نشرت المفوضية الأوروبية نتائج استطلاع للرأي أجرته بإشراف إحدى أكبر وأدق مؤسسات استطلاع الرأي التابعة لها، وكان موضوع الاستطلاع هو مسألة العراق والسلم العالمي، ومن الأسئلة المطروحة في الاستطلاع سؤال يتمحور حول دور إسرائيل في تهديد السلم العالمي. فجاءت نتيجة الاستطلاع بخصوص هذا السؤال: أن 59% من الأوروبيين يعتبرون أن إسرائيل تشكل أكبر تهديد للسلم في العالم، بينما كانت النسب المشكلة لهذه النسبة الإجمالية متفاوتة حيث إن نسبة 88% في اليونان يعتبرون أن إسرائيل تشكل أكبر تهديد للسلم في العالم. أما بعض النماذج الأخرى والتي يرى أصحابها أن إسرائيل تشكل أكبر تهديد للسلم العالمي فجاءت على النحو التالي: 74% في هولندا والدانمارك المعقلين التاريخيين لمناصرة إسرائيل، و64% في بريطانيا مهد بلفور والصانعة التاريخية لإسرائيل، و66% من الألمان الذين يبدو أنهم بهذه النسبة قد خرجوا عن طوق عقدة الذنب التاريخية اتجاه اليهود. غير أن الأهم في نظرنا ليس محتوى هذا الاستطلاع ولا هذه النسب المرتفعة التي عبر عنها لأننا كنا نعرف أن الأسلوب النازي الذي تعتمده الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل سيؤدي في عاجل الأيام أو آجلها إلى إثارة الحنق لدى الرأي العام العالمي ضد الكيان الصهيوني وسدنته، لكن الشيء اللافت لدينا في الاستطلاع هو ما نجمله في الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: هي أن هذا الاستطلاع يعتبر إفادة براءة للعرب لأول مرة من المسؤولية في تهديد السلم العالمي تلك الصفة التي ألصقها الإعلام الصهيوني والمتعاطفون معه بالغرب والتي ظلت مكرسة منذ أن وجد الكيان الصهيوني في فلسطين المغتصبة. الملاحظة الثانية: هي تبرئة العرب والمسلمين عموما أيضا من تهمة عمد الإرهاب، «ذلك الغول العربي الإسلامي» الذي أوجده تحالف الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية وأطلقه على العرب والمسلمين، بل تجاوز الأمر ذلك إلى ربط الإرهاب بالإسلام كدين وقد جاءت نتيجة الاستطلاع عكس هذا الرأي، إذ لم ينضم «لمحور الشر» الجديد من منظور الرأي العام الغربي طبقا للاستطلاع، إلا إيران والتي نعرف أنها براء من ذلك، ولو أن الاستطلاع لم يتزامن مع الضجة المثارة حول مسألة الأسلحة الذرية في إيران لما ذكرت إيران كدولة تهدد السلم العالمي في هذا الاستطلاع. الملاحظة الثالثة والأهم في نظرنا: هي إضافة اسم الولاياتالمتحدة «لمحور الشر» الجديد طبقا للاستطلاع، عندما احتلت المرتبة الرابعة بعد إسرائيل وكوريا الشمالية وإيران، ومن هنا يكون سحر الصهاينة والمتعاطفين معهم من اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية قد انقلب عليهم وهو الانقلاب الذي نرجو أن يتوسع ويتمدد حتى يشمل الرأي العام الغربي عموما والأمريكي بصفة خاصة ولاشك أن ذلك لم يعد مستبعدا بالنظر إلى ما ستخلفه تداعيات ما أصبح يعرف بالمستنقع العراقي ونحن واثقون أن هذا الانقلاب حتمي الوقوع لأن الممارسات الصهيونية العنصرية إذا استمرت على وتيرتها وكذلك إذا استمرت المقاومة العراقية في تصاعد وأصيب الاحتلال الامريكي للعراق في مقتله، فإن الرأي العام الأمريكي سيدرك أنه كان يخوض حربا ظالمة حربا من أجل الصهاينة ونيابة عنهم دون أن تكون لها مدعمات أخلاقية، فلا سلاح للتدمير الشامل كان لدى العراق، ولذا فالعراق لا يشكل خطرا على الأمن القومي الامريكي. ثم إن إسرائيل تساعد هي الأخرى من خلال عنصريتها وهمجيتها ضد الفلسطينيين في انكشاف صورتها السيئة للرأي العام. فها هي قد انكشفت للرأي العام الأوروبي وستنكشف لا محالة للرأي العام الأمريكي خاصة كما قلنا إذا زادت الفاتورة البشرية بين الأمريكيين في الحرب بالنيابة التي تخوضها أمريكا في العراق. والشيء الذي يترسب لدينا من خلال نتائج هذا الاستطلاع والملاحظات التي سقناها حوله هو أن العالم الأوروبي قد أدرك بعدما يقارب ستة عقود من قيام الدولة الصهيونية أن وجودها كان خطأ وأنها كانت هي البؤرة التي منذ أن أنشئت لم يعرف العالم الاستقرار وظلت هي المحرك لكل النزاعات الإقليمية والدولية في المنطقة العربية والإسلامية، ولئن كان هذا الاتجاه لم يعبر عنه في الاستطلاع إلا أنه خلاصة منطقية لما ذهب إليه الاستطلاع في اعتبار إسرائيل أكبر خطر يهدد السلم العالمي. ثم إن الشيء الآخر الماثل أمامنا والمؤرق لنا هو أن العرب لن يعرفوا كيف يستثمرون النتائج الإيجابية لهذا الاستطلاع ولعل أكبر دليل على ذلك هو ما نشاهده حتى الان من وجوم رسمي عربي عن التنويه بهذا الاستطلاع وإعطائه حجمه الديبلوماسي والإعلامي الذي يستحقه. وعليه فإننا نهيب بالنخب العربية الرسمية والشعبية والمثقفة منها خاصة إلى إطلاق حملة ديبلوماسية وإعلامية عامة للتهليل بهذا الاستطلاع والتقرب إلى الرأي العام الأوروبي في إطار هذه الحملة على نحو من العلاقات العامة المبنية على الاحترام المتبادل والحوار الحضاري بإظهار الجوانب الإيجابية في العلاقة العربية الأوروبية باعتبارها علاقة إذا ما دعمت وطورت فإن بإمكانها أن تكسب الطرفين منافع جمة، بل لماذا لا يكون محتوى هذه الحملة أن العرب قد عانوا من الظلم التاريخي وأن أرضهم سلبت وسلمت لغيرهم وحملوا بعد ذلك أشنع التهم ظلما وزورا، عندما ربطت رغبتهم التحررية في استرجاع حقوقهم بالعنف والإرهاب وإن الاوروبيين قد أهدروا فترة طويلة من الزمن عندما تنكروا لوعودهم للعرب، وفضلوا إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين على السماح للعرب بالاستقلال التام والتوحد في إطار قوة اقتصادية وبشرية ستدر من المنفعة على الأوروبيين والغرب عموما ما لم تدره عليه حفنة من الصهاينة وكيان أنشئ من شراد الآفاق، وعليه فإن أمام العالم الأوروبي خاصة والغربي عموما الفرصة لتدارك ما فات وذلك من خلال العمل الصادق على إيجاد حل عادل للقضية العربية وتقديم اعتذار للعرب عما لحق بهم من ظلم تاريخي ومن ثم القضاء على كل الأسباب التي أدت إلى وجود العنف والتطرف في الساحة العربية والإسلامية حتى يتم إنهاء ما نرى أنه السبب لما يعرف لدى الغرب «بالإرهاب».