ماذا يقول المسلم حينما يشاهد هلال رمضان؟ سؤال أطرحه في بداية هذه الخواطر الرمضانية ويجيبنا عليه ما رواه الترمذي عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشدٍ وخير». هذا هو شأن المسلم عند مشاهدته هلال كل شهر، فيتقرب إلى الله بالدعاء أن يجعل أيامه أيام أمن وإيمان، وأن يجعله مطلع شهر سلامة وإسلام، وأن يكون هلال رشد وخير، وهكذا يكون الاستقبال لكل شهر، فكيف بنا إذا كنا نستقبل رمضان الذي فضله الله سبحانه على سائر الشهور فجعله شهر الصوم وبشر على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من صامه إيماناً واحتساباً بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه. إن شهر رمضان الذي هلت علينا أيامه وآنستنا لياليه هو شهر الرحمة والمغفرة وشهر الصبر الذي جزاؤه الجنة، وشهر العتق من النار، وهو شهر الذكر والقرآن قد زاده الله تفضيلا بأن جعله مناخاً مناسباً لكل عمل خير، ولكل فعل سديد، كيف لا وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفِّدت الشياطين» متفق عليه. وهل هناك مناخ أنسب من ذلك لفعل الخيرات، والحث على التسابق في ميادينها؟ إنه مناخ محاط بكل أسباب الأمن والأمان حيث تصفد الشياطين في هذا الشهر الكريم، فهلا استثمر المسلمون هذه الفرصة العظيمة ليجعلوا من هذا من الشهر وأيامه انطلاقة لتقويم سلوكهم وتقوية يقينهم وعزائمهم، وتنمية حسناتهم، ومكافحة كل سلوك يضر بحياتهم أو يمس من قريب أو من بعيد بثوابت دينهم، أو يحاول العبث باستقرار وأمن بلدانهم؟ وعند أمن الأوطان يتوقف الإنسان في هذا الشهر الكريم لأنه ما أحرانا أن نستفيد من دروسه، ليصبح الأمن واجباً مشتركاً يساهم في ترسيخه الجميع، فرمضان هو شهر الأمن النفسي والانضباط الذاتي النابع من داخل المسلم الصائم، يراقب ربه سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية، فهو جل وعلا مطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور. والصائم الذي يضع في اعتباره أن الرقابة عليه لا تنقطع وأن الله الذي فرض عليه الصيام لا تأخذه سنة ولا نوم ذلك الصائم يجعل من نفسه رقيباً على نفسه، خشية أن يقع منه ما لا يرضي ربه، وخشيته أن تزل قدمه في معصيته، وهنا يكون الانضباط النفسي ويتولد السلوك الايجابي نحو نفسه ونحو مجتمعه وأمته، فلا يفعل إلا الخير، ولا ينطق إلا بالخير، فينشأ لديه حالة أمنية ذاتية يستشعرها أمنا في نفسه، واطمئناناً في ذاته واتزانا في سلوكه، فلا يتعدى بالقول أو الفعل على غيره، بل يجعل طريق الخير هو دربه، وسلوك كل معروف هو سبيله، ويصل الصائم في طريق الخير إلى درجات أعلى حين يصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، فإذا شاتمه أحد أو خاصمه، فلن يقابله إلا بالقول «إني امرؤ صائم، فتنطفئ العداوات، ويندحر الشيطان في هذا الشهر الفضيل، وهنا يصبح الأمن هو سيد الموقف، فينبع الأمن من الذات وتسود حالته المجتمع. فرمضان مدرسة تعلم الأمن وتدرب على السلامة، والاجدر بنا أن نستثمر هذه الفرصة التي تثبت دعائم الأمن النفسي في ترسيخ دعائم الأمن الوطني الذي لا يخفى علينا ما يحاوله أعداء الاسلام نحوه، بعد ان استتب الامن على ارض هذا الوطن منذ أن اسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كيانه على دعائم الدين الحنيف، فأقام شرع الله وحكمه في جميع شؤونه، ورسم على أرضه صورة مشرقة لما ينبغي أن يكون عليه الأمن في الأوطان، حيث أمن الناس في هذا الوطن على أنفسهم وممتلكاتهم بعد أن كانت هذه الصحراء مرتعاً للجريمة ومصدراً للخوف، وأحاط الأمن بكل جوانب التنمية على أرض المملكة، وخطت المملكة بثقة خطوات مشهودة لها في مجالات التنمية الشاملة، وصار الأمن هو السمة المميزة لهذا الوطن بين أوطان العالم، وأصبحت تجربة المملكة في إقامة الأمن مضرب المثل وعنوانه. فهل يتمكن أبناء الوطن وفي إطار وحدتهم الوطنية، وفي ظل قيادتهم الحكيمة من العودة السريعة الواثقة بالأمن في هذه الديار إلى ما هو معروف عنه؟. أجيب فأقول نعم بعون الله، لأن العيون ساهرة، ووحدة أبناء الوطن راسخة، والقيادة واعية وحكيمة، في الوقت الذي نثق فيه أن كيد الشيطان كان ضعيفاً، ولن يتمكن من الوقوف أمام قوة الإيمان، المترسخة في أبناء المملكة، التي تجري في دمائهم والتي تزداد قوة ورسوخاً في مواسم الخير والبركة، وبخاصة في شهر الأمن والإيمان، شهر رمضان المبارك. وبالله التوفيق،،،