الإنسان يحاكي بيئته ويتأثر بها شعر بذلك ام لم يشعر,, فساكن المناطق الجافة يكون جافا مثلها في طباعه ولغته، حتى عندما يتصور انه رقيق ذائب يقطر عذوبة وانسيابا,, فالفرزدق الجاف يقول متغزلا: ألا ليتنا كنا بعيرين ما نرد على منهل إلا نشل ونقذف كلانا به عر يخاف قرافه من الناس مطلي المساعر اخسف وهو برغم تأثره بهذه الابيات بكثير عزة القائل: ألا ليتنا يا عز كنا لذي غنى بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب كلانا به عر فمن يرنا يقل على حسنها جرباء تعدي وأجرب إلا أنه لخشونته سقط على أسوأ ما قال صاحب عزة، فجعله ذلك يتمنى أن يكون بعيرا أجرب وتكون )عزته( ناقة جرباء، حتى لا يهيم به الآخرون,, إذ ربما زهدت به,, وهذه عموما ليست الإغارة الوحيدة التي يقوم بها الفرزدق على شعر ذلك الشاعر المسكين,, كثير عزة,, والذي لا يمتلك خط دفاع هجائي يهابه الآخرون, في الجانب الآخر يقول شاعرنا الشعبي شاكيا من الحب متلوعا من افتراسه, الهوى سبع فروس له مخاليب وضروس كم تعشى من نفوس آمنات غافلات فهل الهوى يتناسب مع المجئ الهادىء المنساب؟ ام يكون وحشا كاسرا؟! إنه الاثر الجغرافي والبيئة الصحرواية,, هذه البيئة ذاتها هي التي دفعت الاعرابي ان يفخر امام الرسول ْ صلى الله عليه وسلم ْ بأن له عشرة من الولد ما قبل واحدا منهم,,!! وفي المقابل يجود ساكن المنطقة الرطبة بنحو: اشارت بطرف العين خيفة أهلها إشاة مذعورة ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا وأهلاً وسهلا بالحبيب المتيم فليس هناك وحوش كاسرة، ولا بعير أجرب، بل رقة تجعل الشاعر يستقبل رسائل غزلية كثيرة من خلال إشارة سريعة من طرف العين لا يأبه لها إلا المغرمون, وقد يجمع الشاعر بين ما تتطلبه البيئة الصحراوية من شدة وصرامة في التعامل، وما يبتغيه الهوى والهيام من رقة ولين كما قول عنترة: ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم ولكن هذا قليل,, والكثير فضاضة ظاهرة مستفحلة في التعامل تعنى بالقيل والقال، مما دفع شاعرنا الشعبي الساخر )ابن هاشل( ليناجي ناقته )الفاطر( بأسلوب لا يخلو من طرافة رغم ما فيه من دلالات,, بعد أن فقد الأمل في محاورة اولئك الذين اتخذوا )السيسان( منبرا لهم لتقريع كل من يعمل حيث قال: يا فاطري ما نطيع الناس الناس للعرض هماقة من ضاق صدره رفد له ساس قال النقابي شرى ناقة و)النقابي( لقبه، وفي البيتين بيان لما دفع هؤلاء الناس لمرافعات )السيسان( إذ هي )ضيقة الصدر( اما الناجحون من الناس فهم في شغل عن تلك الملاحظات,, ولذا فربما كان من الغريب ان يأتي شاعر معاصر يحاكي الجاهليين في مطالع قصائدهم عندما يقول: ولما تبدت للرحيل جمالنا وجد بنا سير وفاضت مدامع تبدت لنا مذعورة من خبائها وناظرها باللؤلؤ الرطب دامع والأغرب من ذلك ان تحظى بالاعجاب,,!! إذ هناك مسافات هائلة بينة ومن استخدام الحصان فأسقط عليه همومه بأسلوب فذ: ايها السائق رفقا بالخيول المتعبة قف,, فقد أدمى حديد السرج لحم الرقبة قف,, فإن الدرب في ناظرة الخيل اشتبه