عند افتراض المنافسة في خصائص المدن وملامحها الشكلية.. وتلك التي تعنى إيقاعات الحياة بها أو عادات سكانها فإن «جدة» تتفوق وتتميز بكثرة محلات الشيشة، ومشروعات الترفيه والمقاهي وهي «تعلن» وجودها السياحي بأدخنة التبغ.. تتكون سحب من الأدخنة الضارة بنكهات متنوعة تزكم الأنوف وتختلط بروائح الشواء وعطور السيدات.. ويسدل الليل طبقات من ستائر الرطوبة.. فيبقى لقطرات الندى في نهاية السهر بعض الوجود.. ** دخل رمضان المبارك ولا يختلف الحال بالإغراءات نفسها وهي تنافس الأطباق الرمضانية حيث يزداد الإقبال على ارتياد هذه المنتزهات من العائلات.. والمقاهي الخاصة بالشباب.. وغيرها المخصصة للنساء فقط ويظل شعارها جميعا شيشة المعسل العناية الخاصة في مقدمة قائمة الطلبات.. * «جدة» واحدة من المدن الحجازية التي ارتبط سكانها منذ عقود بتعاطي الشيشة بمكونات «الجراك».. وفي مركاز العمدة إلى عهد قريب كانت وجودا ينافس الصمت بقرقرتها في ليل مدينة تنام مبكرا داخل الأسوار.. رائحة الجراك تخترق مسام الرواشين الخشبية وتتسلل إلى داخل البيوت القريبة.. وفي شهر رمضان يطفأ الجمر عندما يرتفع صوت «المسحراتي» يقرع طبله تنبيها بموعد السحور.. * إيقاع الحياة المعاصرة ركن تلك الصور إلى الذاكرة البعيدة فانتشر تدخين السجائر كالنار في الهشيم وجاءت الشيشة بالمعسل، فكانت بديلا آخر،، ولم يقتصر ادمانها على الكبار فقط، فاستهوت النساء لتكون لها جلساتها الخاصة وطقوسها ونوعية نكهات تبغها.. مع الأسف الشديد. * والاعتقاد المستمر بأن «المعسل» بدون نيكوتين وأقل ضرراً كان واحدا من الأسباب في التنازل عن السيجارة من المراهقين لاكتشاف رائحة الدخان ومن المرأة لأسباب اجتماعية تجعلها في اختيار المعسل أكثر ارتياحا وهي تمارس بالتدخين احوال تمردها الكامنة وتشعر وهماً بالتخلص من أسباب قلقها النفسي.. * «الجزيرة» في هذا التحقيق تستعرض واقع الحال بمؤثراته السلبية في تكوين القدوة التي تتطبع بهذه الممارسات المعلنة بكل تساهل وشكل الاعتيادية.. وكما تتحدث الصور في تحديد المشهد للبعد النظري فهي محاولة الوصول إلى «ترويض» خلايا التفكير في الظاهرة التي توصلنا إلى تشخيصها من حيث الأسباب ومعرفة النتائج.. وتوقف أو امتناع الكثيرين عن البدء في المعالجة وأخذ الدواء.. * مناقشة القضية جمعت الكثير من الأطراف ذات العلاقة وبمشاركة المتخصصين في علم النفس والاجتماع والمتعاطين من كبار وصغار رجالا ونساء.. «باسكال» والمعسل نغم مشترك!! * في مقاهي الشيشة بالطرف الشمالي من جدة لا تكاد تتميز نشاطا كلاميا أو حوارات بين الجالسين في زاوية واحدة إلا نادرا.. فعل مشترك بالشهيق والزفير مختلطان بدخان الشيشة وإيقاعات الصوت «قهقهة» نغمية يتجاوب معها المكان وقد تغيب بارتفاع تعليق المذيع في لقاءات كرة القدم وتخفت عندما تغني «باسكال» أو «بنت خلف» و«أحلام» وهي حالة مزاج مشترك في أجهزة التلفزيون التي تتوزع الجلسات كما هو الحال مع تدخين المعسل.. * بعض الشباب الذين أمكن الحديث معهم يشتكون من الفراغ ولذلك يختارون هذه الأمكنة ولابد من تضييع الوقت حتى يأتي صديق وأكثر فإن أمكن اجتمع أربعة البلوت ولكن اغراء المعسل أقوى كما يقول «أحمد طالب» وفي رأيه ان «البلوت» يشغله عن متعة الكيف.. * مجموعة أخرى تتفق مع تفضيل التفرغ للشيشة والتنقل مشاهدة للفضائيات المتاحة.. «ماجد باوزير» يقول: إنه يواظب على الحضور مع زملائه إلى المقهى كل ليلة لأنه المكان الوحيد الذي يمكن التسلية فيه والالتقاء بالأصدقاء.. ويقول: إنه كان مدمن سجائر فوجدها مكلفة ماديا ومغرية بالتدخين اكثر، أما «المعسل» فهو أقل ضرراً كما يعتقد ولا يتاح في وقت خاصة في السيارة أو في الجامعة.. * «علي المقرن» 20 عاما قال: إنه تعلم الشيشة قبل شهور وبتشجيع من الأصدقاء بعد تعرضه لمشاكل عائلية جعلته مكتئباً وبتعاطي الشيشة كان الحال مختلفا بزعمه فأصبح يشعر بالارتياح.. ويفصح عن مشكلته مع والده الذي كان يمنعه من مرافقة الأصدقاء للمقاهي فيقول: إن والده يمارس تدخين الشيشة في المنزل كما يرتاد المقاهي من أجلها أيضاً.. * النقاش مع الشباب عن التدخين يفضي إلى تلك المعرفة بأضراره ولكنها بعيدة وبعضهم يشير إلى انها مرحلة مؤقتة مع التدخين لعدم الانشغال بعمل حاليا.. * بينهم من يلجأ للشيشة تحت تأثير متاعب الحياة نتيجة البطالة وصعوبة الحصول على وظائف فيكون الفراغ مصدر قلق مستمر ومشكلات نفسية والمجال هنا حيث التنفيس وتخفيف وطأة المعاناة بالشيشة والتدخين ولقاء الأصدقاء.. * وكانت هذه اللغة واضحة جدا في التوصل إلى علاقة نسبة عالية من الشباب بالشيشة.. والعامل المشترك بينهم هو الانفلات من متابعة الأسرة، مع تمكينهم من المصروف أحيانا والجوال والسيارة وتعاطي أولياء أمورهم للتدخين غالبا.. * الأستاذ خالد عبدالعزيز الحيد، رجل أعمال يشارك معترضا على الدور المباشر للقدوة في التأثير في أبناء مدخنين والامثلة من الواقع وفقا إلى رأيه آباء لا يمارسون هذه العادة، ويكبر أبناؤهم متعاطين لها وهي مسألة نسبية في وجود العوامل المؤدية للتدخين، وبالنظر إلى مدينة جدة فيها الكثير من أماكن الترفيه التي تجذب الشباب والمراهقين بتوفير الشيشة وهو الدور الأقوى في مجاراة الأصدقاء، إضافة إلى سهولة الحصول على التبغ بأنواعه بدون ضوابط خاصة في غياب اشراف الأبوين ومراقبة أبنائهم فمازال التدخين اعتقاداً لدى المراهقين بأنه من سمات الرجولة وهو اختلال في التوازن النفسي يحتاج للمتابعة الدقيقة.. الشيشة بنكهة نسائية * «والأم إذا أهملت: أنشأت جيلا سيئ الأخلاقِ» * هكذا تتغير المفاهيم في الزمن الجديد فالبعض من الأمهات بممارسة التدخين علانية يكن قدوة لا يختلف اثنان على تأثيرهن بالسلوكيات السلبية حتى على الأطفال الصغار حيث تغني الصور هنا عن الكلام، فالطفل ايضا يتقمص شخصية الكبار ويقابل تصرفاته هذه التسلية بالضحك والمرح.. والحقيقة انه يختزن الفعل وسوف يأتي للمستقبل ممارسا جديداً للتدخين وأشياء أخرى.. * «مها. ش» تقول: إنها دخلت عالم التدخين منذ سنتين وهي أم لثلاثة أطفال.. وبعد الطلاق ضاقت بها الحياة وأصابها الاكتئاب وفي زيارة الصديقات وزميلات عملها السابق وجدت نفسها معتادة على شيشة المعسل.. * «خالدة. ع» لها رأي آخر في المعسل وتصفه بالتبغ الخفيف المناسب للمرأة كما العطور، ويناسب أمزجة كثيرة أنثوية.. هي تفكر في رمضان بالتخفيف لأن الوقت لا يتسع للزيارات وفي البيت الاهتمام يتغير بعودة المرأة للمطبخ ولكن الاقلاع نهائيا فهو غير ممكن والسبب الاعتياد وتأثيره القوي.. * «عبير. أ» تقول : إن «سهرة المعسل» تحلى أكثر في ليالي رمضان ولكن قصر الوقت يجعلنا نمارس تدخينها على انفراد في المنزل.. عبير ترفض كونها ادمانا فتقول: إنه نوع من السلوكيات التي يعتادها الإنسان إضافة إلى انها نوع من التنفيس الذي يريح الأعصاب ويخفف من الاحساس بالتوتر والضجر.. القبول بالأمر الواقع * للقدوة ذلك التأثير الذي ينطبع في ذاكرة الصغار فتأتي السلوكيات طبيعية فيما يبدو ويحدث ذلك سلباً مع التدخين.. الدكتور بكر باقادر أستاذ علم الاجتماع يستعرض جوانب المشكلة فيقول: * ينبغي علينا بداية وقفة ملاحظة لما يحدث من انتشار وزيادة الإقبال على التدخين وانتشار ظاهرة تعاطي الشيشة بين الكبار نساء ورجالاً والصغار من المراهقين.. الواضح مع الأسف الشديد عدم وجود مقاومة تذكر.. وإذا نظرنا إلى الواقع في مجالس النساء أو ممارسة هذه العادة من الكبار فإن أبسط الأمور هو المعرفة بوجود التساهل وغير المبالاة بما هو قادم أي تقمص الأبناء للدور نفسه!! ونظراً لتأثير قدوة كهذه فمن الطبيعي ان يكبر الصغار متطبعين بمن حولهم إلى حين مرحلة المراهقة فتقوى لديهم شهوة المغامرة التي تعمد التجريب والانقياد في التجربة تقليدا إلى التعود والادمان.. إضافة لانعكاسات القدوة هناك الإعلانات والدعاية المباشرة وغير المباشرة ثم الاسعار المنخفضة والاباحية في تعاطي التدخين حتى لم يعد من الممارسات المستنكرة وذلك ما يتاح في الأماكن العامة والمنتزهات ومقاهي الشيشة وفي البيوت أيضاً فالأبناء يكبرون ويستقلون في مرحلة المراهقة بغرف خاصة فيها شيشة المعسل مثلا ولقاء الأصدقاء أو الخروج بها إلى المقاهي وأرصفة الليل والسهر.. وبدون مبالغة فكأنه من التصرفات الطبيعية خاصة إذا خرجت رائحة المعسل من مجلس الأم التي جمعت زميلاتها في العمل وصديقاتها لهذا الغرض فيصبح الموضوع اكثر من عاد للأبناء!! انتشار الظاهرة وكما هي مسؤولية جماعية في المكافحة والحرب ضد التدخين لا تواجه بما تستحق إذا تحدثنا بصدق وشفافية عن الحقيقة التي ترسم المشهد السلوكي للمجتمع.. فهذا الذي يدخن لا يوجد من يشعره بالخطأ، ومن جانبه لا يقبل تدخل الآخرين فالتدخين من الحريات الخاصة حسب اعتقاده.. كل ذلك يعني التخلص عن الأدوار التي تعمل على تضييق الخناق على الممارسة العلنية في الأماكن العامة وبشيء من نقل الشعور بالضيق من وجود ممارس للتدخين، وطالما ان ذلك غائب ولا يحدث فإن تغيير هذه السلوكيات يعتبر من الأمور الصعبة.. ولنعلم بأننا اخترنا أضعف أسباب محاربة هذه الظاهرة.. بل ورضينا بانتشارها وتوقع زيادة المتعاطين وذلك بعدم الاستنكار أو اظهار عدم الرضا لمن يمارسها بكل هذه الأشكال السافرة علانية وفي الوقت الذي وان كنا كمجتمع نعرف اخطارها ومفاسدها: فلم نعلن أبسط الاحتجاج فكان التغاضي وهي الكارثة في متابعة الأبناء من المنزل والمدرسة والمجتمع.. نعلم.. ومازلنا ايضا مع أقوى المؤثرات وهي الإعلانات الترويجية نقف مكتوفي الأيدي وان كان الأجدى «مكافحة» مواجهتها بنفس المستوى الدعائي الذي قد ينجح في بعض الانقاذ والتدرج في حرب المقاومة.. ارتياح نفسي للتقمص والتقليد * ويأخذ التقليد مداه ونحن نشاهد الصغار يتكاثرون في مقاهي المعسل ويستغلون الفرص في المنزل لوجود آباء وأمهات مدخنين.. التعليق على ذلك من وجهة نظر الدكتور خالد النجار استشاري الأمراض النفسية والأعصاب: تحذير من خطورة ذلك فيقول في مداخلته: * إن الطفل في مرحلة سنية معينة يمر بتطور سيكولوجي وهو الذي تتكون من خلاله طبيعة النمو السلوكي والنفسي في اتجاهات مختلفة وهو في هذه المرحلة العمرية المبكرة لديه قابلية متناهية للتقليد.. وبالمتابعة المشاهدة لتصرفاته نستطيع بكل سهولة اكتشاف ذلك الذي يعرفه الجميع فيسمى بالتقمص تقليدا للشخصية التي تمثل القدوة كمثل أعلى في حياته أو من يتعلق بهم ويعيش معهم من الأب والأم والإخوة والاخوات.. والوالد للطفل قبل المدرسة هو القدوة فجميع ما يقوم به من تصرفات وسلوكيات تكون مجال الاقتباس ويطغى هذا التقليد على محاولات الصغير التفكير الذاتي والتجارب وبمرور الوقت وتكرار التقليد والتقمص الذي يلقى ارتياحا نفسيا بطبيعة الحال باعتبار الأب قدوة فإن الطفل ينشأ محبا لما يقوم به فتصبح تصرفاته بعد ان كانت تقليدا شكليا: سلوكيات تبعث في نفسه الارتياح لها ويمارسها بمتعة.. هذا ينطبق على التدخين للسجائر أو الشيشة وهي سلوكيات مؤذية وضارة بينما في قناعته يرفض الاقلاع عنها لأن الوعي في هذه الحالات شبه متوقف تجاه تغيير ما اكتسبه في الصغر لأنها ترسخت لديه واعتادها مرحليا منذ ان كان يسمح له بها.. كل ما سبق يدعو إلى الالتفات طبعا إلى المشكلة من أساسها.. أي عودة الآباء والأمهات إلى وعي واحساس بالمسؤولية من خلال قدوة لا تؤثر بالسلبيات.. لماذا تلجأ المرأة للمعسل؟! * الإقبال النسائي على تدخين المعسل له أسباب كثيرة ومنها النفسية.. ما الذي تقوله الأستاذة الدكتورة منى الصواف استشارية الأمراض النفسية والعصبية حول ذلك؟ * تقول: إن الهروب من السجائر إلى المعسل لأنه لا يحتوي على النيكوتين: هو اعتقاد خاطئ تماما.. وهذا جانب من المشكلة.. أما بالنسبة لتدخين المعسل في مدن مثل جدة وهي الظاهرة المنتشرة، فذلك يرجع إلى توفر أماكن عامة للترفيه تقدم الشيشة للمرأة بشكل اعتيادي.. وان كان الانتشار موجوداًً في مدن أخرى داخل البيوت وأيضاً في جدة بما يسمى «قعدة الشيشة»!! * فلماذا تلجأ المرأة للتدخين وبالذات لشيشة المعسل وقد تحرص كثيرات على ذلك في الأماكن العامة المرتادة من العائلات أو المخصصة للنساء؟! * بشكل تفصيلي حول الدوافع تقول الدكتورة منى الصواف: إن ذلك يأتي بوجود عدة اسباب سيكولوجية.. أولاً: اعتقادا منها بأن هذا دليل على المكانة الاجتماعية لإحساسها بوجود عقدة نقص معينة تشعر انها تدخن حتى تظهر او يقال: إنها من طبقة اجتماعية راقية.. وهو اعتقاد خاطئ ولكنه لدى كثيرات من ضعاف الشخصية يكون مؤثرا.. ثانياً: رغبة في التحدي.. نحن نعرف بأن التدخين بكل أنواعه غير مقبول من الرجال فكيف والمرأة تدخن؟ وهنا اللجوء منها إلى نوع من التحدي للعادات الاجتماعية.. ثالثاً: نوع من التمرد وإعلان الرفض بطريقة عملية.. والمثال هنا انها عندما تتعرض لمشكلة او تعاني نفسيا لأي سبب فإنها بطريقة قد تكون لا شعورية تلجأ لهذا المتاح المباح التدخين للانتقام من ضغوط مشكلاتها وغالبا الأسرية فتشعر بهذا السلوك السلبي بأنها حققت الهدف بالانتصار وتحاول إقناع نفسها بالخروج إلى الحل الذي يشبع لديها الغرور بالتمرد.. وهذه الحالة ايضا مظهرية لتكون في محور القيل والقال مجتمعيا في الأماكن العامة بأنها قوية الشخصية بينما واقعها البيتي بالعكس.. رابعا: التشجيع الجماعي من البنات في سن المراهقة والمرحلة الجامعية وبين السيدات وهو عامل قوي في زيادة انتشار تدخين المعسل فمن النادر ان تجد واحدة «تعسل» وهي وحدها.. خامسا: هنا المشكلة الكبرى والعتب على وسائل الاتصال المختلفة.. طبعا الخارجية التي يتجه إليها تجار التبغ لترويج بضاعتهم ومع المعسل شأن آخر فهذا بالتفاح الفرنسي النادر وبالعنب وغيرها من الفواكه، وهذا معسل خاص بالسيدة الانيقة مع العناية الفائقة في الاهتمام بالتأثير تشجيعا للاقبال وبذلك يحدث الانجراف وراء الإعلانات قد يكون للتجربة بداية فالمرأة ضعيفة أمام الإعلانات، بل والإنسان عموما من صغار وكبار، وهذه حقيقة مؤكدة لأن الإعلانات لم تعد عشوائية بقدر ما هي مدروسة ومصممة بعناية فائقة ومحددة الأهداف فتعرف القدرة على اختراق عقلية المتلقي وتصل إليه بنسبة كبيرة من النجاح وفي مجال التدخين نحن نعرف ما تخصصه شركات التبغ في جانب الدعاية والإعلان.. والنتائج واضحة فلا تقبل الجدل فلدينا على سبيل المثال ستة ملايين متعاط أو مدمن للتدخين من البالغين واحتمال الزيادة وارد لأنهم قدوة والانتشار ملحوظ حيث اتحنا أمام الصغار المجال للتقمص والاقتداء في سلوكيات كهذه ومن الطبيعي انها تستمر معهم بعد ذلك بالادمان.. أسباب أخرى في الإقبال النسائي على تدخين المعسل هو ما انطبع في الذهن بأن «الجراك» رجولي وهي خدعة فجميع انواع التبغ تحتوي بالضرورة على نفس المواد الكيماوية الضارة والاختلاف في النكهات فقط.. * فما هو تأثير تعاطي «المعسل» على المرأة بشكل خاص؟ د. منى: * هذا يخلق فيها عادة التمرد والهروب من مواجهة وحل المشكلات، إلى ممارسة وسائل سلبية عموما كما هو في الظاهرة التي نتحدث عنها.. تواصل الدكتورة منى الصواف فتقول: الذي يحدث مثلا ان الكثير من النساء المتزوجات ونتيجة خلافات عائلية أو احتجاج على الازواج يكون لديهن التفكير «بجلسة المعسل» وهذا ضمن الايحاء بالتنفيس والتخفيف من التذمر وللأسف، فإن هذا السلوك يأخذ شكل الاعتيادية حاليا وينظر إليه بدون احتجاج.. طبعا وسط البيوت حيث الاطفال وما ينتج في التوقعات من قدوة وأضرار صحية في المقام الأول للجميع.. وهذا هو الواقع الذي نعيشه فعلا فيجب المصارحة بوجوده حتى نستطيع ايجاد ما يمكن من معالجة للتخلص منه تدريجيا.. * أضرار التدخين معروفة ولكن مع امرأة المعسل هل تكون هذه الأضرار مختلفة؟ ما هو رأي الدكتورة منى في ذلك؟ * بكل تأكيد.. فتدخين المعسل يسبب الشيخوخة المبكرة للمرأة، وهذه النتيجة تستند إلى الحقائق العلمية وان كان الكثيرون لا يعرفونها.. فتظهر علامات الشيخوخة «التجاعيد» على الوجه بشكل سريع كما يحدث مع المتعاطيات لشيشة المعسل بالسهر معها والادمان عليها.. إذا أول سبب في ظهور علامات الشيخوخة المبكرة هو طبيعة الحياة لشريحة من البنات او السيدات في تعود «سهرة المعسل» كما يشاع في المجتمع النسائي.. ثم التأثير المباشر للدخان على تكوين الجلد الخارجي للمرأة.. إضافة إلى نقص معدل الخصوبة لديها.. وجانب آخر يحتاج إلى عودتها للتفكير بعقلانية، وذلك في اضعاف مباشر لقدراتها في الوصول لنشوة العلاقة الجسدية مع الزوج ويؤثر المعسل بشكل خاص في تناقص هذه القدرة والرغبة على الرغم من أهميتها بدوافع الغريزة الفطرية وبالتالي تضطرب العلاقات الحميمة بينها وبين الزوج.. وثبت إحصائيا ان الأمراض المبكرة اخطر مقارنة بالرجل.. هكذا يبدأ التعوّد * فهل تنشأ عملية تعاطي التدخين منذ الصغر وفي مراحل الطفولة حين يكون الوالدان القدوة.. وماذا عن الانشغال الذي صرف الكبار عن المسؤولية، هنالك أسباب دون شك يتحدث عن ذلك الدكتور حسام كحلة الاختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية.. * من الطبيعي ان ننظر إلى هذه المشاهد المصورة التي تمثل واقع الظاهرة ونخرج بانطباع كونها تقليدا وقد يغفل الأبوان وهو ما يحدث عن المتابعة وكذلك القيام بتصرفات غير مدركة لما سيحدث حيث تنطبع في ذاكرة الصغار وتكتسب ضمن سلوكيات الأخذ من القدوة وتطبيق ما يحدث أمامهم.. يجب ان نطرح التساؤل هنا أولا عن كيفية تعلم الطفل للكلام والأكل والشرب وغير ذلك طبعا الاجابة معروفة فهو أشبه بالتعليم الذي يأتي بالقدوة كذلك الأمر في استمرار مرحلة التقليد، فالطفل يلاحظ كل ما حوله.. يشاهد والده يقود السيارة ويجلس في مقعده ويلعب في المنزل بسيارة يتخيل نفسه يقودها وتستمر المحاكاة للواقع.. يكبر الصغير وهو متشبع بكيفية التصرفات وله من السلوكيات ما اصبح قناعات لديه يصعب تغييرها.. التدخين واحد من السلوكيات الخاطئة كمثال فلا يجد حرجا في قرارة نفسه من الممارسة حتى يصل الادمان.. وإذا أردنا معرفة انتشار سلوكيات من هذا النوع نستطيع ارجاع ذلك إلى غياب القدوة الصالحة أو بالأحرى هو التخلي عن مسؤوليات التربية.. أيضاً فنحن في عصر الوفرة الذي يجعل الإنسان يتذمر بسرعة ويشعر بالملل دائماً فيشعر بالرغبة في عمل أي شيء وتجريب كل ما هو متاح يبحث عن المتعة بالتدخين للسجائر شيشة رعونة قيادة السيارات انترنت للترفيه والممنوع لأن التنشئة افتقدت التحصين بالوازع الديني والأخلاق السوية.. سهولة الإقلاع عن التدخين * عودة إلى شكل آخر للمعالجة، فكانت المفاجأة الأخرى من خلال الدكتور حسام كحلة في عدم صعوبة التخلص من التدخين ويخالف ذلك من يعتقد التبغ مشابه للهرويين.. * يؤكد في ذلك بان الاختلاف هو ان الهرويين أقوى بكثير وان كان تدخين السجائر هو البداية أو الطريق الممكن المتوقع للمخدرات.. أما مع التدخين للتبغ فليس صعبا على الاطلاق.. وتوجد استثناءات إذا وجدت لدى الشخص المبررات القوية للتدخين.. كذلك فالتدخين عادة وليس ادمانا حتى وان أخذنا بالفرضية تلك التي تبالغ في اعتياده لوجود مادة النيكوتين في الدم، وكل هذه الحالات عند وجود رغبة قوية ومتى ما وصل المدخن إلى الاحتمالات المتوقعة من أمراض السرطان وغيره فإنه قادر على التوقف بدون مشكلات نهائيا.. اعطيك مثالا على ذلك فعندما يصاب الإنسان بانفلونزا حادة أو أعراض كحة وأعراض طارئة في القلب أو الصدر فإن شيئاً كالضمير يستيقظ لديه ويلعن التدخين ويلومه.. يشعر بالخوف من نتائج المرض وأهمية الصحة وكثيرا ما يحدث ذلك وإذا تذكر المدخن مروره بتلك الحالات التي استغرقت أياما بدون تدخين طبعا فهو يتأكد بوجود القدرة على تركه والاقلاع عنه.. الذي يحدث بالعودة هو نسيان تلك التجربة نتيجة الرجوع إلى منغصات الحياة وتوتراتها وان كان العامل الأقوى هو وجوده في وسط أشخاص مدخنين.. وبالتالي فهي عادة يلتزم بها الإنسان في شعوره بالاحتياج لها، ولكن عندما تتضاعف عملية الاحساس والوصول إلى القناعة بأضرارها يستطيع ان يقلع عنها.. ويكفينا الدرس مع الصيام فالإنسان يتوقف طوال النهار طواعية فكيف استطاع إذاً ان يتركه لساعات ونرجو ان نركز إعلاميا على هذه النقطة.. المجاملة بداية الإدمان * وما الذي يراه الدكتور باقادر في دور الاختلاط بالمدخنين والمجاراة من الآخرين لهم.. * دور المجاملة من الأسباب القوية في انتشار عادة أو مرض التدخين كما يقول الدكتور بكر باقادر.. ويضيف تفاصيل أخرى فيقول: التدخين يأتي ضمن نطاق المجاملات الاجتماعية والمثال في لقاءات الأصدقاء للعب «البلوت» أو اختيار مواعيد الاجتماع في مقاهي الشيشة وما أكثرها في جدة أو في غيرها وهي التي تزدحم عادة بالأصدقاء فإن كان أحدهم لا يدخن يلقى عليه السؤال الاعتيادي: هل يضايقك ان ادخن؟! الإجابة معروفة بلا.. أي الموافقة وان كانت على مضض.. فهذا فرط المجاملة احساسا في الرغبة بعدم تعكير صفو الجلسة وأيضاً هو نفاق اجتماعي يتعامل مع الظاهرة بسلبية.. فأنت تقبل تحت الأمر الواقع حتى لا تكون طائرا خارج السرب مع يقينك بأنه تحليق في ادخنة مسمومة!! ونحن أمام صورة كهذه نتساءل عن الإمكانية في تغيير الناس لبعض عاداتهم ولابد من التركيز على أهمية دور الإعلام المبدع الذي يوازي دعاية شركات التبغ فلا يكفي ان نعمل احتفالات مناسباتية للتوعية العابرة مثل اسبوع المرور والنظافة وغيره.. ومع دخول شهر رمضان المبارك يجب ان نستفيد من العبرة من الصيام وكيف يتوقف الإنسان عن التدخين طيلة نهار صومه وهذا دور مناسب والاستمرار صفة مطلوبة دائماً في المدارس كذلك توجيه رسائل التوعية لمن يمثلون القدوة من آباء وأمهات فلم ينجح أحد في دروس الموعظة والعقاب التي تقول لا تدخن لأن من يقومون بها لا يتورعون عن هذا الشيء.. وللأسف الشديد فإن التدخين انتشر في أوساط النساء وأصبح للمعسل وجود كالادمان.. وعلى الرغم من بدايتها كظاهرة إلا ان المرأة تحاول التحدي كما يبدو لتكسب الجولة وللأسف بممارسة أشياء ضارة!! وقد يرى البعض ان النسبة قليلة ولكن نقول لمن يدعي ذلك بأن بداية التدخين هي الشرارة الأولى لا تلبث على ان تلهب الصدور الناعمة بالتعود والادمان والمرض.