متابعة: تركي إبراهيم الماضي - عبدالله هزاع العتيبي تتوافر بمدينة الرياض مساحات من الأراضي المخططة تكفي لاستيعاب ضعف العدد الحالي لسكان المدينة ويعد هذا النطاق من المقاربة في الأراضي وتخطيطها أمراً غير طبيعي في أية مدينة أخرى، كما يمثل ذلك مشكلة كبيرة في التخطيط والإدارة للتنمية المستقبلية للمدينة ووضعا لا يتوافق مع التنمية المستدامة. وتبعا لذلك قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالتوجيه نحو اعداد المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض لكي يتم تناول التنمية المستقبلية للرياض بالدراسة في حدود المنطقة الحضرية التي تقع ضمن نطاق مسؤولياتها وهي المناطق الواقعة داخل حدود حماية التنمية. استمرار النمو تشهد مدينة الرياض نمواً سكانياً مستمراً نتج عنه نمو في الانشطة العمرانية والاقتصادية وغيرها من الانشطة الحضرية وتشير الدراسات والمعلومات المتوفرة الى استمرار هذا النمو في المستقبل المتطور على الأقل، وقد تجاوز النمو الذي شهدته وتشهده المدينة المعطيات والأسس الواردة في آخر مخطط توجيهي أعد للمدينة وتعد مدينة الرياض واحدة من الأمثلة الهامة في حجم النمو السكاني والتخطيط الحضري في هذا القرن. يختلف الشكل والهيكل العمراني لمدينة الرياض الحالية التي يبلغ عدد سكانها حاليا نحو 4 ،5 ملايين نسمة والذي يتوقع أن يبلغ نحو 5 ،10 ملايين نسمة في عام 1442ه عن مدينة الرياض التي كانت قبل 25 سنة. ويعتبر تطور مدينة الرياض على مدى العقدين الماضيين مثالا للسياسات الحكومية التي وجهت قوى السوق في عملية التنمية الحضرية. أول مخطط حتى نهاية الثمانينيات الهجرية (الستينيات الميلادية) لم يكن هناك مخطط ينظم عملية التنمية في مدينة الرياض. وكانت التنمية الحضرية هي انعكاس مباشر للقرارات الحضرية التي تم اتخاذها في ذلك الحين (الملز، المطار القديم.. الخ) إلا أن الجهات البلدية أدركت أهمية وضع ضوابط لعملية التنمية الحضرية حيث تم تطوير المخطط الرئيسي الأول لمدينة الرياض وتم اعتماده في عام 1394ه، وقد اعتمدت فكرة هذا المخطط على نمو شريطي محاذ لوادي حنيفة من جهة الغرب ومواز إلى حد ما، لحوض السلي من جهة الشرق، وكانت الوحدة التخطيطية هي مربعات شبكية بحجم 2x2كم. تجاوز المخطط إلا أنه وفي أقل من عقد واحد تجاوزت التنمية الحضرية حدود هذا المخطط وذلك بسبب الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة والزيادة الكبيرة في الانفاق الحكومي وارتفاع دخل الفرد ووصلت سرعة التطوير الحضري الى مستويات لم يسبق لها مثيل كما تم تخطيط وتقسيم مساحات كبيرة من الاراضي خارج حدود المخطط، مما دعا الجهات المسؤولة لتطوير المخطط الرئيسي الثاني لمدينة الرياض الذي اكتمل العمل فيه عام 1401ه وقد حاول هذا المخطط الاعتماد على فكرة المخطط الرئيسي الأول والانطلاق منها للمناطق الاخرى. ولكن في غضون أقل من عقد واحد أيضا تجاوزت التنمية الحضرية حدود هذا المخطط مما يعني ان كلا المخططين قد أخفقا في التعامل بفعالية مع محركات التنمية الحضرية في مدينة الرياض، وقد يكون أحد أسباب هذا الاخفاق هو ضعف المشاركة من جانب العنصر المحلي في كلا التجربتين السابقتين وهو أمر قد تم تلافيه في اعداد هذه الاستراتيجية. أهم مرحلة وكانت فترة التسعينيات الهجرية أهم مرحلة في تاريخ المدينة، إذ بدأ التخطيط المنظم للمدينة وتم انشاء الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في عام 1394ه لمتابعة تنفيذ المخطط ورسم السياسات العليا لتطوير المدينة، وفي عام 1403ه تم إنشاء مركز المشاريع والتخطيط ليكون الجهاز التنفيذي والإداري للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وذلك للتعامل مع القضايا التخطيطية بمفهوم شامل وكعملية مستمرة لا ترتبط بالمخططات الرئيسة ذات المنظور الزمني الثابت حيث قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض باعداد دراسات النطاق العمراني لمدينة الرياض والتي اعتمدها مجلس الوزراء في عام 1409ه، وفي عام 1414ه اعتمدت الهيئة لتطوير مدينة الرياض سياسات وضوابط للأراضي الواقعة بين حدود حماية التنمية وحدود المرحلة الثابتة من النطاق العمراني بالاضافة الى تقسيم المرحلة الثانية من النطاق العمراني إلى مرحلتين إحداهما لاستيعاب النمو من عام 1415 إلى عام 1420ه والأخرى لاستيعاب النمو من عام 1420 إلى عام 1425ه. وبنهاية المرحلة الزمنية الاولى للنطاق العمراني 1415ه كانت التنمية العمرانية في المدينة قد غطت معظم أجزاء المرحلة الأولى من النطاق العمراني والذي تتجاوز مساحته 632كم2 مع تقلص لنسبة الاراضي الفضاء داخل تلك المرحلة من نحو 50% الى أقل من 30%. وما زالت العملية التخطيطية في المدينة ترتبط بصورة مباشرة بسياسات النطاق العمراني في محاولة لحصر التنمية في إطار جغرافي محدد للحد من مشكلة النمو العشوائي والتشتت العمراني. تقويم التطوير تشكل مساحات الاراضي الحالية بالمدينة والمناطق المحيطة بها مباشرة المعلومات الاساسية اللازمة لتقويم التطوير المستقبلي للمدينة، ولتقدويم الطاقة الاستيعابية للاراضي الواقعة ضمن المرحلتين الأولى والثانية من النطاق العمراني فقد تم تصنيف الأراضي البيضاء والمخططة جميعها كأراض غير مطورة وقد تم بالفعل تخطيط وتقسيم نسبة 63% بالكامل من بين ما مجموعه 854 كلم2 من تلك الأراضي غير المطورة. وباضافة الاراضي المخططة الواقعة ضمن منطقة حماية التنمية وخارج حدود المرحلة الثانية، فإن مجموعة مساحة الأراضي الحضرية المخططة في الرياض ستزداد إلى 763 كم2، أي بمساحة تزيد بنسبة 13% عن المساحة المبنية للمدينة في الوقت الحالي، ولهذا تتوافر بالرياض حاليا مساحات من الأراضي المخططة تكفي لاستيعاب ضعف العدد الحالي لسكان المدينة. كما يجري حاليا تخطيط الاراضي الواقعة خارج حدود المرحلة الأولى من النطاق العمراني الى استخدامات حضرية على الرغم من عدم وجود مخطط هيكلي لتلك المناطق، حيث توجد مناطق واسعة تتضمن مخططات أراض معتمدة الا انها غير مطورة وتتجاوز مساحتها مساحة المنطقة المبنية الحالية للمدينة، وهذه المخططات معظمها سكنية وبنفس الانماط السابقة ولا تلبي احتياجات المدينة من الاستخدامات الاخرى لذا فإن الشكل العمراني للمدينة قد تم تقييده لسنوات طويلة قادمة. قيادة وتوجيه تبنت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض اعداد مخطط استراتيجيه لمدينة الرياض يهدف الى قياة وتوجيه التنمية المستقبلية بمدينة الرياض، وذلك من خلال تقويم الوضع الراهن للمدينة ثم وضع بدائل استراتيجية للتطوير الحضري، ويتبع ذلك وضع خطة تنفيذية لهذه الاستراتيجية. ينقسم العمل في المخطط الاستراتيجي الشامل الى ثلاث مراحل رئيسة، المرحلة الأولى يتم فيها مراجعة وتقويم الوضع الراهن للمدينة وتحديد التبعات المتوقعة لهذا النمو على حاضر المدينة ومستقبلها، ووضع تصورات عامة للرؤية المستقبلية للمدينة، وذلك من خلال جمع المعلومات المتوفرة عن الوضع القائم في المدينة وحصر المشكلات والقضايا الحرجة التي تعاني منها المدينة في مجالات التنمية المختلفة، وتعريف الامكانات والفرص المتاحة لتطويرها. وفي المرحلة الثانية يتم اجراء الدراسات التفصيلية عن كل قطاع من قطاعات التنمية الحضرية والتطوير، وتحديد أهداف التطوير لكل قطاع، وطرح البدائل المتاحة لبلوغ هذه الاهداف وتقويمها ودراسة تكلفة كل منها، والخروج بالاقتراح الامثل للاطار الاستراتيجي لمدينة الرياض، ومن ثم وضع المخططات الهيكلية العامة والتفصيلية للمدينة. أما المرحلة الثالثة فتتمثل في وضع آليات لتنفيذ الاستراتيجي ة والمخططات الهيكلية، من خلال السياسات، والبرامج، والضوابط، والانظمة. جوهر الاستراتيجية وتمثل المرحلة الثانية من تلك المراحل جوهر الاستراتيجية حيث تركز على وضع الخيارات المستقبلية للقطاعات المختلفة وبدائل التنمية الحضرية والاطار الاستراتيجي لمستقبل الرياض، ويستند العمل فيها الى الدراسات التي تم اجراؤها في المرحلة الأولى وإلى الخبرة المكتسبة خلال عملية التخطيط، ويتم العمل في هذه المرحلة بشكل تسلسلي نظراً لأن كل مرحلة تعتمد على الخطوات التي تسبقها وتنقسم المرحلة الثانية الى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول وهو الجزء التمهيدي حيث تم في هذا الجزء صياغة الاهداف والغايات وتحديد المعايير التخطيطية والتوقعات السكانية والاقتصادية بالاضافة الى المحددات البيئية التي ينبغي مراعاتها. ويتم في الجزء الثاني وضع البدائل الاستراتيجية وهذا هو الجزء الرئيسي من المرحلة الثانية حيث يتم وضع الخيارات وتقويمها على المستوى القطاعي وعلى مستوى المدينة بكاملها، مع التوصية بالبديل الاستراتيجي المفضل للتطوير الحضري. أما الجزء الثالث وهو الجزء النهائي من المرحلة الثانية فهو اعداد الاطار الاستراتيجي حيث سيتم وضع استراتيجية التطوير الحضري لمدينة الرياض بصورة نهائية تشتمل على مخطط هيكلي للمدينة بالاضافة الى السياسات الحضرية وخطة الإدارة الحضرية مع أمثلة من المخططات الهيكلية المحلية. إطار ودليل جرى من خلال المرحلة الأولى من المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض تحديد الرؤية المستقبلية لمدينة الرياض، حيث تهدف هذه الرؤية الى وضع إطار ودليل ارشادي لعمل التخطيط الاستراتيجي في المرحلة الثانية من الدراسة، وتعكس هذه الرؤية الرغبات والآمال بطريقة واضحة، كما تعكس التطلع لمستقبل يكون امتداداً للمستوى الحضري والمعيشي الذي تشهده المدينة وسكانها. إن بلوغ هذه الرؤية المنشودة سيستغرق وقتا وجهدا كبيرين، إلا ان التعبير عن هذه الرؤية المستقبلية، من خلال مخطط استراتيجي شامل وتطبيقه، سيؤدي في النهاية الى تحقيق هذه الأهداف بمشيئة الله. منهجية متميزة قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بتبني منهجية متميزة في هذا المشروع تقوم على زيادة قنوات الاتصال والتشاور مع جميع الجهات ذات العلاقة وسكان المدينة في العملية التخطيطية لتنمية مدينة الرياض في المستقبل. حيث تم عقد جلسات نقاش مكثفة لمدة أسبوع في شهر جمادى الأولى 1419ه من أجل بحث وإيجاد بدائل لمستقبل مدينة الرياض، وقد شارك في تلك الجلسات ممثلون من مختلف الجهات ذات العلاقة بالتنمية الحضرية في مدينة الرياض، وبعض أساتذة الجامعات، وممثلون من سكان المدينة وجهات مهتمة أخرى الى جانب بعض الخبراء المحليين والعالميين في مجال تخطيط المدن، والاقتصاد، والبيئة، والنقل، والتصميم العمراني، وتقنية المعلومات وإدارة المياه والصرف الصحي. تداول المشاركون حول البدائل الحضرية لمستقبل مدينة الرياض والنظر في الخيارات المختلفة لتنميتها، وقد تباينت وجهات النظر والكثير من المقترحات ولكن كان هناك موضوع محدد تم عكسه في خلاصة تلك المقترحات وهو: لا تستطيع المدينة الاستمرار على حالها اليوم.. ويجب احداث التغيير في أقرب وقت ممكن إذا ما أريد لمدينة الرياض استدامة مستقبلية كمدينة كبرى، وعاصمة للمملكة العربية السعودية، ووطن لعدد كبير من الأسر وأطفالهم.