قلت لها وأنا أهم بمراقبة أنبوب الغذاء الذي يخترق جسدها الطاهر.. «إن لون هذا السائل الذي يرمق عروق يدك النحيلة.. يذكرني بالهلال»!! - قالت لي بصوت يعتمره الهدوء: ومن هو الهلال؟ - قلت لها وأنا أحاول أن اصطنع هدوءها الجميل: إنه رجل ضخم الجثة.. مليء البنية.. رفيع القامة.. عريض المنكبين.. هامته عنان السماء.. وقدماه أوتاد الأرض.. - قاطعتني قائلة: لكني لم أسمع به قط؟! - قلت: إن كتب التاريخ كثيرة الحديث عنه وعن صنيعه الذي يحفره على أسطح من ذهب!؟ انه يعشق الذهب ويسلبه كما يُسلب الكحل من العين..!! فاحذري ان يجدك هذا الهاروت الأزرق أو ان يرى ما تلبسينه من حلي تزين معصمك!؟ - قالت: إنني أخفيه بين اذرعي. - قلت: لكنه يدع فريسته تصفق له ثم يبدأ بالكر والفر!! - قالت: لكني لن أصفق له أبدا.. - قلت: إنك ستصفقين دون ان تشعري به فهو مذهل حد الخرافة. - عندها بزغت عيناها الغائرتان.. الجميلتان.. الصادقتان محدقتان إليّ بذهول وهي تقول: أهو من الإنس أم الجن؟! - قلت لها وقد اعتمرتني ابتسامة (زرقاء): أظنهم نعتوه ذات يوم (بجن الملاعب)!! - عندها تبسمت ابتسامتها الحنونة وهي تقول (أصلحك الله يابني)!؟ - أمي تظن أنني أمازحها في رحلة علاجها ولا تعلم ان في الهلال حبا وعطاء ورجالا وأشياء أخرى كثيرة.. لن تبقى لولا وجود من هم أعلى هيبة وشأنا وقدرة.... - لكن الهلال اليوم بدأ يسلك طريقا بعيدة... - طريقا قصية.. تتجه به إلى مكان خلي.. مقفر.. يدعى بلاد الانكسار والنسيان!!. - وفي بلاد الانكسار والنسيان تتلاشى الاشياء تدريجيا فلا نجد إلا آثار أقدامه التي كان يتمخطر بها الهلال في بلد الزهور والجمال!؟ - لقد حل الضباب سريعا على الفرقاطة الزرقاء وبات يعتم على كل الصور الجميلة المزهرة!! - أجل لقد تلاشى كل شيء ولم يبق في الهلال إلا الحديث والحديث عن اطلال المعسكر الصدفة!! (2) - ان في الهلال أمورا كثيرة تجعل الحليم حيرانا لعل أهمها عدم ظهور الأزمة المالية الزرقاء إلا بعد ان انتهى العد التنازلي وابتدأ الركض والركض إلى حيث الظفر بالكأس!؟ وكأن الهلال اعتاد على سيناريو الموسم المنصرم الذي يفقد فيه ذاته وعندما يكون (الرمق الأخير) لايستطيع الوصول إلى خط النهاية الحقيقي!؟ مكتفيا بقص شريط النهاية الوهمية!! - تجدهم يخوضون في أعذار واهية.. ولسنا والله بمصدقيها!! - تجدهم يئنون بألم الإصابات المفاجئة.. ولسنا اليوم بعاذريهم!! - تجدهم يتخذون قرار التغيير المفاجئ دون توقيت مناسب أو مبالاة بمشاعر جماهيرهم.. ومالنا بد من الحديث والحديث المكتظ بالصخب حتى (تضمحل الضبابة) و(تكشح الأنوار) و(تظهر سحنة البطل)!! (3) موسم فقدناه وثلاثي الكشاف يطوف المدن عاصمة تلو عاصمة.. مدينة تلو مدينة.. حضارة تلو حضارة... سمسار تلو سمسار.. حتى تهديهم خبرتهم إلى لاعب لفظته أنفاس (خليجية) بإصابة مزمنة!! تجد الآخرين لايمدون الليالي الطوال من أجل نجم ضال أو موهبة مستوردة فقط كل ما هناك هو سؤال لايكلفهم أكثر من اخراج للهواء البارد وتحريك اللسان الجامد ليقع الاختيار على أحد نجوم الكرة الذين يسيرون من ورائه للمزيد من التوهج والابداع صارخين في وجوهنا!! هل سيكون للعبة أي إثارة دون مغامرة!؟ - سألت صديقي الذي يقطن السفارة إياها.. هل سبق ان تعاملت مع سماسرة الاحتراف؟ - قال لي سأخبرك قصة غريبة ومضحكة في آن واحد كوني لا أفقه في الكرة مقدار انملة!! - ذات يوم سألني أحد أصدقاء الطفولة الذي هام حبا بفريقه عن لاعب شهير لايقهر ولا يغلب في بلدي الذي أقطنه.. وعندما (حدد) خانته ذهبت لأسأل بعض زملائي (الغربيين) عما يريد وعندما أرشدوني.. أبلغته أن النجم (الفلاني) يكتسح كل الأضواء في قريته التي يسكنها. - عندها افترقنا قرابة الشهر بعد ذلك علمت ان النجم إياه قد وقع لفريقه المحبوب، فضحكت كما لم أضحك من قبل ذلك لاعتقاد البعض ان في الحصول على اللاعب النجم الكثير من الوقت والجهد والعمل الذي يبذله الكشاف وأي كشاف هذا الذي يمتطي صهوة الأمنيات!!... ثم اردف قائلا ان ذلك كل ذلك يحدث لبعض انديتنا التي تتجاهل الكل.. وتهتم بالبعض!! - انتهى حديثه وابتدأ سمعنا ورؤانا لكل ذلك دون ان ندري لماذا يصر الهلال على ارتداء الأيام البيضاء متبطناً بالليالي السوداء؟! ألأنه أعمى بين مبصرين..!! أم أنه مبصر بين عميان!؟ - إن هذه الحالة تسير بالهلال إلى واد سحيق من الوحدة والتشويش، التشويش الذي يبدأ بالشك.. وينتهي بالتمرد!! - إنه موكب الهلال الذي يسير.. ويسير أبداً إلى الأمام ولن نستطيع ان نوقفه أو نمنعه أبداً... لكننا قادرون على إيقاظه بفكرة.. أو لفت انتباهه بتعلم جديد وليته يسمعنا حتى يكف.. ويكف عن العبث في الوقت الأصلي... «المربي... ينتظر دعاءكم»!! - السيارة تتهادى على الأزفلت الحارق!! - صوت المذياع ينادي في الملأ بنداء الحق!: - المصعد يتأرجح بنا إلى حيث غرفته الباردة!!.. والمسير يمتد بنا دهراً من الزمن الصامت!! - دلفت الباب فوقعت عيناي على سحنته المتورمة، قبلته ثم قلت له (لا رأيت مكروهاً يا عماه).. فإذا بصوته يختفي تدريجيا وإذا بوجهه يزداد شحوباً... جلست بقربه وأنا أرى الحزن يكسو المكان وصوت نجله الأصغر ينادي في الملأ قائلاً: (ادعوا له فإنه الشيخ الذي لم يحرمكم سيرته التي امتدت إلى نصف قرن من العلم والكفاح والمعرفة)... عندها رأيت دعاء الحاضرين له وأدركت أنه قد (آن لأبي حنيفة ان يمد رجليه الآن)!! - أجل ان المربي (عثمان الصالح) بحاجة إلى دعائكم اليوم وبحاجة أكثر للأيادي المتضرعة لله بأن يبقيه رمزاً لوطنه ولأمته ولعلمه الذي أعطاه كل ما يملك. - إن (عثمان الصالح) أب وأخ وابن لكم فلا تحرموه الدعاء. - اللهم اشف عثمان الصالح وألبسه الصحة والعافية وأبقه نبراسا للعلم والمعرفة انك سميع مجيب الدعاء. [email protected]