يقال عن إدوارد سعيد ويوصف بأنه مثقف واسع الاطلاع متعدد الاهتمامات، فلسطيني المولد، عالمي الأفق، اهتم بالأدب المقارن والفلسفة وقضايا الفكر والسياسة، وقد عرف منذ صباه بشغفه بالقراءة والموسيقى، فأصبح مثقفاً كبيراً وكاتباً ومفكراً وعازفاً على آلة البيانو. ولعل من يتابع سيرة هذا الباحث والناقد، الذي رحل مؤخراً، يجد ان إدوارد سعيد اختار منذ البداية الدخول في مواجهات فكرية ومعارك علمية ونقدية امتدت لعقود طويلة من أجل إنارة الرأي العام الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً بحقيقة الحضارة العربية والإسلامية، وبدورها في إثراء الحضارة الإنسانية وتصدى بشجاعة نادرة للهجمات المعادية والحملات المغرضة التي شنتها منظمات اللوبي الصهيوني ضده، وضد القضية الفلسطينية العادلة، وانه بفضل رجاحة عقله وقوة حجته وقدرته المنطقية على الإقناع نال تقديراً كبيراً من المؤسسات الأكاديمية والثقافية والإعلامية والسياسية الأمريكية والأوروبية، وظل ارتباطه قوياً بتطورات الأوضاع في موطنه الأصلي فلسطين حتى آخر لحظة من حياته. ويرى عدد من النقاد والباحثين ان أهمية (إدوارد سعيد) تكمن في المستوى النظري، وفي مستوى الممارسة النقدية من موقعه التأسيسي في الدراسات والنقد ما بعد الكونيالي، حيث أكد على الوظائف السياسية والثقافية للكتابة، ما جعله علماً في التيار الرئيسي للنظرية المعاصرة، إذ كشف عن الكيفية التي تكون فيها النظرية واقعية بشكل ما هي عليه في الحقيقة وبوصفها موجودة في كل مكان، وبسبب من الأسباب وضمن تاريخ محدد. والواقع ان إدوارد سعيد كان مثقفاً ومفكراً خلافياً، إذ كانت آراؤه وأفكاره موضع أخذ ورد بين مؤيد لها أو معترض عليها، لكنه باتفاق الجميع كان شجاعاً في استخدام النقد سلاحاً ضد الامبراطوريات الكبرى، وحركات المد الكولونيالي، وفي مجالات الحياة كلها الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والذاتية، فقد سخر قلمه لرفض العدوان والظلم وسلب الأرض، وتزييف الوعي والهوية، وظل معارضاً لمقولات صدام الحضارات، وصراع الثقافات وموت التاريخ ونهايته، مؤكداً على مبادئ الحوار بين الثقافات والتعايش بين الشعوب على أسس من العدالة الحقيقية والاحترام الإنساني. ولد إدوارد سعيد في القدس عام 1935م، وأصبح لاجئاً مع عائلته بعد تقسيم فلسطين عام 1947، فانتقل إلى القاهرة ليبدأ الخطوة الأولى في المنفى القسري، الذي دفعه إلى بيروتوالولاياتالمتحدة وغيرهما من المدن والبلدان، وقد عبر عن ذلك في سيرته الذاتية التي دونها في كتابه (خارج المكان) والتي سرد فيها تفاصيل حياته الشخصية والأدبية والتعليمية والسياسية، وعلاقته بالأماكن والأشخاص، مما شكل كما قال جزءاً عضوياً من عملية نموه، واكتساب هويته ووعيه النفسي والفكري. تعلم إدوارد سعيد في مدرسة سان جورج، ومن ثم في كلية فكتوريا، وتابع في المدرسة التحضيرية في ماساشوستس في الولاياتالمتحدة، وتخرج في جامعة برنستون الأمريكية، حيث حصل على الدكتوراه من جامعة هارفرد بأطروحته عن أدب جوزيف كونراد، ثم أصبح أستاذاً للأدب المقارن في جامعة كولومبياالأمريكية، فضلا عن كونه أستاذاً زائراً في العديد من الجامعات الأمريكية الأخرى، حيث اقتحم سبات النخب الأمريكية والأوروبية، وجعل من نفسه رمزاً مغايراً لفلسطين، ليس رمز المشرد الذي يعتمر الكوفية ويفترش الجوع بل الفلسطيني الناقد، والقادر المتربع في صدارة الأكاديمية الأمريكية والرافض أن يهادن أو يتراجع. وما يجدر ذكره ان إدوارد سعيد ترك تراثاً مهما على صعيد الدراسات المعرفية والنقدية والفكرية والسياسية، ولعل أهم مؤلفاته كتابه (الاستشراق) الذي صدر بالإنجليزية عام 1978م وترجم منها إلى العربية والعديد من اللغات الأجنبية، والذي أثار جدلاً واسعاً ونقداً عاصفاً في الشرق والغرب على السواء، حتى ان صحيفة نيويورك تايمز اعتبرت ان إدوارد سعيد تحول بفعل كتابه الاستشراق إلى رمز مؤثر في الجامعات والأكاديميات الأمريكية والأوروبية وإلى بطل للكثيرين خاصة الطلاب الشباب المؤيدين لليسار، والذين أصبح الكتاب لهم بمثابة الدليل والرشد، وأصبح الوثيقة المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمار. ومن مؤلفاته الأخرى عدا مشاركاته الواسعة في المؤتمرات والندوات، وذلك الحجم الهائل من المقالات والدراسات والبحوث نذكر الكتب التالية: جوزيف كونراد وأدب السيرة الذاتية - بدايات - الأدب والمجتمع - سؤال فلسطين - العالم والنص والناقد - بعد السماء الأخيرة - لوم الضحية - توسعات موسيقية - الثقافة والامبريالية - صورة المثقف - خارج المكان - تأملات عن المنفى - نهاية عملية السلام - تغطية الإسلام - السلام والسخط - سياسة التجريد.