لم تكن الجنادرية قبل اقترانها بمهرجان التراث والثقافة معروفة إلا عند القليل من سكان مدينة الرياض، كروضة كبيرة المساحة في الشمال الشرقي من الرياض يقصدها المتنزهون، كما يقصد غيرهم مثيلاتها في مختلف أنحاء المملكة أثناء فصول الربيع عقب سقوط الأمطار للتنزه حيث تطيب الإقامة حين تكتسي بالحلة الخضراء. وقد تحولت منطقة الجنادرية من معسكر للحرس الوطني السعودي إلى مضمار سباق سنوي للهجن، الرياضة التقليدية المنتشرة في دول الخليج. وقد نظم مهرجان الجنادرية للمرة الأولى عام 1985 بعد أن أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتطوير المهرجان عبر إنشاء قرية متكاملة للتراث تضم مجمعا يمثل كل منطقة من مناطق المملكة على أن يشمل كل منها بيتا وسوقا تجاريا وطريقا تعرض صناعات ومقتنيات وقطعا تراثية قديمة. وقد تطور المهرجان تدريجيا بإدخال فعاليات جديدة عليه، فبدأ يشمل منذ 1986 نشاطات ثقافية وفنية من بينها ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية شارك فيها أكثر من مائة من الأدباء والمفكرين العرب. وينظم مهرجان الجنادرية السنوي للتراث والثقافة الحرس الوطني السعودي الذي يرأسه منذ عام 1962 ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. إن مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة ولد ليبقى علامة مضيئة وفارقة في عالم الفكر والأدب والثقافة، ويعد نقلة فكرية وعلمية جديدة وتجسيدا لمفهوم التلاحم بين الموروث الشعبي والإنجازات الحضارية، فقامت مدينة جمعت بين الماضي العريق والحاضر المشرق يجسده المهرجان الوطني للتراث والثقافة، فالمملكة العربية السعودية هي مهد الإسلام ومنبعه، لها عاداتها وتقاليدها وتراثها ومنجزاتها، ولها خصوصيتها، فهي رمز للأصالة والقيم الثابتة، وعنوان للصبر والكفاح والجهاد، وتجسيد للمعاني الإنسانية النبيلة. ويأتي هذا المهرجان أيضا ليبرز الوجه الثقافي والتراثي والحضاري للمملكة، ويشهد بالإنجازات في مختلف المجالات. وتمثل الجنادرية مناسبة سنوية لإحياء كافة جوانب التراث الشعبي السعودي بشكل خاص والخليجي بشكل عام، فهي فرصة لتحقيق التواصل بين الأجيال؛ إذ يتعرف الأطفال على الألعاب والرقصات الشعبية التي تشهدها المجتمعات الخليجية، في مناسبات الزواج والأعياد واستقبال الحجيج. ويعكس هذا المهرجان صورة للتلاحم بين الموروث الشعبي وبين المنجزات الحضارية، ويعد إحياء للقيم والعادات وتعبيرا عن اصالة الشعب السعودي والعربي. وفي كل عام يظهر هذا المهرجان بحلة جديدة تختلف في النوع والفكر والطرح، وتميزه عن المهرجانات السابقة؛ لان هذا المهرجان يتحدث عن الماضي ويعرض مقتنيات لمواكبة الحاضر وشرح فكرة التقدم للمستقبل. ويتميز هذا المهرجان بالحضور الكبير من دول الخليج العربي والدول العربية وغير العربية. وهذا المهرجان يخرج لنا في كل عام بحلة جديدة وابداعات جديدة تميزه عن العام الذي قبله مواكباً ما نعيشه اليوم من تقدم وازدهار في ظل حكومتنا الرشيدة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، فإلى مزيد من التقدم والرقي والازدهار يا وطني.