عنوان لكتاب صدر في النادي الأدبي بحائل، من إعداد استاذ الجيل في حائل، أديباً ومربياً في التعليم، الأستاذ عبد الله تركي البكر.. لقد عرفت الأستاذ طالباً من أنبه الطلاب، ومحباً للأدب القديم خاصة بعصوره المختلفة، يحفظ الأشعار، ويعجب بأساليب اللغة، وبلاغتها وأمثالها، يحاكي الأصمعي في الرواية النثرية، أو أحد الحمّادين في حفظه وروايته للمطولات الشعرية، محباً للمقامات عند الهمذاني والحريري.. وفي مداعباته مع زملاء، يقلد ما في المقامات من سجع وخيال. كما كان يشارك في النوادي المدرسية، ببعض مدخراته، ومكنوز حفظه.. ولكنه بعد التخرج كثر صمته الأدبي فيما يظهر للبعيدين عنه.. لكن قطع ذلك مناسبة تحركت فيها كوامن نفسه، فألقى خطبة ارتجالية أعجبت الحاضرين، رغم استغراقها لأكثر من ساعة، في حين كان المقرر له، عدم تجاوز العشر دقائق.. الا ان نجم الحفل قد انسجم مع الأستاذ عبد الله، في سياحته الأدبية، ببلاغتها، وسلاسة اللفظ، فأومأ بعدم ايقافه، لأن للأديب اذا تفاعل واستغرق، وللبليغ اذا ساعده الله بطريقة الالقاء، وشمولية المعنى، مع استحضار الشواهد: شعراً ومثلاً سارياً ونثراً مناسباً.. ما يجذب مشاعر السامع، ويهيج شجن الأديب الذواق. كل ذلك مما يروض فكر السامع، ويعطيه شغفاً بالاستماع، ورغبة في الاستزادة، لما يجد من لذة، يستطيبها كل متذوق للأدب، حريص على التزود من المنهل العذب الذي ورده اسلافنا بأدبهم الجزل، ولغتهم الفصيحة البليغة.. كما روي عن ابن المقفع عندما سئل عن البلاغة ما هي؟.. قال: هي التي إذا سمعها الجاهل، ظن انه يحسنها، فإذا أراد محاكاتها عجز عنها.. كنت أظن أن الأستاذ عبد الله البكر، قد انشغل بالأدب: كتابة ومشاركة، تلك السنين الطوال، مع أنه منذ تأسيس النادي الأدبي بحائل، وهو عضو عامل فيه، وقرأنا له: عن محاضرات أداها فيه.. لكن فيما يظهر انه آثر التفرغ للأدب، بعد التفرغ من العمل.. وها هو يبدأ بباكورة انتاجه، بهذا الكتاب الذي سوف نسير معه خطوات: كاتباً وكتاباَ.. شرفني المؤلف بإهداء نسخة من هذا الكتاب الذي يبلغ 196 صفحة بقوله: أهدي لكم نسخة من مؤلفاتي التي بدأت في تأليفها، راجياً أن تنال رضاك.. فاتشجع بالاستمرار في التأليف.. ومن هذه العبارة جزمت بأن هذا باكورة التأليف، في مصنف مستقل، وقد تكون محتويات هذا الكتاب من مادة جاءت على هيئة مقالات. كانت نظرات اجتماعية، زود بها الصحف في حينها.. وقد تكون أفكاراً جمعها، وأبقاها في مختزن مكتبته، بانتظار الوقت المناسب لإخراجها، والفراغ لمراجعتها.. ومهما يكن من أمر فإن هذا قد فتح قلب وفكر المؤلف على مصراعيه، لكي يواصل معه العطاء، بعد أن يقدح زناد ذهنه، ويستجمع ما تشتت من أفكاره أثناء الحياة العملية، بما تحمل من تبعات ومسؤوليات، لينثر ذلك المخزون: فكراً وتجربة، وآراء هي وليدة التجارب والنضج. لكن مكانة الأستاذ عبد الله البكر الأدبية، قد عبر عنها واحد من تلاميذه، ولا يقصد تتلمذه عليه، وانما يقصد انه استاذ جيل كامل.. حيث شهدت مدينة حائل بروزه أديباً تحدث عنه الناس بشكل غير عادي، منذ العقد الثامن، من القرن الهجري الماضي، حيث عاد إليها بعد أن تأهل تأهيلاً جامعياً في وقت كان فيه التعليم العام في بدايته، فأدهش الناس بما استطاع ان يمتلكه من مواهب فذة: وفرة في العلم، وسعه ثقافة، وتبحر في فنه، علاوة على عمق في تخصصه في اللغة العربية، وفنونها وآدابها. هكذا بدأ التقديم لهذا الكتاب، رئيس النادي الأدبي بحائل الدكتور رشيد فهد العمرو.. وهو توضيح من رجل عارف، قرعت مسامعه أقوال الناس، واعجاب الشباب منذ ذلك العهد بالأستاذ عبدالله البكر، وتعمق بإدراكه في حصيلة المؤلف، وهو ينثر جعبته بين تلاميذه: تدريساً ومحاضرات. والمقدم لا يكون مبالغاً حين قال: لكن مدينة حائل، في ذلك العهد، لابد أن تحتفل بابنها الذي جمع بين الثقافات العصرية، والإبحار في لغة الأجداد وتراثهم، فكأنه سيبويه معلماً، أو قس بن ساعدة خطيباً، إنه سهم خرج من أعماق التاريخ، واجتاز الى مقدمة العصر، أو قال: ضرب في الآفاق والأعماق معاً. كنا طلاباً نسمع حديثه، فكأننا نعيش حياتين: حياة العصور الزاهية للعرب في جاهليتهم، واسلامهم فصحاً وطلاقة واقتداراً لعلها فصاحة ، وحياة العصر الحديث وعياً وثقافة وابداعاً، وتجديداً، وصراع آراء وأفكار.. ثم أردف قائلا: وقد أخجل هذا الشاب، تطاول المتعالمين والمدّعين، حين كان يتحدث العربية فصيحة، في المناسبات والمجالس والأسواق بتلقائية عجيبة، تلذُّ لها الأسماع، ويتلو أحياناً نصوصاً طويلة حفظها من أمهات الكتب، أو يعرب السور الطوال من القرآن الكريم، موضحاً آراء العلماء من المفسرين، واللغويين والفلاسفة.. فهو في تقديمه الذي جاء على هذه الشاكلة، في قرابة الصفحتين، لم يكن مبالغاً لأمرين: الأول: أن المؤلف عرف بين زملائه أيام الطلب بهذه الظاهرة. وبقدرته العجيبة على الحفظ، وكثرة الاطلاع والتمكن من اللغة العربية وعلومها. (ص5). الثاني: أن المقدم يتحدث عن معايشة وتجربة.. فهو يصف واقعاً عايشه، وخصالاً روضهم عليها في المدرسة والمجتمع، فكان جميع شباب حائل الذين تتلمذوا على الأستاذ عبدالله، يعرفون ذلك عنه، والمثل يقول: ليس راءٍ كمن سمع. والواقع ان هذا التقديم، الذي يصافح نظر القارئ، في مستهل البداية يشوّقه لمعرفة الكاتب، واستملاء الكتاب.. ليتروى من المورد الذي رغب فيه. وقبل ان تتخطى نظرات القارئ المطلع، يقرع سمعه هاجس يتأسف معه: لماذا لم يبدأ الكتاب بالبسملة، التي لا يخفى على فطنة المؤلف، وهو المهتم بالأمور الشرعية، علاوة على اللغة العربية: بأن كل أمر ذي بال، لا يبدأ فيه ببسم الله، فهو أبتر، وفي رواية: أجذم.. والمعنى قليل البركة.. ولا إخال الإ أنها هفوة الطبّاعين وما أكثر سقطاتهم وهفواتهم، مما يوقع المؤلفين دائماً في حرج كما يقول العلاّمة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله . وفي ص 3 أهدى المؤلف كتابه هذا، إلى سمو أمير منطقة حائل: مقرن بن عبد العزيز، بقطعة أدبية جميلة المدخل جيدة الدلالة، بدأها بقوله: إلى الرجل الذي لسانه من وراء قلبه، فمنطقه نابع من القلب، وليس من اللسان، فاذا نطق استهوى محدثيه، لخلابة حديثه ورصانته. أما تواضعه ودماثة خلقه، فيشهد له كل من أمَّه، ولا شيء أعظم من تواضع العظيم. وفي ص 78، حيث أبان المؤلف في مدخله عن محاولاته وتدويناته: بين تدوين وتمزيق وتلك لعمرالله حالة النابهين، عندما ينظرون بعيداً، ليحتذوا سيرة من سبقهم، ثم يصارعهم اليأس، فيتخلصون مما جمعوا: زهداً فيه، وخشية الانتقاد.. حيث قال في هذا المدخل: فأصاب بانتكاسة فكرية، فانهال على هذه المذكرات، وأعمد الى تمزيقها وإحراقها وذلك مثل قول الشاعر: استودع العلم قرطاساً فضيّعه وبئس مستودع العلم القراطيس ويعزو الفضل بعد الله في التأليف لرئيس النادي الذي قيّضه الله، فبعثه وشعّ فيه الحماسة في التأليف، وكتب هذا الجزء على استحياء ومجاملة له.. ثم يعتبر هذا الجزء الأول وسوف يعقبه الجزء الثاني. وهو أوسع شمولية وموضوعية، ومقالات أدبية، ونقد وتحليل لأغراض شعرية، لبعض النابهين من الشعراء (ص8). بعد أن بدأ الكتاب بالاهداء والتقديم والمدخل، أنهاه بخاتمة في صفحة واحدة، وبين البداية والختام تسعة وأربعون موضوعاً هي مادته. جعل الموضوع الأول عن اليوم الوطني: دلالته ومفهومه، اشادة بما قدمه بناة هذا الوطن، وعرفاناً بدورهم الريادي، حيث يجب أن يعرف المواطن شيئاً عن ماضيه: كان مسرحاً للزعازع والمحن والحروب والفتن ومساحب للغي والغواية، والشرور في كل بقعة من بقاعه، ومنزعاً للتشتت والتمزق، حتى هيأ الله جلالة الملك المغفور له وليته قال إن شاء الله الملك عبد العزيز آل سعود، الذي رأب الصدع، وجمع الشتات، ولمَّ الشمل فوحد البلاد، وأخمل لعلها أخمد أوار الفتن (ص9). لقد كانت كلمة شاملة، بيَّن فيها مفاهيم متعددة، منها ما يتعلق بدور الباني المؤسس، ثم ما تلاه من أدوار أداها بنوه على خير عمل: صدقاً واخلاصاً، وخدمة للوطن والمواطن بالمشروعات التعليمية الصحية وغيرها.. ومنها ما يناط بالفرد ليصلح من نفسه، ويشارك في السراء والضراء، ويبذلوا من قدراتهم ومواهبهم، ما يعين على البناء والتعمير، فالمواطن بتعاونه مع المسؤولين كالجناحين بالنسبة للطائر، لأن الخوافي قوة للقوادم.. ولم أر من الكلمات التي تتكرر كل عام في هذه المناسبة، بمثل ما حفلت به هذه الكلمة من ترابط المعنى، والقدرة على التعبير عن مفهوم هذا اليوم، أخذاً من قوله تعالى: «وأما بنعمة ربك فحدَّث» (الضحى 11) اذ ليس المقصود به التقديس كما تقدس كثير من الأمم أيامها وتجعلها عيداً، فقد جعل الله للمسلمين عيدين: الفطر والأضحى. والموضوع الثاني جعله ملخصاً: لمقال عن زيارة الملك فيصل لحائل.. رحمه الله وهي كلمة قيل إنه ألقاها ارتجالا، فكانت أبلغ مما لو كانت معدة، وهذا برهان على قدرته البلاغية، وملكته اللغوية، ولم يوثق في الهامش، تاريخها الذي يؤصل الوقت الذي زار فيه الملك فيصل حائل، لأن التوثيق للحوادث والمناسبات من المهمات لمثل الأمور الكبيرة، ليربط الحدث بالحادث.. وفي ص 13 من هذه الكلمة السطر 19 جاءت الجملة: لما وضعته الأقدار على كاهلك.. فالأقدار لا تضع شيئاً.. فليته احترس وبدّل الجملة، بما يربط الأمور بالله سبحانه، فهو مقدر الأمور، وله المشيئة المطلقة سبحانه. وفي ص 14 السطر 14 جاءت الجملة: ولكم طول البقاء، متّعكم بحياة الشعور، ونعمة الفضيلة، فتحمل الجملة الأولى على أنها دعاء.. بتقدير ولكم منا الدعاء بطول البقاء.. مع انه من المعلوم انه لا بقاء دائم الا لله سبحانه. أما الجملة الثانية.. متعكم بحياة الشعور، فالظاهر أن الطابع اسقط سهواً الفاعل، وهو: الله سبحانه، لأن الفصل قد طال فلابد من إظهار الفاعل. والكلمة الثالثة (15 17) الملخصة من: كلمة أهالي حائل لزيارة خادم الحرمين الشريفين، فهي الأخرى كسابقتها لم توثق لمعرفة الزمن الذي جاءت فيه هذه المناسبة، لما للتوثيق من أهمية للباحثين والمهتمين، بربط الأمور بمناسباتها، وهذا الآن سهل ميسر، ليشار في الهامش تعليقاً لذلك، أما بعد مرور الزمن فإن الأمر يتعسر والمصادر تشح. وقد جاء في السطر الأخير ص 15 الجملة: من والدكم المغفور له في أقواله وأفعاله وصفاته.. فهذه عبارة جازمة، وليته قال: المغفور له إن شاء الله في أقواله وأفعاله وصفاته.. لأن هذا أنسب حتى لا نقع في حديث المتألّي على الله. ولقد أشاد في هذه الكلمة بدور خادم الحرمين في التعليم واهتمامه بتوسيع دائرته، مما نظرت نتائجه، جهداً وثماراً يانعة، عندما كان جلالته وزيراً للمعارف، في أول تشكيل وزاري، فنهض بالتعليم، وعمّمه في المدن والقرى، بمراحله المختلفة، وزاد الابتعاث الى الخارج، ووفد الدارسون يحملون الشهادات العالية في شتى فروع المعرفة. وبحق يعتبر عهده في التعليم عهد ازدهار وتفتح، فقد زاد العطاء من المسؤولين الذي يدعمه الفهد خادم الحرمين عندما كان وزيراً للمعارف، ومشرفاً أعلى على جامعة الملك سعود.. وقد أورد في هذه الكلمة، وفي الكلمة التي قبلها: زيارة الملك فيصل لحائل.. أبياتاً شعرية لم ينسبها لقائل بل أوردها ضمن السياق، مما يعطي دلالة أنها من قوله. بل في ص 15، في ملخص كلمة أهالي حائل لزيارة خادم الحرمين الشريفين، بيّن أنها من قوله، عندما قال: أبت شمائله وكرم سجاياه، إلا المشاركة الوجدانية، لهذا الحفل الخطابي الكريم فأقول: ثم أورد أبياتاً أربعة.. فمن ذلك نستنتج ان الابيات من قوله.. ومثلها الأبيات الأخرى في الكلمتين.. ولعله يراجع مسودة الأبيات التي جاءت في نهاية كلمة أهالي حائل لزيارة خادم الحرمين الشريفين لأن فيها أبياتاً غير مستقيمة الوزن، فقد يكون جاء من الطبع، لأن التصحيف يقع بالطبع كثيراً. وفي ص 18 22 عن التعامل مع الناس تجاه الدعوة الى الله، ورقمها 4، وهي كلمة توجيهية للشباب لتفهُّم معنى الدعوة الحقيقية وعدم الحكم على الآخرين خطأ، ففي هذه توجيه ونصيحة واشراقة دعوية يجب أن يدركها كل من يريد امتطاء حصان الدعوة الى الله حتى لا يجمح به فيسقط.. وما أجملها من نصائح صدرت من رجل عصرته الأيام، فأبرز ذلك نصائح صادرة من قلب محب للخير للداعي والمدعوّ.. أما بيت الشعر في ص 20، فقد أسقط الطابع حرفاً جعل البيت ينكسر، اذ صحته: قدِّر لرجلك قبل الخطو موضعها بزيادة الكاف في رجلك. (للحديث صلة) من فتنة النساء: جاء في نهاية الأرب عند النويري: عن وهب بن منبه ان عابداً كان من بني اسرائيل، وكان أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت، وكانت بكراً فخرجوا للجهاد، فلم يدروا عند من يخلفون اختهم، ولا من يأمنون عليها، فأجمعوا على أن تكون عند العابد، ولكنه أبى فلم يزالوا به فوافق على أن تنزل ببيت جوار صومعته، فأنزلوها ثم انطلقوا فمكثت في جواره زماناً، ينزل إليها الطعام من صومعته، فيضعه عند الباب، ثم يقفل الباب ويصعد، فيأمرها فتخرج من بيتها لتأخذ ما وضع لها من طعام، فتلطف إليه الشيطان فلم يزل يرغّبه في الخير، ويعظّم عنده خروج الجارية في بيتها نهاراً، ويخوّفه من أن يراها أحد فيعلقها، فلم يزل به حتى وضع طعامها عند باب بيتها، ولا يكلمها، فلبث زماناً فجاءه ابليس ورغّبه في الخير والأجر، فلم يزل حتى مشى بطعامها فوضعه في بيتها. فلبث زماناً، ثم جاءه ورغّبه في الخير والأجر وحضه عليه، وقال: لو كلمتها وحدثتها، لأنها استوحشت جدا، فلم يزل به حتى حدّثها يطلع إليها من فوق صومعته، ثم أتاه فقال: لو كنت تنزل اليها فتقف على باب صومعتك وتحدثها، وهي على باب بيتها فتحدثك فهذا آنس لها.. ففعل ذلك معها. ولبثا زماناً ثم جاءه ورغبه في الخير وقال: لو جلست قريباً منها فحدثتها كان آنس.. فلم يزل به حتى فعل.. ثم جاءه بعد زمن وقال: لو دنوت من باب بيتها، ثم قال: لو دخلت فكان يحدثها نهاره كله، واذا أمسى صعد لصومعته.. فلم يزل به حتى ضرب بيده على فخذها وقبّلها، ثم لم يزل يحسّنها له ويسوّل له حتى وقع عليها فأحبلها، فولدت غلاماً.. فجاء ابليس فقال له: أرأيت ان اخوتها وقد ولدت منك ماذا تصنع؟ فاذبح ابنها وادفنه، فانها ستكتم ذلك مخافة اخوتها.. فقتله ثم جاءه فقال: أتراها تكتم ما صنعت بها؟ خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها ففعل ذلك.. فمكث ما شاء الله ثم عاد اخوتها من الغزو، فسألوه عن اختهم فنعاها لهم وترحم عليها وبكاها.. وقال: كانت خير امرأة وهذا قبرها، فأتى اخوتها القبر فبكوها وترحموا عليها ثم انصرفوا الى أهاليهم. فلما جنّهم الليل واخذوا مضاجعهم أتاهم الشيطان في النوم، فبدأ بأكبرهم، فسأله عن اختهم، فأخبره بما قال العابد وبموتها فكذبّه الشيطان، وقال: لم يصدقكم أمر أختكم، انه آحبلها وولدت منه غلاماً فذبحه وذبحها معه فرقاً منكم، وألقاهما في الحفرة خلف باب البيت ثم أتى الأوسط في منامه، وقال له مثل ذلك، ثم أتى أصغرهم فقال له: مثل ذلك فاستيقظ القوم متعجبين لما رآه كل واحد منهم، فأقبل بعضهم على بعض يقول: لقد رأيت عجباً وآخبر بما رأى.. فقال كبيرهم: هذا حلم وليس بشيء ودعوا هذا، فقال أصغرهم: لا أمضي حتى آتي ذلك المكان فانظر فيه. فانطلقوا فبحثوا الموضع، فوجدوا اختهم وابنها مذبوحين، فسألوا العابد، فصدّق قول ابليس فيما صنع بهما، فاستعدوا عليه ملكهم فأنزل من صومعته، وقدموه ليصلبوه، فلما أوثقوا عليه الخشبة، أتاه الشيطان فقال: قد علمت اني صاحبك الذي فتنتك في المرأة، حتى أحبلتها وذبحتها وابنها، فان أنت أطعتني اليوم، وكفرت بالله الذي خلقك، خلصتك مما أنت فيه، فكفر العابد بالله، فلما كفر خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه، قال وهب ففيه نزلت الآية: «كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال: اني بريء منك».. الآية نسأل الله العافية من فتنة النساء، ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم (2: 199 201)