يبدو لنا أن مفهوم الحضارة بأنه نظام اجتماعي يعين الفرد على زيادة انتاجه الثقافي والفكري.. ومن المؤسف أن هذا المفهوم يبدو قاصراً في أذهان من يشعرون بنقص فيرونه «أتكيتاً» يؤدي إلى التمدن بالتالي يكون إنساناً حضارياً ضمن منظومة الحضارة الشاملة، يذكر علي الوردي عن طبيعة المدينة «... أن طبيعة الحركة الاجتماعية لا تخلو من مساوئ على الرغم من محاسنها الظاهرة، فليس هنالك في الكون شيء خيراً كله أو شراً كله فالحركة الاجتماعية تساعد على التكيف ولكن في نفس الوقت تكلف المجتمع ثمناً باهظاً»، قد نجد بعضاً من فئات المجتمع وقد سلكت مسالك سلبية سيئة معتقدة بأنها تنتهج أسلوباً حضارياً. وللأسف هذه الفئة تحاول أن تشعر من حولها بسمتها الحضارية وهو مفهوم وسلوك خاطئين للنظر للحضارة والتحضر ولذا نجد أن الحضارة الغربية بعمرها المديد وإرثها الفكري والثقافي وحتى الاجتماعي إنما هو خليط من الخير والشر وهو على طاولة الخيار وبين أيدينا فلنأخذ منها ما يناسب طبيعتنا البشرية وقيمنا الأصيلة ولنبتعد عمّا يسيء لنا. ومما يثير انتباهي والذي قد يصل إلى حد الاشمئزاز من تلك السلوكيات السلبية التي يقوم بها أشخاص غير مدركين لما حولهم وقد يكونون يحملون مؤهلات علمية مقبولة ناهيك عن التصرفات الشبابية الطائشة وهي أشد خطورة.... وما دعاني أن أكتب في هذا الموضوع هو أنني ذات مرة بينما كنت في مكان عام لفت انتباهي تجمهر بعض الأطفال حول فتاة تحمل بين ذراعيها قطاً وتقلبه ذات اليمين وذات الشمال وتلاعبه وتقبله وتضمه إلى صدرها..!! ولذا فهي تعيش قمة الرومانسية مع قطها أمام أعين الملأ، إنه أمر عجيب بل هو سلوك شاذ غير مقبول في مجتمع شرقي محافظ... فهل هذا السلوك يمثل «أتكيتاً» في ذات الفتاة لمقياس حضاريتها أم هو هواية وحب لتربية الحيوانات الأليفة؟ فإذا كان الأمر كذلك فلا بأس ولها حريتها الشخصية التي لا تسلب منها ولكن وفق ضوابط اجتماعية معينة كأن تكون تلك الهواية في مكان خاص لتربية القطط.. مزرعة أو استراحة فقط، فأنا مع الحرية الشخصية المقننة المنسجمة مع القيم والأعراف الاجتماعية. ولا أنسى أن أشير إلى الأضرار الصحية على الانسان من تربية القطط من خلال نقل بعض الأمراض ومنها مرض المقوسات والذي هو عبارة عن طفيليات تصيب جسم الإنسان وهذه تنتقل عن طريق الفم من خلال اللعب مع القطط أو ينتقل للأم الحامل والذي يؤثر بدوره على الجنين «الصفحة الطبية - الرياض».. لذا أهمس في أسماع من خوة عقولهم وأفكارهم أو أخويت عمداً بالتأثير بسفاسف حضارة الغرب وعليه أصبح الأمر من الضرورة الفهم الحقيقي للحضارة وأنها ليست قطاً نحمله بين أيدينا أو كلباً يقودنا.. ولكن هي سلوك عملي ايجابي يعكس شخصيتنا الحقيقية لفهم الحضارة سلوكاً لفظياً من خلال تمسك الفرد بأدب الحوار المقنن المعطي الحرية للمتكلم والمستقبل ولباقته وحسن إصغائه، وهي أيضاً سلوك مظهري من خلال لبسه وشكله، وعليه فإن تلك المكونات تصبح نمطاً من الشخصية تتكامل فيها الجوانب المعرفية والفكرية والثقافية على أن تكون مرتبطة بقيم دينية وأخلاقية نبيلة وعلى كل ذلك سيحقق الفرد مكانة اجتماعية مقبولة من خلال انتهاجه هذه الأساليب التي قادته لأن يكون انساناً حضارياً وإن لم يكن كذلك أقول: يا أيها المتحضرون المزيفون إن حضارتكم المقلدة هي بريق يلمع في أنظار الآخرين ولكنها لن تستحوذ أفكارنا ولن تعمي أنظارنا للتأثر بها بل هي حضارة ذات قشور زائلة لا محالة بزوال ظرفها ووقتها وحتى مكانها فيجب عليكم إعادة تقويم أنفسكم ومراقبة ذواتكم والتأثير إيجاباً على أبنائكم بمسالك مقبولة وغرس المعنى الحقيقي للتمدن والحضارة في أفكارهم قبل سلوكهم لكي لا تبقوا بعد حين وحيدين مهمشين في سرداب من سراديب المجتمع المظلمة في مجتمع يلاحق ركب الحضارة الحقيقية ويعيش أسمى معانيها، ولذا نصل إلى أن نهضة الشعوب والأمم إنما تكون بالفكر النير لأبنائها وعلو علمهم وسمو أخلاقهم.