يمثل عبدالرحمن منيف أنموذجاً للمثقف الذي تتنازعه انتماءات مكانية مختلفة، فهو سعودي الأب، عراقي الأم، شآمي الهوى.. إلا أنه في جانب الممارسة الابداعية أنموذج للروائي الذي يسجل الاحداث في مختلف البلاد العربية التي يراها انتماء واحداً. إنه مرحلة روائية عربية أكثر نضجاً من روايات الاغراق داخل الازقة الضيقة والحارات العتيقة لأنه كما يتضح من بعض نتاجه، يفهم العمل الروائي فهما تسجيليا ينسج بطريقة أدائية تختلف عن التوثيق وحسب، وهنا تكمن أهمية اعماله الروائية التي تصور الاحداث بعين ثالثة تتجاوز عيني التاريخ والمؤرخين. ولعل «مدن الملح» لمنيف تمثل ذلك العمق الفكري الذي يأخذ بأطراف السياسة والاجتماع، ويذهب الى التشكيل اللغوي الذي يأخذ القارئ إلى الفكرة بيسر ما لا نجده في المباشرة الكتابية. والمكان عند عبدالرحمن منيف عنصر مهم من عناصر العمل الروائي لأنه يريد أن ينقل الى القارئ آلام الحدث النابعة من ألم المكان، وتلك نتيجة بدهية للروح الانتمائية التي امتازت بها شخصيته. وباختصار.. لقد استطاع منيف - كما أظن - كشف أستار الواقع العربي.. أو الشرق الأوسطي - الذي نتغاضى عن تحولاته وآلامه.. بالرغم من أننا نستلذ فضحها في أعمال ابداعية تحولية بالنسبة الى الفعل الروائي العربي.