الكذب من العلامات التي يعرف بها المفسدون في الأرض، ويتميز بها أدعياء الإصلاح، ولا نعني بالكذب، ذلك الذي يؤلف القلوب، ويزرع الود في النفوس، وينفي العداوة والبغضاء، فهذا النوع من أنواع الكذب من الأمور المباحة، ولكننا نعني تلك الكبيرة، والظاهرة الخطيرة، التي يستعملها أدعياء الإصلاح، لذر الرماد في أعين اتباعهم، والسذج المتأثرين بهم، ليجعلوا الألفة فرقة، والمحبة كرها، والودَّ بغضا، فمن جعل هذا النوع من أنواع الكذب مطية له، ووسيلة لتحقيق مآربه، فهو على خطر عظيم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه: «.... وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا». والكذب مبدأ من مبادئ المفسدين، فالمنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ادَّعوا الإصلاح في الأرض، ولكن فند الله دعواهم، وبين أنهم هم المفسدون، وهؤلاء عندما تتأمل صفاتهم، تجد أن الكذب من أبرزها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أوتمن خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، والحديث متفق عليه. ومن الرذائل التي يقع فيها المصلحون المفسدون، الحديث بكل ما يسمعون، ومن حدَّث بكل ما سمع وقع بالكذب، هذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه مسلم - رحمه الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال: «كفى بالمرء كذباً ان يحدث بكل ما سمع». *ه6ه*}، فمن جاءته الأنباء ولم يتبين مدى صحتها، ولم تتضح له حقيقتها، ولم يثبت له صدق قائلها، وبنى عليها أحكاما، خالف أمر الله، ووقع بما حذره سبحانه منه، فأصاب قوما بجهالة، وهذا ما وقع به المصلحون المفسدون، فقد أصابوا من أعراض الفضلاء، وأكلوا لحوم العلماء، وسوف يندمون لا محالة.