وترجل زكي بن أحمد عطية عن مقعده في العمل بعد عمر مديد حافل بالعطاء.. ترجل «العم زكي»، كما كان يحلو لمعالي الشيخ حسين منصوري - غفر الله له - وزير المواصلات في احد عهود الوزارة الزاهرة ان يناديه بقوله «فينك يا عم زكي» - اقول - ترجل العم زكي، عن مقعده في وزارة النقل، ولكنه لم ولن يترجل عن صهوة العطاء، ولن يرحل من قلوبنا التي أحبته بصدق وعمق. انه الرجل الذي اذا جالسته آنست بحديثه الهادىء الهادف. انه معلم، بل هو شيخ المعلمين في هذه الوزارة العريقة. كان رئيسي في العمل عندما كان يشغل وظيفة «وكيل الوزارة المساعد للشؤون الادارية» قبل ان ينتقل ليصبح «مشرفا عاما على مكتب معالي الوزير» د. ناصر بن محمد السلوم، لقد كان موسوعة في علمه، وثقافته، وقدرته الادارية البارعة كان يزجي النصيحة والتوجيه بأدب جم، في الوقت المناسب حتى لا يجرح شعور المنصوحين. لم اره غاضبا الا في القليل النادر، وفي أمر يستوجب الغضب فعلا، لكنه لا يتخذ اي قرار في هذه الحال. لا اذكر انه فاه بلفظة لا تليق بمكانته ووظيفته، وطيلة عملي معه لم يذكر انسانا قط بما يكره، بل كان يحاول ان يلتمس الاعذار للآخرين، ويحاول تقريب وجهات النظر ما امكن، وقد افلح في ذلك في معظم المواقف الصعبة، لقد كان «العم زكي» ابا للصغير واخا للكبير. لم يكن يحب المصادمات والمواجهات العنيفة، لا من ضعف فيه، بل لحكمة تعلمتها منه، وهي الهدوء وضبط النفس، ومحاولة تهدئة الموقف. وبعدها يبدأ بمناقشة موضوع الخلاف جملة جملة، وكلمة كلمة، وكان في غالب الأحيان - إن لم يكن كلها - يعيد المياه إلى مجاريها. لن ننسى - يا أبا وليد - تلك الأيام الرائعة التي عشناها سويا، لقد كانت اياما ملأى بالحيوية والنشاط والانتاج والتحدي. لم نكن نهدأ من عمل الا وندخل في عمل آخر اكثر تحديا واشد جهدا، فوكيلنا ناصر السلوم - قبل ان يصبح وزيرا - لا يستقر ولا يهدأ، وان هدأ فاعلم ان العاصفة قادمة لكن العم زكي كان الجبل الذي يتحمل مرور العاصفة، والبحر الذي تغرق فيه الصخور الصم الصلاب. أسأل الله ان يوفقه في حياته القادمة، وان يبارك في عمره، ويمتعه بالصحة والعافية. وحسبي من هذه الكلمة الصدق والحب، وان لم ابلغ بها لا مقامه في نفسي ولا مقامه في نفسه.