يعتبر فقر الدم (الأنيميا) من الأمراض الشائعة في كل البلدان، ويعتبر المريض مصاباً بفقر الدم إذا كانت نسبة الهيموغلوبين لديه أقل من (12) غرام - د.ل عند النساء، أو أقل من 14 غرام - د. ل عند الرجال. ويعتبر فقر الدم الناجم عن نقص الحديد أكثر أنواع فقر الدم شيوعاً خاصة عند النساء في سن الطمث (الدورة الشهرية). وعادة تتظاهر أعراض فقر الدم بالتعب العام، الدوخة الصداع، الشحوب، تسرع ضربات القلب، وضيق النفس عند الجهد، وجميع هذه الأعراض ناجمة عما يسمى نقص الأكسجة النسيجية، بمعنى نقص كمية الأوكسجين المعطاة لأنسجة الجسم من الدم وذلك نتيجة نقص كريات الدم الحمراء التي تحمله. هناك أسباب عديدة لفقر الدم بنقص الحديد أكثرها شيوعاً هو زيادة فقدان الدم عن طريق الدورة الشهرية (حيث تكون عند بعض النساء غزيرة، او طويلة المدة، أو تتكرر لديهن بفترات قصيرة) أو زيادة فقدان الدم بسبب النزيف خاصة في الجهاز الهضمي (قرحة نازفة في المعدة أو الإثنى عشر، نزيف من دوالي المريء، نزيف من الكولونات بسبب التهاب كولون تقرحي، أو التهاب في الرثوج الكولونية، أو نزيف من الأمعاء الدقيقة كما في داء كرون.. الخ). ومن الأسباب الأخرى لفقر الدم بنقص الحديد هو زيادة حاجة الجسم للحديد (كما هو الحال في الحمل والإرضاع)، أو نقص امتصاص الحديد (كما هو الحال في الداء الزلاقي أو عقب استئصال المعدة). وبسبب تعدد أسباب فقر الدم بنقص الحديد يجب أخذ قصة مرضية مفصلة من المريض مع التفتيش عن أية علامة لوجود نزيف هضمي (مثل البراز المدمى أو الأسود الغامق، أو الإقياءات المدماة أو التي تكون بلون بني غامق)، أو وجود علامة لنزيف مهبلي أو رحمي، لأنه في هاتين الحالتين يجب تحديد مصدر النزيف ومعرفة سببه وعلاجه بسرعة مع تعويض الدم النازف لكيلا يدخل المريض في حالة صدمة وعائية شديدة، وقد تتعرض حياته للخطر إذا لم يتم العلاج بشكل إسعافي. كذلك يفيد الفحص الجسمي للمريض في كشف بعض العلامات الدالة على فقر الدم بنقص الحديد مثل الشحوب، وفي حالات قليلة ضخامة في الطحال (عند حوالي 5 - 10% من المرضى)، وفي الحالات المتقدمة من فقر الدم بنقص الحديد قد يظهر الفحص الجسمي وجود تقعر في الأظافر (ما يسمى بأظافر الملعقة)، أو وجود علامات التهاب في اللسان مع الشكاية من عسرة في البلع. بعد ذلك يتم إجراء الفحوصات الدموية الأساسية التي تتضمن نسبة الهيموغلوبين والهيماتوكريت، بالإضافة لحجم الكريات الحمراء ومقدار تصبغها، وتعداد الشبكيات، كذلك يتم فحص فيلم دم محيطي ، بالإضافة لقياس مستوى الحديد والفيريتين في مصل الدم (اللتين تكونان ناقصتين عادة) والسعة الرابطة للحديد TIBC (التي تكون مرتفعة). وإذا كانت جميع هذه الفحوصات غير حاسمة في التشخيص فيتم أخذ عينة من نقي (مخ) العظم وإجراء صبغة الحديد لها لمعرفة هل هناك نقص في مخزون الحديد في الجسم أم لا؟. وفي حالة وجود أي شك لوجود نزيف هضمي فإن إجراء منظار للمعدة أو الكولون لمعرفة مصدر النزيف يعتبر أمرا ضروريا واسعافيا وقد يكون مفيداً في العلاج أيضا وذلك بحقن بعض المواد الموقفة للنزيف كما هو الحال في القرحة الهضمية النازفة، أو دوالي المريء النازفة. أما بالنسبة لعلاج فقر الدم بنقص الحديد فإنه يتوجب إعطاء الحديد لفترة طويلة حوالي ستة أشهر وذلك لتعويض النقص في مخزون الحديد في الجسم، وعادة يعطى العلاج على شكل حبوب فموية تحتوي على الحديد، تعطى في الفترات بين الوجبات الطعامية (أي على معدة فارغة) لزيادة امتصاص الحديد، كذلك فإن إعطاء فيتامين (C) في نفس الوقت مع الحديد يحسن امتصاصه. قد تظهر لدى بعض المرضى بعض الآثار الجانبية الهضمية لحبوب الحديد مثل المغص، الإمساك (أحيانا إسهال) والغثيان، وعندها يجب أن يبدأ بإعطائهم حبة واحدة يومياً ثم تزداد تدريجيا حسب تحمل المريض. أما إعطاء الحديد عن طريق الوريد أو العضل فيلجأ إليه في حالات ضعف الامتصاص (مثل أمراض الأمعاء الالتهابية، والداء الزلاقي)، أو في حالات عدم تحمل حبوب الحديد الفموية نتيجة ظهور تأثيراتها الجانبية، أو في حالة الحاجة لإعطاء كميات حديد عالية جداً لا يمكن تحقيقها عن طريق الحبوب.