قرأت تحت دوحتك مقالا للاستاذ سليمان العقيلي بعنوان للحي ان يبيد ولو عاش لبيد وكان المقال في رثاء والده «رحمه الله» حين قرأت المقال ابى قلمي الا ان يكتب حروفا قد تكون نازفة بعض الشيء فالحديث عن الرحيل امر مؤلم ولم لا يكون كذلك وهذا الموت يتخطانا الى غيرنا وسيتخطى غيرنا الينا بل انه هادم اللذات ومفرق الجماعات. ان مقالة الاستاذ الحزينة فيها الكثير من الوفاء والبر ممزوجة بآهاته وأحزانه وجروحه النازفة ولا احد يلومه وكيف يلام من فقد عزيزا وحبيبا مقربا من نفسه ووالداً رؤوماً به.. وبهذا الفقد تمتد خيوط الحزن الى قلوبنا لتشكل شبكة عنكبوتية على هذا القلب الصغير لا نستطيع فض خيوطها فنحاول جاهدين نفض غبار هذا الحزن ببعض الكلمات على صفحة العزيزة علها تجد موضعا في لجة بحر المراثي. ان القلم يقف عاجزا عن التعبير وهو يرى الموت يخطف احبابنا واحدا تلو الآخر فتهرول بيننا نحن البشر عبارات العزاء لنخفف من لوعة الحزن للجاثم على قلوبنا ومع ايماننا التام بأن الموت حق لا نملك حياله سوى التسليم بقضاء الله وقدره الا اننا نفتقد احيانا الصبر فيستحوذ الأسى على قلوبنا متمثلا في قول الشاعر: اذا ما دعوت الصبر بعدك والأسى أجاب الأسى طوعا ولم يجب الصبر ومع اننا مطالبون بالصبر في مثل تلك المواقف الا ان الجراح تظل نازفة داخلنا والذكرى باقية في أذهاننا مهما طال المشوار وتسارعت الأشهر والأعوام؛ فنحترق لتلك الذكرى كما تحترق الفراشة من وهج النار ونتذكر قول الشاعر: تدنو الفراشات من ناري فأحرقتها وقد دنوت فكنت الوهج للنار لملم جراحك لن أنساك يا ابتي مهما نأيت ومهما طال مشواري فلن نستطيع النسيان بسهولة او السلوى في ايام معدودة فنظل طويلا من الوقت ملبدين بغيوم الأسى وسحائب الأحزان ننتظر ان تهطل تلك الاحزان فرحا وأنسا. وكم تمنينا ان نكون فدية لمن مات من قريب او عزيز ولكن هيهات يكون ذلك فلكل اجل كتاب، يقول الحق تبارك وتعالى {فّإذّا جّّاءّ أّجّلٍهٍمً لا يسًتّأًخٌرٍونّ سّاعّةْ وّلا يّسًتّقًدٌمٍونّ }هكذا هي الحياة حل وترحال.. بداية ونهاية.. لا مجال فيها للبقاء، حزنها في صفحة الوجه ظاهر للعيان، تحطمت الاحلام والآمال فجأة ودون مقدمات فنرى من احببنا قد اختطفته يد المنون فتختفي اهازيج الفرح من نفوسنا وتتعمق روح المعاناة داخلنا. انني اكتب هذه الحروف على تلك الورقة ويخال لي ان تلك الورقة لا تستطيع تحمل انين القلم عليها فلكأني اسمع صرير القلم جامحا.. فما أقسى فراق من الفته القلوب وما اشد اللحظات السرمدية التي تفصلنا عنه خصوصا عندما يكون احد الوالدين ابا او اما فالوجود ينقلب جحيما والنسيان يصبح مستحيلا، وصدق الشاعر حين قال في رثاء والده: كيف لا احسب الوجود جحيما يحتويني في جيئتي ورواحي كيف اقوى على احتباس دموعي وانا لا اخاف فيك اللاحي كيف انساك يا ابي كيف يمحو من خيالي خيالك الحلو ماحي ليس لي والذهول امسى نديمي والاسى رغم وأده فضاحي غير ربي ارجوه مدي بالصبر ولقياك في الجنان الفساح نعم لم يبق لنا سوى الصبر لنخفف من الآلام التي استكانت والاوجاع التي استقرت.. والذي يهدئ الروع ايضا ويخفف الحزن كوكبة المعزين في تأبين اولئك الراحلين وهذا دليل على تآلف المجتمع فالالسنة تلهج بالدعاء والاكف ترفع في لحظات احوج ما يكون لها ذلك المتوفى فلم يبق لنا سوى الاحتساب والعمل لمثل هذا اليوم الذي تهدم فيه لذتنا وتسقط ورقتنا وتنتهي آجالنا وصدق من قال: كم منية هادم اللذات بددها في اي ثانية قد ينتهي العمر طوبى لمن جعل الرحمن مقصده وجدّ في السير لم يقعد به الخور وأخَيرا أدعو للفقيد بالرحمة والغفران وفسيح الجنان انه على ذلك قدير وبالاجابة جدير.