فرضت الصعوبات الكثيرة التي تواجه الخطاب الدعوي في الآونة الأخيرة بفعل المتغيرات السياسية والحملات التي تشنها وسائل الإعلام المعادية ضد كل ما له علاقة بالاسلام، تحدياً كبيراً على العاملين بالحقل الدعوي للارتقاء لمستوى هذه المتغيرات وتجاوزها للوصول بالرسالة الدعوية الى أوسع نطاق وتحقيق الهدف منها في التعريف بسماحة الإسلام ومبادئه التي تحمل الخير لكل الإنسانية. لكن ما هي الشروط والمواصفات الواجب توافرها في الداعية القادر على تحقيق أهداف الدعوة في ظل كثرة الدعاة وتنوع خطاباتهم الدعوية؟ «الجزيرة» استطلعت آراء عدد من أصحاب الفضيلة العلماء والأكاديميين والمسؤولين.. فماذا قالوا: ففي البداية يقول الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع «عضو هيئة كبار العلماء» إن الداعية يجب أن يكون عاقلا، مؤهلا تأهيلا علميا مقدراً آثار دعوته فإن كانت دعوته لها آثار إيجابية من حيث الخير وانتشاره والاستجابة إليه فيجب الأخذ به والمصير إليه وإن كان قد يترتب عليه ما فيه مضرة كبيرة وخير قليل فهذا يجب الكف عنه لأن من مقامات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والارشاد أربعة: إما أن تكون الدعوة نتيجتها الخير المحض فهذا لا يجوز التردد عن الأخذ بهذه الدعوة وإن كانت النتيجة الخير الكثير والضرر القليل فكذلك يجب الأخذ بالدعوة ويؤثر عليها وجود ضرر مغموس في خير كثير، المقام الثالث إذا كانت نتيجة الدعوة خيراً كثيراً وضرراً كبيراً والأمر في ذلك متساو فهذا لا يجوز أن يدخل في مسلك هذه الدعوة إلا من كان عنده قدرة في تقدير الآثار والتغلب على تقليل الأضرار وتكثير الخير، أما من لم يكن مؤهلا لذلك فقد يكون لدعوته انعكاس في كثرة الشر وقلة الخير ولا شك أن الدعوة الصحيحة هي ما كانت آثارها محصلة للخير الكثير أو الخير المحض، المقام الرابع ما إذا كانت الآثار الايجابية الخيرة للدعوة قليلة والآثار السلبية الضارة كبيرة فهذا لا يجوز لأن الغرض من الدعوة هو تكثير الخير وتقليل الشر فإذا كانت نتيجة الدعوة تكثير الشر وتقليل الخير فهذا عكس ما هو مطلوب في الدعوة وآثارها. الرجال والنساء أما الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله العمار وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والارشاد فيقول: إن أمر الدعوة إلى الله تعالى من أعظم الواجبات وهو كغيره من التكاليف الشرعية كما كلف به الرجال كلف به النساء أيضا، يقمن به في نطاق الحدود التي خطها الاسلام لهن، قال تعالى: {(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) }، والقاعدة الأصولية تقول: إن النساء يدخلن في الخطاب الموجه للذكور من باب التغليب إلا ما خرج بدليل، وقد ذكر الله تعالى المؤمنات صراحة في قوله تعالى: {)وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }. وقد كانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من الصحابيات مدارس لنشر العلم ورواية الحديث عنهن، والمتتبع لكتب السير والتاريخ والأدب الإسلامي يجد الكثير من فضليات النساء العالمات العاملات الداعيات الى الله الآمرات بالمعروف والناهيات عن المنكر. ومن هذا المنطلق فإن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد وهي تعنى بكل ما له علاقة بالارشاد والدعوة إلى الله تعالى، وقد قامت بتنظيم كل ما له علاقة بأعمال الدعوة إلى الله في الداخل ووضعت الضوابط وسنّت التعليمات التي تكفل - بإذن الله تعالى - تحقيق الهدف المرجو من إنشائها وفق ضوابط ومنهجية سليمة. والقائمون على هذه الوزارة وعلى رأسهم معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ - وفقه الله - يدركون أهمية مشاركة بعض المؤهلات من النساء تأهيلا شرعيا للقيام بأعمال الدعوة الى الله والوعظ في المجتمعات النسائية في الداخل، وذلك لما تتسم به المرأة من كونها الأم والمربية والقائمة على النشء ولأهمية دورها وتأثيرها على بنات جنسها، وتوعيتهن وإرشادهن للتمسك بدينهن ومعرفة شرائعه وفروضه ولتهيئتهن لمواجهة التيارات المنحرفة والأفكار الضالة التي سببها الانفتاح على العالم بكل أشكاله. وفي مجتمعنا المسلم يتوافر الكثير من المؤهلات شرعيا للقيام بمهمة الدعوة الى الله تعالى، ولذا رأت الوزارة ضرورة تمكين النساء من القيام بواجب الدعوة والارشاد لبنات جنسها من خلال المحاضرات والندوات والدروس العلمية بجانب ما يقوم به الرجال من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ من جهود دعوية للرجال والنساء على السواء. وتشرف الوزارة على ما يتعلق بدعوة النساء سواء الطالبات والمعلمات في المدارس والكليات، أو النساء في المساجد والمجتمعات السكنية والدور الفكرية بحكم اختصاصها العام بالدعوة والارشاد ووضع ضوابط لهذا الأمر، وتكون مسؤولة عن كل ما يقام من محاضرات وندوات والاشراف عليها من ناحية اختيار المشاركين والمشاركات والموضوعات المطروحة فيها وتسجيلها ومعالجة ما قد يحدث من تجاوزات بالطريقة المناسبة وغير ذلك ما يتطلبه هذا النشاط الدعوي، على أن إذا كانت المحاضرة أو الندوة ستقام في جهة حكومية فتقوم الوزارة في سبيل أداء مهمتها بالتنسيق مع تلك الجهة. كما أن الوزارة تشرف على اختيار الموضوعات ذات العلاقة بالمرأة وما يصلح من شأنها من أمور العقيدة والعبادة والحقوق الزوجية وتربية الأولاد وغيرها من الموضوعات التي تهم المرأة المسلمة، ويكون الالقاء في المساجد والجمعيات الخيرية وما يشابهها وذلك في المكان المخصص للنساء إذا كانت المشاركات من النساء، أما إذا كان المشاركون من الرجال فيكتفي بمكبرات الصوت ويكون المشارك في المكان المخصص للرجال. وسوف تقوم الوزارة بتحديد واختيار بعض المساجد للقيام بالمناشط الدعوية النسائية وتقويم التجربة المذكورة بعد مضي فترة زمنية كافية واجراء ما يناسب من التعديلات بعد التنسيق مع الجهة المختصة. جهد بدني وعقلي وعاطفي أما الدكتور فهد بن عبدالرحمن اليحيى الأستاذ المساعد بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم بدأ كلامه بآيات من كتاب الله تعالى، أولها قوله سبحانه: {)قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) }. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، وعلى الداعية أن يدعو إلى الله حقاً دون أن يدعو لنفسه أو لحزبه أو لوطنه. الشرط الثاني في هذه الآية قوله سبحانه وتعالى: {عّلّى" بّصٌيرّةُ} أي على علمٍ وهدى فعلى الداعية أن يكون على علمٍ بما يدعو إليه، وليس له شرط لمن يدعو أن يكون عالماً قد بلغ درجة الاجتهاد أو الفتوى ولكن العلم المشترط هو علمه بما يدعو إليه واستعداده لما يترتب على الدعوة من سؤال أو إشكال، وعلى أقل الأحوال أن يكون لديه الوسيلة الصحيحة للوصول الى ما يرفع الاشكال، وتفصيل ذلك بحسب الأحوال وله مقام آخر، ومن (البصيرة) أيضا أن يكون الداعية على معرفة بمن يدعوهم فلا يأتيهم بما لا يناسبهم. الآية الثانية قوله تعالى: {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ وّالًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ} ففي هذه الآية أن من صفات الداعية أن يكون حكيماً والحكمة هي وضع الأمر في موضعه والحكمة إنما تؤخذ من الفقه العام بمقاصد الشرع، وليست الحكمة هي المقاييس العقلية المحضة حتى وإن كانت بمنأى عن النظر الشرعي. (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (1) قٍمً فّأّنذٌرً (2)وّرّبَّكّ فّكّبٌَرً (3)وّثٌيّابّكّ فّطّهٌَرً (4) وّالرٍَجًزّ فّاهًجٍرً (5) وّلا تّمًنٍن تّسًتّكًثٌرٍ}، ومن الصفات والشروط المستفادة من هذه الآيات ما يلي: 1- الدعوة تستلزم القيام بها والعزيمة الصادقة في نيلها فقوله {قم} أمر يفهم منه المبادرة والقوة و العزم والحزم. 2- وقوله {فأنذز} إشارة إلى هدف الدعوة وهو الانذار فإذا استشعر الداعية أنه منقذ لمن يدعوهم فإن ذلك سيحمله على الرفق بهم مع الحرص على استجابتهم والفرح بها. 3- وقوله تعالى {وربك فكبر} فيه أن الداعية كما هو الواجب على المسلم ان يكون الله عنده أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء فيتعلق به وحده ويعتني بهذه الجوانب أتم عناية وذلك يتجريد التعلق بربه وتفويضه والخوف من الله دون ما سواه فحينئذ لا يبالي الداعية بما قد يواجه في دعوته بل سيتلذذ بما يقاسيه في سبيل الله تعالى. 4- قوله تعالى {وثيابك فطهر} ذكر ابن جرير في تفسيرها معنيين وكلاهما مما لا غنى للداعية عنه فأما الأول وعليه أكثر السلف ما قال ابن جرير هو تطهير النفس من المعاصي ولا شك أن الداعية مأمور أخص من غيره باجتناب المعاصي بل المتشابه لأنه محل القوة وأعين الناس إليه ناظرة، وأما المعنى الثاني فهو تطهير الثياب من النجاسة والدنس وهذا أيضا يحتاجه الداعية بأن يكون ذا عناية بطهارة بدنه ونظافة ثيابه ويمكن أن يستفاد من هذه العناية المعتدلة بالمظهر. 5- قوله {والرجزفاهجر} في هذه الآية قراءتان احداهما بضم الراء أي الأصنام والقراءة الأخرى (الرجز) بكسر الراء أي العذاب أي اجتناب أسبابه، فالداعية مأمور بذلك على الوجهين مأمور باجتناب الأصنام والباطل وكل معبود من دون الله، ومن ذلك الهوى كما قال سبحانه: {(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ) فعلى الداعية أن يتجرد من هواه وأن يجاهد نفسه في ذلك. 6- قوله تعالى: {وّلا تّمًنٍن تّسًتّكًثٌرٍ} لها معنيان كلاهما مهم للداعية الأول: لا تطلب منة من أحد لتستكثر من المال ولا ريب أن الداعية أولى الناس بالاستغناء عما في أيديهم والترفع عن منتهم، فإن دعوته إنما تصفو بذلك وتصل إلى القلوب حين يخلو صاحبها من النظر لما في أيدي الناس. وأما المعنى الثاني فهو لا تمنّ على الله بعملك تستكثره، وما أعظم هذا المعنى وما أحوج الداعية إليه، فكلما احتقر المسلم عمله عند الله واستشعر تقصيره وان كان مجتهداً فذلك أقرب له من ربه وأجدر أن يكتب له القبول، قال تعالى: {وّالَّذٌينّ يٍؤًتٍونّ مّا آتّوًا وَّقٍلٍوبٍهٍمً وّجٌلّةِ} أي يعملون العمل وهم يخشون ألا يقبل منهم. وقوله تعالى: {وّلٌرّبٌَكّ فّاصًبٌرً} وما أجمل أن يختم هذه الصفات بصفة الصبر الذي هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما قال بعض السلف، والداعية من أحوج الناس إلى الصبر فهذا يصبر على العلم والتعلم ليكون سلاحا له دعوته ويصبر على التعليم والدعوة وما فيهما من جهد بدني وعقلي وعاطفي وما فيهما من بذل وقت وما فيها من ترك لما قد تحتاجه النفس أن تستروح له، ويصبر على ما يواجهه في الدعوة من الناس أو من تأخر استجابة أو عقبات قد تنشأ على أوجه مختلفة، ولكنه إذا صبر ظفر بخير الدنيا والآخرة: {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}.