منذ حوالي ربع قرن تقريبا أنشئ المركز العربي للدراسات الأمنية التابع لمجلس وزراء الداخلية العرب في الرياض وقد أدى هذا المركز بوظائفه الثلاث: (1) الدراسات (2) التدريب (3) الدرجات العلمية العليا التخصصية في مجال الأمن (الدبلومات والماجستير) على وجه مشرف. ثم تطور هذا المركز بعد حوالي ثماني عشرة سنة كما وكيفا ليصبح أكاديمية مع إعطاء صاحب الفضل في الدعم والتأسيس والتطوير حقه المعنوي وهو نايف بن عبدالعزيز حيث أصبحت الأكاديمية تسمى باسمه بقرار مجلس وزراء الداخلية العرب وهو شرف تستحقه الأكاديمية لما بذله ويبذله هذا الرجل من دعم ومساندة وتشجيع لهذه المؤسسة. وبحكم تعاملي مع هذه الأكاديمية منذ عدة سنوات مثل عشرات الأساتذة في الجامعات السعودية المختلفة بل والعربية المختلفة وبحكم إشرافي على بعض الرسائل العلمية والمناقشات او المساهمة في الدورات وبعض الأعمال الأخرى فقد تعرفت على هذه المؤسسة عن كثب ووجدت انه بمناسبة صدور قرار مجلس وزراء الداخلية العرب الأخير في تونس بتحويل هذه الأكاديمية إلى جامعة من المناسب الكتابة عن هذه الجامعة الوليدة القديمة عن وظائفها الجديدة وتطلعات الأكاديميين ورجال الأمن العرب نحوها. وقبل الحديث عن الوظائف والأهداف الخاصة بهذه الجامعة الشامخة في قلب عاصمة المملكة العربية السعودية تجدر الإشادة بما أنجزته هذه المؤسسة وبالذات في السنوات الثماني الأخيرة وتحت رئاسة العالم والإنسان القدير والمؤهل الاستاذ الدكتور. عبدالعزيز بن صقر الغامدي فقد تم إنجاز ما يقارب الفا وثلاثمائة رسالة ماجستير في هذه المؤسسة حتى عام 2003م في مجال العلوم الشرطية والعدالة الجنائية والعلوم الاجتماعية والنفسية والإنسانية الإدارية ومعظمها تتناول موضوعات تطبيقية في المجالات الأمنية بمفهومها الشامل وهذه الثروة والمخزون الهائل من الدراسات لا شك أنه مصدر مهم من المعلومات التي يجب على أصحاب القرار في الجهات التي يعمل بها أصحاب تلك الرسائل ان يفيدوا منها في تطوير اجهزتهم وقطاعاتهم. أما في مجال الدراسات والتأليف فإن قائمة المنشورات في هذا المجال تزخر بالمئات من المؤلفات والدراسات الممولة في غالبها من قبل الصرح العلمي الرصين وهي دراسات على درجة عالية من الأهمية والفائدة فمثلا هناك العديد من الأبحاث والمؤلفات عن قضايا الساعة وهي الارهاب والعنف بل نستطيع القول إنها قد سبقت الكثير من الأحداث التي أتت بعدها. وهناك مؤلفات وأبحاث اخرى عن المخدرات وهو مجال حيوي ومهم تسعى معظم أو كل دول العالم الى محاربة هذه الظاهرة والوقاية منها ومن هنا فإن الأبحاث والكتب التي صدرت في السنوات الماضية في هذا المجال تغطي الكثير من جوانب هذه الظاهرة. وهناك مؤلفات وابحاث في مجال الحرب النفسية والشائعات وهي كذلك تسد فراغا كبيرا في موضوع حيوي مهم. وهناك مؤلفات وأبحاث في مجال الجريمة والجنوح وهي أبحاث ترتبط ارتباطا وثيقا بأحدث وظائف هذه المؤسسة المرموقة. وهناك بحوث ودراسات في مجال الرعاية الأسرية والاجتماعية والنفسية والمشاكل الأمنية المختلفة التي تسهم ايضاً في ملء فراغ هذا المجال. وبالإضافة إلى ما سبق جاءت بحوث ودراسات اخرى في مجالات مختلفة ولكنها تصب في مجال الأمن بمفهومه الشامل. اما الدورات والندوات التي اقيمت فهي عديدة ومن الصعب حصرها في هذا المقام غير أنه يمكن القول إنها تخدم شرائح مختلفة من رجال الأمن في الوطن العربي لأغراض التوعية والتنوير والتعليم كما انها في الواقع وسيلة مهمة من وسائل الترقية والتطوير وتنمية المهارات اللازمة والضرورية لهؤلاء الرجال وللمؤسسات والجهات التي ينتمون اليها. أفبعد تلك المؤشرات والانجازات العلمية والفكرية والتوعوية الا تستحق تلك الأكاديمية أن تكون جامعة بل وجامعة مرموقة ومعترف بها وناجحة وهي الوحيدة على مستوى الوطن العربي في رسالتها وادائها وادوارها. وقبل أن أختتم هذا المقال الموجز أود أن أقدم بعض المقترحات التي لا شك أنها لا تغيب عن فكر المسؤولين في الجامعة ولكنها من قبل التذكير فهي مقترحات أرى أنها سوف تسهم في توسيع دائرة التوظيف والاستفادة من هذه الجامعة الأمنية المهمة. اولا: في مجال البحوث والدراسات: 1- أرى أن يوسع مجال الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) اكثر وفي المجال الأمني بمفهومه الشامل وليكن ذلك على مستوى الوطن العربي بكامله بل ولمن يرغب في الحصول على درجات علمية عليا في المجالات الأمنية الشاملة خاصة وقد تكون لدى هذه الجامعة ركيزة كافية من الكوادر والبناء العلمي المناسب وهي الوحيدة في هذا المجال. 2- أما في مجال القيام بالدراسات والأبحاث والتأليف فيمكن اعداد قائمة أولويات بحثية ورصد ميزانية مخصصة لها في صورة مشاريع بحثية يتقدم لها من يأنس في نفسه الكفاءة والقدرة وتدعم البحوث والدراسات التي تقع ضمن أولويات هذه الجامعة وفي مجال اختصاصها كما هي الحال فيما يجري في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وحينئذ يمكن للجهات والمراكز والقطاعات الأمنية في الوطن العربي الاستفادة منها بل إن الخطط والاستراتيجيات الأمنية التابعة لها الجامعة يمكن أن تفيد من نتائج هذه الدراسات. 3- وزيادة على ما سبق فإنه في ظل هذه الجامعة وتطورها أصبح من الضروري زيادة اوعية النشر العلمي فيها ففي اعتقادي أن مجلة علمية واحدة تصدر عن هذه المؤسسة لا تكفي بل يمكن إضافة عدة مجلات تخصصية لتحقيق اهداف ورسالة الجامعة. ثانيا: في مجال التوعية والتدريب: اعتقد أن ما تقوم به هذه المؤسسة الرائدة من دورات وندوات ومؤتمرات تسهم - إلى حد كبير - في خدمة أغراض الجامعة ورسالتها ولكنني أتمنى زيادة أعداد المستفيدين من هذه الدراسات والندوات على مستوى الوطن العربي وخاصة الشرائح المتوسطة او الاقل ممن يتعاملون مباشرة مع الجمهور من جنود وصف ضباط ومَنْ في حكمهم. ثالثا: في مجال التعاون مع الجامعات المحلية والعالمية والمساهمة في تقديم الاستشارات المتخصصة بالرغم من علمي التام بالجهود الحثيثة والناجحة التي بذلت من اجل اعتماد هذه المؤسسة ضمن مؤسسات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية واتحاد الجامعات العربية وكذلك جهات اعتماد عالمية اخرى الا ان هناك حاجة الى مزيد من الارتباط والانفتاح والتفاعل مع الجهات المحلية والعالمية من حيث اقامة الندوات والمؤتمرات والدخول في الشبكة العنقودية المقدمة للخدمات العلمية التخصصية. ومن جهة اخرى فقد اصبح لدى جامعة نايف الكثير من الامكانات والكوادر القادرة والمؤهلة لتقديم الاستشارات والخبرات لمن يحتاجها في المجالات الأمنية المختلفة ومن هنا أرى تطوير معهد الدراسات والبحوث ليصبح معهد الدراسات والاستشارات فهذه الجامعة غدت بيت خبرة علمي وجدير بأن يستفاد منها. وقبل الختام أود أن أدعو عبر هذا المقال الجامعات السعودية والخليجية بل العربية وكذلك الجهات والمصالح الحكومية الأمنية العربية والمحلية الى توجيه منسوبيها وموظفيها الراغبين أو المؤهلين لبعثات في الدراسات العليا الأمنية الى جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية لما يتوافر فيها من امكانيات وكوادر قادرة علمية وتخصصية ومؤهلة على أعلى المستويات، وختاما أهنئ كل مسؤول في هذه المؤسسة المهمة بهذا التطور وأسأل الله لها المزيد من التوفيق.