بين الحج والزواج هناك كلام ومناسبة، فقد كان الناس قديما يسارعون في تكميل دينهم بالعبادات فالصلاة ثم الزكاة لمن له مال ثم الصوم ثم الحج كما يسارعون بتكميل أنفسهم من خلال ما شرعه الله من الزواج، وربما تزاحمت الواجبات عليهم لضيق الحال فكانوا يهرعون إلى العلماء يسألونهم عما يشكل عليهم، كما سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إذاكان مع الرجل مال فإن تزوج به لم يبق معه فضل يحج به وإن حج خشي على نفسه فقال: إذا لم يكن له صبر عن التزوج تزوج وترك الحج، وإذا كان من يتزوجون اليوم يسعون إلى تحصين أنفسهم وينفقون في سبيل ذلك أموالا طائلة، من المهر ونفقات الزواج فإنه يكون لكثير منهم فضل مال بعد الزواج، فهل يخطر ببال هؤلاء أن يجعلوا ذلك المال للحج؟ إن البعض يستكثر أن ينفق أربعة آلاف أو أكثر أو أقل ليحج إلى بيت الله الحرام، ولكنه لا يستكثر ان ينفق أضعاف هذا المبلغ في رحلة استجمام. إن الحج من الحوادث العظام في حياة المرء وكذلك الزواج، وكما أنه يوجد في هذا الوقت من الحوادث العظام في حياة المرء وكذلك الزواج، وكما انه يوجد في هذا الوقت من يؤخر الزواج إلى سن الثلاثين والأربعين فإن هناك أيضاً من يؤخر الحج إلى هذه السن، ومثل هذه الظواهر لم تكن موجودة عند أسلافنا بل إلى عهد قريب فكثير من كبار السن اليوم حجوا وتزوجوا بعد بلوغهم بفترة يسيرة، هذا والحج قديما كان يكلف الحاج نفقة كبيرة وربما كلفه الحياة في بعض فترات التاريخ عندما تكون الطرق غير آمنة أو غير ممهدة، واليوم وقد أنعم الله تعالى علينا بنعمه الوافرة من أمن وأمان ورغد في العيش. جدير بكل من لم يحج أن يبادر إلى الحج، إن من الناس من تركوا الحج مع قدرتهم التامة عليه، ولم يخطر ببال هؤلاء ان يسألوا عن حكم الشرع في تأخيرهم للحج، فحري بمن لم يحج أن يعقد العزم على الحج، وأن يتذكر خطورة اصراره على عدم الحج مع استطاعته عليه، قال سعيد بن جبير: لو كان لي جار موسر ثم مات ولم يحج لم أصلِّ عليه وكفى بالحج فضلا ان الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. والمبرور: هو الذي لايرتكب صاحبه فيه معصية وكفى به فضلا أنه ينفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد كما جاء في الحديث، ولا غرابة في ذلك ففي الحج تجتمع أصناف العبادة كلها فهو يجمع بين كسر النفس واتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله تعالى وتعظيم هذا الركن وأداؤه من تعظيم الإسلام، والتهاون به وتركه مع المقدرة عليه ذنب عظيم وقد فرض الله تعالى الحج على العبد مرة في العمر، وهذا من رحمته وتيسيره، ولو كان فعله كل عام لشق فعله ولما استطاعه الناس كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) فقال رجل: أكل عام يارسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) فليحمد الله المسلم على يسر شرع الله ورحمته بعباده، وليبادر بالحج قبل ان يعرض له مايحول بينه وبينه.