لا أدري هل هذه أول تقليعة لمنظمة اليونسكو الأممية بأعلانها 21 آذار / مارس 2000م الذي وافق 15 ذي الحجة عام 1420ه يوماً عالميا للشعر، يجب الاحتفال به في هذا اليوم من كل عام,,؟ولا أدري لماذا جرى اختيار هذا اليوم بالذات ليكون عيداً للشعر، أو يكون الشعر عيداً له.لعلهم يريدون بتحديد هذا اليوم وفي هذا العام ان يذكروا الناس بالشعر,,!وكأن الشعر الذي هو ارقى وأجمل الفنون العالمية بلغ من الهوان على الناس بحيث لايُذكر إلا بتذكير,,! واذا كان الشعر قد أصبح بهذا القدر من الهوان وسوء الظن به وبفعاليته وقيمته الخالدة,, فلا بارك الله له في هذا اليوم اليونسكي ,, وانه لغني عنه كل الغناء,,!انا ادرك ان مراد اليونسكو من تحديد يوم معين في السنة ليكون يوما عالميا للشعر هو لفت النظر الى قيمة الشعر كأجمل فنون الكلام، وأقربه لمخاطبة النفس البشرية.* * *بداهة أقول: إن )الكلام( الذي تنطق به البشرية على اختلاف لغاتها وثقافاتها هو نوعان: نثر وشعر,, ولا ثالث لهما.وبداهة أخرى اقول: إن الفرق بين النثر والشعر هو الموسيقى وجوداً وعدما.فحيث يكون الكلام مموسقاً سواء كان مكتوباً أو مقروءً الى جانب الخصائص والمحسنات الأخرى,, يكون شعراً,, وإلا بقي من رعايا النثر.وما جعل للشعر نفاسته وخصوصيته إلا احتواؤه على العناصر التالية:أ أنه مزيج بين الكلام والنغم,, أي الموسيقى .ب أنه عجينة من الحلم والوجود.ج أنه مادة تصنيعية من الحقيقة والخيال.د أنه صور بيانية وتعبيرات نغمية راقصة.ه أنه جوهر قائم بذاته,, كزهور تخرج من أكمامها وتنفح عبيرها.و أنه بناء هندسي،، تتواءم لبناته مع بعضها دون النتوآت او تشظيات,.* * *وبالجملة فالشعر هو رئة الشاعر يتنفس من خلالها آلام الحياة وآمالها,, وهو صديق الذات الانسانية الخفية,, والمعبر عن صدق معاناتها الحيوية وخلجاتها النفسية بفرحها وترحها، بأوجز عبارة وارهف ترنيمة، وأوسع سبحة خيالية , من مقدمة ديوان )إبحار بلا ماء( لكاتب هذه السطور ص 6.* * *والشعر هو الجزء المهم من ثقافة الأمة أية أمة,, وهو فن النخبة، ونتاج القلة القليلة من المبدعين في كل أمة, وليس فنا مشاعا يتسع للجميع,,!وهذا ماجعل أدعياء الشعر,, وكتاب مايسمونه )القصيدة النثرية( يتهالكون على الانتساب إليه,, ولكنه في واقع الحال يرفضهم,, لأنهم يكتبونه نثراً ويسمونه شعراً,, وكأن الشعر في أذهانهم خاضع للتسميات، او ادخال التعديلات على جوهره الاصلي,, والذي عرف به منذ آلاف السنين؟* * *نعم: لقد قامت ثورات كثيرة على الشعر العربي منذ العصر العباسي وحتى اليوم، تريد تغييره بدعوى التجديد فيه,, ولكن هيهات,, )لقد تكسرت النصال على النصال(!لقد رحب الشعر بالتجديد الملتزم بخصائصه ومقوماته التي أشرت إليها آنفا,, ولكنه رفض رفضا قاطعا ان يدخل فيه ما ليس منه,, وآخر التقليعات )الدَّعِيَّةَ( ما يكتب الآن على منوال القصيدة التفعيلية,, من كلمات نثرية موزعة على السطور,, كما هي حال الكلمات التفعيلية.وشتان بين التفعيلات المموسقة,, والكلمات النثرية الخالية من الوزن,, ذلك أن الموسيقى هي الفاصل الطبيعي بين الشعر والنثر.* * *ولو ان أصحاب هذا التوجه )الشعروري( أخذوا أنفسهم لقراءة الشعر الجيد قديمه وحديثه، وتذوقوا حلاوة موسيقاه,, واعتنوا بلغتهم العربية فلربما أجادوا الشعر الموزون، في شكليه العمودي والتفعيلي,,وان هم لم يفعلوا,, او استعصى عليهم ذلك، فلا يضيرهم ان يسموا الأشياء باسمائها الحقيقية, فهو اشرف لهم من الإدعاء بما لايملكون.وللحديث عن الشعر جوانب أخرى في الاسبوع القادم ان شاء الله.