التي يصل إليها مشرفون إداريون تحيط بهم ظروف إدارية متماثلة لاختلاف أساليب مواجهة كل منهم للمواقف ومدى العلاقات الشخصية التي تربط هؤلاء المشرفين مع المرؤوسين في المنظمة ومدى ما يتسمون به من قوة التركيز والبعد عن التردد والاستعداد لتحمل المسؤولية وحسم الأمور. الوقت المناسب لاتخاذ القرارات يعتبر عنصر الوقت من العناصر المؤثرة في رشد القرارات الإدارية، فمن ناحية يكون لعنصر الوقت أهميته في شأن التعرُّف على المشكلة ذاتها والتي يلزم اتخاذ قرار بشأنها، فمعرفة المشكلة وتعيين حدودها في الوقت المبكر والمعقول يتيح الفرصة لدراستها وعلاجها العلاج الدائم والمناسب، وعلى العكس من ذلك يؤدي التأخر في اكتشاف المشكلة إلى تفاقمها وصعوبة علاجها وقد يؤدي إلى التعثر في اكتشاف أفضل الحلول بشأنها. وعلى أي حال فإن ما يجمع عليه فقه الإدارة العامة والمهتمون بها هو أن المشرف الإداري الحاذق يجب أن يتمتع بما يسمى بالحاسة الإدارية، فيتنبأ بالمشكلات قبل وقوعها، كما يجب على مساعديه أن يعملوا على إبلاغ المدير بعوارض المشاكل في التنظيم وهي في دور النشأة حتى يتمكن المدير من علاجها العلاج الأمثل في الوقت المناسب والمعقول. ومن ناحية أخرى يكون لعنصر الوقت أهميته في تحديد الوقت اللازم والملائم، ويكون ذلك بالتعرُّف على المشكلة لإصدار القرارات، إذ يؤدي التسرع في اتخاذ القرار في غالب الأحيان إلى عدم الوصول إلى قرار مناسب أو صائب، فقد يحتاج القرار إلى وقت معين يتم خلاله جمع البيانات والإحصائيات والمعلومات والاستعانة بأهل الخبرة والرأي لتحليل المشكلة، والبحث عن البدائل أو تقييمها واختيار البديل الأمثل، كما أن البطء في اتخاذ القرار والتأخر في إصداره قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة وزيادة حدتها الأمر الذي يؤدي إلى عدم فاعلية القرار المتخذ. ومن ناحية ثالثة فإن عنصر الوقت يزداد أهمية بالنسبة للأمور العاجلة التي تتطلب التصرف السريع والملائم في ذات الوقت، والمشرف الناجح هو الذي يوائم بين شطري هذه المعادلة، سرعة التصرف والملائمة والرشد في القرار المتخذ، فلا يتأخر في إصدار هذه القرارات فتتفاقم المشكلة ولا يصدر بذريعة العجلة والسرعة قرارات غير واقعية فلا يمكن تنفيذها. ومن ناحية أخرى، فإنه يلاحظ أن أهمية عنصر الوقت لا تبدو بالنسبة للمدير متخذ القرار فقط، بل تبدو أيضاً بالنسبة للمساعدين والمرؤوسين، إذ يجب أن يعرف هؤلاء بمضمون القرار ووقف اتخاذه حتى يكونوا على استعداد للقيام بدورهم في تنفيذه خاصة إذا كان القرار يمس بالتعديل أو الإلغاء قرارات سابقة تم اتخاذها في التنظيم. كما يكون على مشرف الإدارة أن يعمل أولاً على إحاطة كبار معاونيه من المختصين أو ممن يتصل القرار بصميم عملهم بالقرارات المتخذة قبل بقية العاملين في التنظيم. فمثلاً يكون على المدير إذا ما اتخذ قراراً بشأن تخفيض فترات الراحة أو زيادة ساعات العمل في التنظيم أن يبلغه أولاً لمدير شؤون الأفراد قبل بقية موظفي التنظيم احتراماً لمبدأ عدم التخطي في إبلاغ القرارات، إذ يقع على كاهل مدير شؤون الأفراد وحده في المثال السابق إبلاغ الموظفين بهذا القرار وهو أيضاً الذي يدخل في اختصاصه الإجابة على أسئلتهم في شأن تبرير هذا التعديل. الجرأة والتردد في إصدار القرارات لا شك أن الجرأة في اتخاذ القرارات أمر مطلوب ولازم، إذ كثيراً ما تقتضي بعض المواقف المؤثرة في حياة التنظيم سرعة المواجهة واتخاذ قرارات حاسمة بشأنها.ولا نعني بالجرأة في هذا الخصوص إصدار المدير لقرارات عشوائية أي غير مدروسة وإنما تعني سرعة مواجهة المواقف وحسم الأمور بقرارات مدروسة ومؤثرة. لذلك يوصي المهتمون بدراسة الإدارة العامة بوجوب الابتعاد كلية عن ظاهر التردد في إصدار القرارات التي انتشرت في معظم أجهزة الإدارة فأدت إلى خلق حالات من الفوضى والتشتت في هذه الأجهزة، الأمر الذي حال بينها وبين تحقيق أهدافها. وترجع ظاهرة تردد المديرين في إصدار القرارات إلى اعتبارات معينة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: 1 - حداثة المدير بالعمل، الأمر الذي يجعله ميالاً إلى تأجيل إصدار القرار عسى أن تستجد ظروف قد تعفيه نهائياً من عبء إصدارها. 2 -عدم كفاءة المدير ونقص تدريبه، الأمر الذي يجعله عاجزاً في النهاية عن معرفة البدائل أو تقييمها ومعرفة العيوب والمزايا لكل بديل. 3 - عدم وضوح الاختصاصات والسلطات، فقد تكون النصوص المنظمة لاختصاصات وسلطات مصدر القرار غير واضحة الوضوح الكافي، الأمر الذي يترتب عليه في غالب الأحيان التردد في إصدار الكثير من القرارات، بل والإحجام عن اتخاذها. 4 - الخوف من اتخاذ القرارات، وقد يرجع ذلك إلى ظروف شخصية بالمدير وعدم اعتياده على تحمل المسؤولية في صغره، وقد يرجع ذلك أيضاً إلى كثرة التنقلات والمساءلات مما يجعل المدير يتردد في إصدار قراراته ويفضِّل أن يشترك معه غيره من رؤسائه في إصدارها حتى تتوزع المسؤولية وتتشعب. 5 - ضيق الوقت لدى المدير، فلا يستطيع الإحاطة بالبيانات اللازمة حتى يستطيع دراستها، وبالتالي لا يستطيع تقييم البدائل المتاحة لديه حتى يتسنى له اختيار البديل الأمثل. 6 - وجود ضغوط داخلية وخارجية رسمية أو غير رسمية، الأمر الذي يجعل المدير يتردد في إصدار القرارات وإذا أصدرها فإنها تصدر غالباً تلبية لهذه الضغوط وإرضاءً لها محافظة على مركزه داخل التنظيم. * المصدر: تنمية المهارات القيادية للمديرين الجدد التوثيق العلمي - مركز القرارات للاستشارات د. السيد عليوه