قال اسحاق بن حسان بن قوهي: لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع أحد قط سئل ما البلاغة؟ قال: البلاغة اسم جامع لمعان تجرى في وجوه كثيرة. فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاشارة، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جواباً، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شعراً، ومنها ما يكون سجعاً وخطباً، ومنها ما يكون رسائل. فعامة ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها، والاشارة إلى المعنى، والايجاز، هو البلاغة. فأما الخطب بين السماطين، وفي اصلاح ذات البين، فالاكثار في غير خطل، والاطالة في غير املال. وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما ان خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته - كأنه يقول: فرق بين صدر خطبة النكاح وبين صدر خطبة العيد، وخطبة الصلح وخطبة العيد، وخطبة الصلح وخطبة التواهب، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه، فانه لا خير في كلام لا يدل على معناك، ولا يشير إلى مغزاك، وإلى العمود الذي اليه قصدت، والغرض الذي إليه نزعت قال: فقيل له: فان مل السامع الاطالة التي ذكرت انها حق ذلك الموقف؟ قال: إذا اعطيت كل مقام حقه، وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو، فانه لا يرضيهما شيء. وأما الجاهل فلست منه وليس منك ورضا جميع الناس شيء لا تناله. وقد كان يقال: (رضا الناس شيء لا ينال).