تعد قضايا الشباب والطفولة من القضايا المهمة التي يجب التركيز عليها وتوجيه جل الاهتمامات والحلول المناسبة لها. ولعل الانحراف من أهم القضايا التي تواجه الأسرة والمدرسة والمجتمع، والتي تهم أيضاً علماء الاجتماع والتربية والأمن؛ نظراً لما يحدثه الانحراف من مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية وأمنية تؤثر بدورها على الأسر والفرد والمجتمع. وفي إحصائية حديثة للدكتور عبدالله السدحان حول (رعاية الأحداث المنحرفين في المملكة العربية السعودية.. أسس رعايتهم وطرق معالجتهم) أكَّدت الدراسة أن الأحداث المنحرفين في المملكة يعيشون مرحلة المراهقة، وأن أكثر من 60% منهم تراوحت أعمارهم بين 16 - 18 سنة، وأن 95% من المودعين بدور الملاحظة بالمملكة يعيشون فترة المراهقة أيضاً. وتُعد المملكة العربية السعودية دولة رائدة في تطبيق الشريعة؛ حيث جعلت من القرآن دستورها، ومن الشريعة الإسلامية نظمها التي تقوم بتطبيقها في جميع مناشط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجنائية والتربوية والتعليمية؛ فقد هيئت دوراً خاصة ومؤسسات رعاية اجتماعية مناسبة للأحداث بهدف معالجة حالات الانحراف والحد منها. وفي ظل هذه المقدمة والدراسات الحديثة التي تؤكد أن الغالب من المنحرفين هم يعيشون سن المراهقة، تطرح (الجزيرة) قضية الانحراف: أسبابه ومظاهره وأعراضه وأثره على الواقع الاجتماعي والأمني وعلاجه والحلول والإمكانات. يشارك في هذه القضية د. أحمد فهمي، استشاري مخ وأعصاب وصحة نفسية بمستشفى أبها الخاص، والدكتورة أسماء الحسين أستاذ علم النفس بكلية التربية للبنات بالرياض، والإخصائية الاجتماعية نوال نور، والإعلامية بإذاعة الرياض نوال أحمد بخش. وفي البداية، نعيش تجارب منحرفين عاشروا أقسى وأحلك الظروف بين مخالب الانحراف. مراهقة وانحراف أحمد: يدرس في الصف الثالث المتوسط. لم يكن أمامه في ظل الضغوط والظروف الأسرية في المنزل من سوء معاملة، وغياب الأب، ووجود رفقة السوء، إلا أن يتخطى أبواب السرقة. البداية كانت صغيرة، لا تتجاوز سرقة الأحذية من المساجد ثم بيعها وصرف أموالها في علب السجائر. لكن الأموال لم تعد مجدية، كان لا بد من التوسع في السرقة بأعمال كبيرة بدأت بإطارات السيارات- الكفرات. وفي النهاية سرقة السيارات وبيعها. لم يكن أحمد يتوقع أن تكون أول بداية له ولأصحابه في سرقة السيارات هي النهاية. أحمد الآن وبقية زملائه في دار الأحداث، عاشوا تجربة مريرة مع الانحراف الذي كان بسبب إهمال الأم، وغياب الأب المتكرر، وعدم الشعور بالاحتواء الأسري والعاطفي. ماجد: لا يختلف عن أحمد كثيراً في أسباب انحرافه؛ فالأب قوي متسلط، والأم تعيش مع زوج آخر. ماجد لم يذق طعم الحب والحنان من أمه، ولم يعرف ابتسامة أو عطفاً من والده. كل حياته داخل الأسرة: منازعات، مخاصمات، تسلط من الأب، ضرب مبرح على أتفه الأمور والأخطاء، حرمان من المصروف والتلذذ بالملبس والمشرب، التحكم في أيام الحضور والغياب من المدرسة. أمور كثيرة جعلت ماجد يدخل في عالم كان يعتقد بأنه سيحصل من خلاله على المال والهدوء والعيش بمعزل عن تسلط الأب. اقتحم ماجد ذلك العالم بحبة صغيرة من المخدرات، كانت الحبة لذيذة لماجد؛ فقد أنْسَتْه كل مصائبه مع والده وبقية عائلته. شعر ماجد برغبة في حبة أخرى. وهكذا حتى تحوَّل ماجد إلى شاب مدمن. نعم، دخل ماجد عالم الإدمان بسبب ظروف أحاطت به. محسن وعنان ومبارك وخالد: عاشوا تجربة أحمد وماجد في الانحراف؛ كالسرقة والنشل والهروب من المنزل والمدرسة والإدمان والقتل. تعريف الانحراف وأسبابه يعرِّف الدكتور أحمد فهمي استشاري مخ وأعصاب وصحة نفسية بمستشفى أبها الخاص الانحراف بأنه هو أي سلوك يخرج عن الإطار العام للمجتمع وما تحدده الأعراف والتقاليد والقوانين الوضعية والتشريعية لهذا المجتمع. كما يُعدُّ الانحراف من الوجهة الشرعية هو المحظورات الشرعية التي يقترفها الأحداث في سن حداثتهم الشرعي، والتي إذا اقترفها البالغون عُدَّت جرائم يعاقبون عليها بالحدود والقصاص والتعازير. وتتعدد الأسباب المؤدية للانحراف لدى المراهقين، الدكتورة أسماء بنت عبدالعزيز الحسين أستاذ علم النفس بكلية التربية للبنات بالرياض تتناول الأسباب؛ حيث تشير الحسين إلى أن هناك عوامل محيطة بالمراهق داخل أسرته تساعد على انحرافه؛ كالاهتمام بالأخطاء التي يقع فيها المراهق، وبالتالي القسوة الزائدة؛ مما يولد لديه الشعور بالذنب، وقد يكره نفسه نتيجة لتلك القسوة الزائدة؛ مما يجعله انسحابياً منطوياً، كذلك انفصال الأبوين، أو وجود شجار دائم وتبادل أسباب والشتائم أمام الطفل أو المراهق؛ مما يدخل القلق والاضطراب إلى نفسه. وأضافت الدكتورة أسماء أن هناك عوامل ذاتية داخل المراهق تساعده على الانحراف؛ كالرغبة في الاستقلال عن الكبار والتحرر من السلطة، وفقد الشعور بالأمان، وافتقاد الثقة بالنفس أو الشعور بالنبذ والغيرة، وعجز المراهق عن إقامة وتكوين علاقات اجتماعية أو عجزه عن التكيف الاجتماعي، والصراعات والانفعالات المكبوتة لدفع المراهق للعدوان، كذلك الشعور بالفشل أو الحرمان من العطف والحب يؤدي بالمراهق إلى العدوان على الأشياء أو على نفسه، بالإضافة إلى الشعور بالإحباط الناتج عن الحرمان، والفشل المتكرر في إحدى المواد الدراسية، كذلك الميل إلى تجنب المدرسة، والتظاهر في الفصل، والتشاجر في ملعب المدرسة، والميل إلى الهروب من المدرسة. الدكتور فتحي أكَّد على أن هناك أسباباً نفسية تسبب الانحراف لدى المراهقين؛ كالصراع، والإحباط، والتوتر والقلق والانقباض، والحرمان العاطفي داخل الأسرة، والجزع الانفعالي، وانعدام الخبرات المؤلمة والأزمات النفسية، وعدم إشباع الحاجات، والنمو المضطرب للذات (مفهوم الذات السالب)، وعدم تعديل الدوافع، وتأخر النضج النفسي. فهناك دراسات حديثة تؤيد تأييداً مبدئياً رأي التحليل النفسي عن العلاقات بين المنحرف ووالديه في بداية الحياة؛ فقد قام ردل وواينمان بتفحص خلفيات عدد من الجانحين أطلقوا عليهم اسم (الأطفال الذين يكرهون)، وتبين لهم أن العلاقة بين الطفل والكبار فاسدة إلى حد كبير، والكبار هم المسؤولون عن ذلك؛ حيث إنهم يتهمون بالإهمال وقلة الاهتمام والقسوة الوحشية في بعض الأحيان. وحول وجود أسباب بيئية واجتماعية لانحراف المراهقين، أشار إلى أن هناك أسباباً بيئية عامة؛ فالعلماء يقرون بالمؤثرات البيئية والاجتماعية؛ حيث تلعب الدور الرئيس في تكوين الانحراف؛ كأسلوب التنشئة الاجتماعية الخاطئة، والنقص في عملية تعلم القيم والمعايير الاجتماعية، ونقص وسائل الترفيه، ومشكلات وقت الفراغ، وسوء التربية الجنسية، والمرض، ومشكلة رفاق السوء، ومشكلات الدراسة والهروب من المدرسة والفشل الدراسي، ومشكلات العمل. وأضاف د. فتحي أنه قد تكون هناك عوامل خاصة داخل المنزل؛ كأسلوب التربية الخاطئ (إفراط اللين - التساهل - الإفراط في الرعاية والحماية - سوء سلوك الوالدين - عدم الاستقرار العائلي - تفكك الأسرة: كالهجرة والطلاق والسجن والموت). كذلك وجود نواحي اقتصادية تؤثر على انحرافات المراهق: كالفقر، والازدحام في المنزل، وانعدام وسائل الراحة. أما النواحي الأخلاقية التي تؤثر بدورها على انحراف المراهق فهي كالإدمان والتشجيع على الانحراف، بالإضافة إلى العلاقات الانفعالية المضطربة في الأسرة. فبالرجوع إلى خلفيات عدد من الجانحين تبين أن هؤلاء كانوا يعيشون في أسر يسودها الجو المشحون من اضطرابات مبكرة في العلاقات التي تكون بين الآباء والأبناء. وأضاف الدكتور فتحي أنه لا يمكن إغفال العلاقة بين تدنِّي مستوى الحياة في بعض الأحياء داخل المدن أو القرى وظهور جرائم الأحداث، كذلك فإن الصراع الثقافي بين القيم السائدة الجديدة التي نشأت عن التحول من المجتمعات الزراعية المستقرة إلى المجتمعات الصناعية، ودخول عناصر ثقافية جديدة إلى الحياة الاجتماعية متمثلة في التكنولوجيا المتطورة والآلات وفي وسائل الانتقال ووسائل الإعلام وغيرها تؤدي أحياناً إلى انفلات سيطرة الأسرة على أبنائها وإلى خروج الأبناء عن الضبط الذي يحاول الآباء التمسك به، وهذا غالباً يؤدي إلى انحراف المراهقين، وبهذا تكون نتيجة طبيعية بأن يتربى الطفل تحت ظروف الفقر والجهل؛ لأنهما من العوامل التي تدفع بالطفل إلى الانحراف. الدكتور أحمد فهمي استشاري مخ وأعصاب وصحية نفسية بمستشفى أبها الخاص أكَّد أن الانحراف يبدأ من المنزل، خاصة في ظل علاقات أسرية غير سوية، كذلك وجود تفكك أسرى، وعدم العناية والرقابة من الوالدين، وأن هذه المرحلة (المراهقة) يكون الشخص عرضةً للتعرض إلى مغريات كثيرة، والتعرف على رفقاء السوء الذين يسهلون له كل المظاهر السيئة ويساعدونه على التغلب على القيم التي زرعت بداخله منذ نعومة أظافره. أعراض ومظاهر الانحراف تختلف أعراض ومظاهر الانحراف بين المراهقين باختلاف الأسباب، فبعض الأسباب قد تؤدي إلى السرقة أو الهروب من المدرسة. الدكتورة أسماء بنت عبدالعزيز الحسين تشير إلى أن أهم أعراض أو مظاهر الانحراف لدى المراهقين في السعودية من خلال الدراسات والبحوث داخل وخارج دور الملاحظة والأحداث تتركز حول السرقة والتزوير والنشل، والهروب من المنزل والمدرسة، والفشل الدراسي، والبطالة والتسول والتشرد، والتخريب والشغب؛ مما يؤدي إلى الخطورة من الناحية الأمنية، بالإضافة إلى العدوان والتمرد وعدم ضبط الانفعالات، والسلوك الجنسي المنحرف، وتعاطي المخدرات والمسكرات والإدمان والقتل. كما أن الشعور بالرفض والحرمان ونقص الحب وعدم الأمن، والشعور بالعجز سواء كان الشعور حقيقياً أو متخيلاً من أهم أعراض ومظاهر الانحراف، كذلك مشاعر النقص داخل الأسرة وفي المدرسة. وأضافت الحسين إلى أن وجود مفهوم سالب للذات، وتشويه الذات للمراهقين، فصورة الذات المشوهة شائعة بين الأحداث الجانحين، وأن اتجاهات الجانح نحو ذاته تتميز بالسلبية؛ نتيجة الخبرات السيئة التي كوَّنها عن نفسه؛ مما جعله غير متقبل لذاته، ويصبح تقديره لذاته بالدونية والقصور وعدم الواقعية وأقل رضًا عن ذاته. وأشار الدكتور فتحي عبدالمجيد إلى أن كل هذه الأعراض يصاحبها عادةً انعدام البصر والتبصر بعواقب السلوك، وعدم التعلم من الخبرة السابقة، وعدم الشعور بالمسؤولية والاهتمام بالمستقبل والطموحات، بالإضافة إلى عدم وضوح أهداف أو فلسفة الحياة، كما أنه يكون هناك عدم الشعور بالذنب وضعف الضمير والاستهتار بالتعاليم الدينية والقيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية. كما أن الشخص تبدو عليه مظاهر انحراف السلوك، وعدم المبالاة بكل القيم والمعايير الاجتماعية، واقتراف كل الأفعال بشكل اندفاعي فوري. وهذه الأعراض لخَّصها تعريف رابطة أطباء النفس الأمريكيين بأنها (الشخصية التي يقع صاحبها في متاعب اجتماعية متكررة، ولا يستفيد من الخبرة أو إيقاع العقوبة، ولا يدين بالولاء لأي شخص أو مجموعة أو قيمة اجتماعية، بل يبدو عليه عدم النضج الانفعالي مع فقدان الشعور بالمسؤولية، وضعف المحاكمة السليمة مع وجود القدرة على بتر تصرفاته غير السليمة). وأضافت الدكتورة أسماء الحسين إلى أن المراهق المنحرف لا يحسن استغلال طاقاته وإمكانياته استغلالاً شريفاً مثمراً، ولا يكلف نفسه بالعمل السوي، وإنما ينتهج مسلكاً مهيناً سهلاً بالنصب والاحتيال والاختلاس والتزوير والسرقة، دون العمل على تنمية قدراته ومواهبه. واختتم الدكتور أحمد فهمي مظاهر الانحراف لدى المراهق بأنها السلوك المنافي للأخلاق، والسلوك المعادي للآخرين، واللجوء إلى وسائل تتيح للشخص الهروب من مشاكله؛ مثل تعاطي المخدرات؛ مما يؤثر سلبياً على قدرة الشخص في الحكم على الأمور، وبالتالي تدهور قدراته في التعامل مع أفراد أسرته والمحيطين به وتدنِّي العلاقات بينه وبين الأسرة والمجتمع ككل. الأثر الاجتماعي والأمني الإخصائية الاجتماعية نوال نور تؤكد أن انحراف المراهقين يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المجتمع، وبالتالي تنعكس هذه الآثار على الواقع الاجتماعي والأمني للدولة، فالأسرة عندما تعاني من وجود مراهق منحرف قام بسرقة مثلاً أو قام بجريمة قتل أو أدمن المخدرات؛ لأسباب قد تكون من داخل الأسرة التي هي الأساس في انحراف المراهق كما أثبتت العديد من الدراسات، أو لأسباب أو عوامل خارجية بيئية أو نفسية، هي تحتاج إلى أعادة تأهيل من جميع النواحي، سواء دينية أو ثقافية أو نفسية أو اجتماعية؛ لأن الأسرة قدمت فرداً لا يخدم المجتمع، بل يؤثر سلباً عليه من الناحية الأمنية؛ لجنوحه وارتكابه لسلوكيات تؤثر على الناحية الأمنية والاجتماعية لبلده، كما أن هذا الشخص يُعد مستهلكاً لا يقوم بالعمل والسعي لخدمة المجتمع والرقي به، بل يسعى خلاف ذلك، فوجود شخص منحرف داخل المجتمع أو منحرفين فهذا يعني أن هناك خللاً داخل المجتمع، هذا الخلل بدوره يؤدي إلى تخلف الأمة عن ركب الحضارة والتطور، فالدولة تبذل قصارى جهدها من خلال افتتاح دور الملاحظة وصرف المبالغ المالية الهائلة مقابل علاج حالات الانحراف بين المراهقين أو الأطفال، في سن كان من المفترض أن يكون عضواً عاملاً وفاعلاً في خدمة وتنمية المجتمع، واستغلال ما تقدمه الدولة من مساعدات للالتحاق بركب التطور والحضارة في الدول الأخرى، والعمل على استغلال المواهب والقدرات وتنميتها في المجال الفكري والعلمي. الدكتور أحمد فهمي أشار إلى أن الانحراف يؤدي إلى وجود تخلخل البنيان الاجتماعي والأسري؛ لما له من تأثير مباشر على المحيطين بالمنحرف، فيؤثر سلبياً على الصغار الذين قد يجدون في شخصية المنحرف قدوة لهم. فالانحراف ينهك ميزانية الأسرة، ويحمل المجتمع عبئاً ثقيلاً من إهدار المال على علاج المنحرفين أو تقويمهم أو فقدانهم لوظائفهم أو تدمير أساسيات الحياة لديهم ومحاولة إصلاحها بعد ذلك. كما أن الانحراف يؤثر سلباً على الناحية الأمنية في البلد، فالمنحرف يؤثر بانحرافه؛ كارتكاب جرائم القتل أو إحداث شغب أو تهريب المخدرات والمسكرات، وغير ذلك. فعلى سبيل المثال: المدمن والمهرب في نفس الوقت للمخدرات، فالمنحرف المراهق عندما يهرب فهو يؤثر على أمن وسلامة المجتمع؛ لأن أعداد المتعاطين قد تزداد، وزيادة الأعداد يعني زيادة الجرائم داخل المجتمع، ووجود عبء على الدولة من خلال علاج حالات الإدمان ودفع التكاليف الباهظة عليها واستنزاف الأموال في علاج الإدمان وإعادة تأهيل المدمنين. وكذلك الحال بالنسبة للانحرافات الأخرى التي تؤثر بشكر مباشر وغير مباشر في المجتمع. الحلول والعلاج الشيخ عبده يوسف إمام مسجد حي الموظفين بأبها يؤكد أن الانحراف عند المراهقين يمكن علاجه وتفادي وقوعه داخل الأسر من خلال التربية الإسلامية؛ حيث يُعدُّ من الضرورة تقوية الوازع الديني لدى الشباب باعتباره خطًّا دفاعيًّا أوليًّا مهمًّا يمنع الشباب من الانزلاق في الانحراف غالباً، وذلك بتكثيف الجرعات التوجيهية الإسلامية من خلال المدارس والمناهج والبرامج الثقافية العامة والمجتمعية، والعمل على تبصير الشباب بخطورة رفاق السوء وسوء أثرهم على الفرد في حياته وبعد مماته، مع ضرورة توجيه الخطاب للشباب بما يتناسب مع مستوياتهم العقلية والاجتماعية والنفسية، مع الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة لذلك؛ كالمساجد وخطب الجمع والأعياد ووسائل الإعلام. وأشار إلى أهمية شغل أوقات المراهقين بالعمل؛ حيث تشير الدراسات إلى أن فئة الشباب في المملكة العربية السعودية تمتلك قدراً لا يُستهان به من وقت الفراغ، سواء في أيام الدراسة أو أيام العطل الأسبوعية. وقد اتضح من الدراسة أن نسبة 60% من أفراد العينة يمتلكون وقت فراغ يزيد على (3) ساعات يومياً، أما أيام عطلة نهاية الأسبوع فترتفع ساعات الفراغ لدى الشباب لتصل إلى 6 ساعات يومياً. كما أن ساعات الفراغ لدى الشباب ترتفع أكثر من ذلك خلال العطل والإجازات. وهذا القدر من وقت الفراغ لدى الشباب يعد مؤشراً خطيراً في حياته؛ فهو سلاح ذو حدين، وهذا يستدعي ضرورة المباردة في التخطيط الأمثل لاستيعابه وجعلهم يستثمرونه في أنشطة إيجابية ابتكارية. ويمكن حل أزمات الفراغ من خلال التوسع في مدارس القرآن الكريم المسائية، وإنشاء أندية علمية؛ لاحتواء الموهوبين وذوي القدرات العلمية لتنمية المواهب، وفتح باب الاستثمار للقطاع الخاص؛ لإنشاء أندية صغيرة في كل حي تشمل على جميع الأنشطة، وتشجيع العمل التطوعي في الهيئات الإسلامية والجمعيات الخيرية بتخصص أعمال مسائية مناسبة لإشباع حاجات الشباب النفسية والاجتماعية، والعمل على طرح برامج تدريبية مهنية موسمية من قبل المؤسسات العامة للتعليم الفني والتدريب المهني. الدكتورة أسماء الحسين ترى أنه من الضروري عمل مقاييس مبكرة للمراهقين والشباب لمعرفة قابلية الانحراف بينهم، ولاتخاذ الإجراءات الوقائية، وإعداد المعلمين لمواجهة حالات الجناح ومواجهة الانحراف بطريقة علمية، مع أهمية التعاون مع الأسرة أو الهيئات العلاجية الأخرى. وأشارت إلى أهمية وجود مراكز إرشاد أسرية اجتماعية نفسية، والعمل على دعمها من قبل الوزارات والهيئات؛ لدراسة أوضاع الأسرة السعودية، ووضع حلول مناسبة لها، والعمل على توجيه الوالدين بخصوص التنشئة والتربية للأطفال والمراهقين والشباب، وتوفير المناخ الأسري الآمن، والتركيز على نمو الضمير والنمو الديني والأخلاقي للأطفال والشباب؛ حيث إن أفضل وسيلة لحماية المراهق هي تدعيم ثقته بنفسه ومعاملته على أنه إنسان واعٍ يدرك مصلحته، وبتدعيم الصداقة بين الآباء وأبنائهم وعدم السخرية منهم، كذلك عدم كثرة استخدام الضرب فهو يؤدي في الغالب إلى انحراف المراهق، فحرمان المراهق منذ طفولته من حاجته النفسية والعاطفية ومعاملته بالقسوة منذ صغره سوف يجعله ينشأ إنساناً قاسياً ناقماً على الناس، يتخذ من الانحراف وسيلة للثورة على مجتمعه وبيئته وما يحمل من مفاهيم ومعايير ومُثُل، متحديًّا جميع الاعتبارات غير عابئٍ بها. وأشارت الدكتورة أسماء إلى أهمية الاهتمام بالأحكام التشريعية والتدابير الاجتماعية؛ لحماية الطفل والمراهق من الإهمال والتعرض لأسباب الانحراف، وذلك من خلال مكافحة الفقر والجهل والمرض، وإنشاء مؤسسات رعاية الأطفال والشباب ومراكز الإرشاد النفسي وإرشاد الأطفال والشباب. كما طالبت بضرورة تعديل العوامل البيئية داخل الأسرة وخارجها، وشغل أوقات الفراغ بوسائل الترفيه المناسبة والرياضة والنشاط الاجتماعي، مع ضرورة إعادة التطبيع الاجتماعي وتعديل الدوافع والاتجاهات في ضوء دراسات وخطط علاجية مدروسة، والعمل مع الجانحين على أساس من الفهم والرعاية بهدف الإصلاح والتقويم وليس العقاب. الإخصائية نوال أحمد نور أكدت أن التربية ليست قاصرة على البيت والمدرسة، فالعديد من المؤسسات في المجتمع تؤثر في تربيته وعلى اتجاهاته في الحياة؛ كالمساجد، ووسائل الإعلام كالصحافة والتلفزيون، والأندية. وأشادت الإخصائية نوال برأي الشيخ عبده يوسف حول أهمية الاستفادة من المدارس الحكومية خلال الفترة المسائية في المواسم والإجازات، والعمل على إنشاء أندية صغيرة في تلك المدارس؛ لأن ما يميز الأندية هو تعدد نواحي النشاط فيها؛ مما يجعلها قادرة على تحقيق رغبات وهوايات كل مَن يلتحق بها أو يتردد عليها؛ فقد أثبتت الأندية الصيفية التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم بالمملكة فعاليتها وقدرتها على شغل أوقات فراغ الطلاب بما يعود عليهم بالخير والنفع والاستقرار النفسي والاتزان الانفعالي. الدكتور أحمد فهمي أشار إلى أن الرقابة الأسرية هي أول خطوط الدفاع والملاحظة، وتكمن في الرقابة الواعية للأسرة من خلال ملاحظة تصرفاته وسلوكياته داخل المنزل أو خارجه؛ فالأسرة هي البيئة والمحيط والنسيج الأول لحياة المراهق. الإعلامية نوال بخش مسؤولة القسم النسائي لإذاعة الرياض أكَّدت على دور وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة لعمل حصانة وقائية للمراهقين من الانحراف، فوسائل الإعلام بدأت تغزو كل بيت؛ مما يؤكد على أهمية الإعلام، وذلك من خلال إعداد برامج خاصة بالمراهقين تُقدَّم من خلالها أفكارهم وطموحاتهم ومشاكلهم وهمومهم، وفقرات خاصة بالاستشارات الدينية والنفسية والاجتماعية والعاطفية. وهذا ما يفتقده الإعلام لدينا، فالبرامج إما موجهة للكبار أو للصغار، أما فئة المراهقين فلا نجد حظها أو نصيبها من الاهتمام الإعلامي. كذلك الحال بالنسبة للإعلام المقروء والمسموع الذي يتجاهل طرح قضايا المراهقين والبرامج التي يمكن تكون بمثابة الوقاية من الانحراف والمشاكل الأخرى التي يعاني منها المراهقون. لذا نطلب من وسائل الإعلام بجميع أشكالها إعادة النظر في هيكلة برامج الشباب والمراهقين، وتوجيه الدعوة لأصحاب ذوي الاختصاصات للمشاركة في إعداد البرامج الخاصة بالمراهقين، وتناول قضاياهم ومشكلاتهم والعمل على حلها، كما نطلب من الإعلام المرئي أيضاً لدوره الكبير توجيه برامج إرشاد أسرية واجتماعية ونفسية وعاطفية، وتوجيه لغة الخطاب للأسرة في القرية والريف والهجرة والمدينة.