هل ينهي رئيس وزراء اسرائيل ايهودا باراك مأساة لبنان في يوليو كما وعد إبَّان حملته الانتخابية,, وما مغزى مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي بالاجماع الاثنين الماضي على الموعد الذي حدده باراك لسحب القوات الإسرائيلية من جنوبلبنان الامر الذي اصبح معه موعد يوليو موعداً رسمياً ونهائيا للانسحاب من لبنان وفق القواعد السياسية في اسرائيل؟ الإجابة على هذين السؤالين فيها صعوبة للوهلة الاولى ولكن من خلال قراءة توقيت القرار الإسرائيلي وربطه ببعض الاحداث العربية وتصريحات بعض المسئولين الإسرائيليين يمكن الوصول إلى صيغة مقبولة لفهم معنى توقيت القرار الإسرائيلي. فهناك من المراقبين من يرى ان القرار الإسرائيلي محاولة لتجاوز اجتماع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الذي سيعقد يومي 11 و12 مارس الجاري في بيروت والتقليل من أهمية الموضوع الاساسي للاجتماع وهو العدوان الإسرائيلي على لبنان لينصب وزراء الخارجية الى مناقشة قرار الحكومة الاسرائيلية الانسحاب من لبنان. فريق آخر من المراقبين يرى ان الحكومة الإسرائيلية هدفت من القرار إلى اضعاف موقف سوريا في مواجهة إسرائيل فيما يخص قوة النفوذ لأنها ترى ان انسحاب قواتها من جنوبلبنان سيفقد سوريا ورقة ضغط في يدها تتمثل في مقاومة حزب الله للقوات الإسرائيلية. وكان باراك قد اشار في مقابلة تلفزيونية بعد قليل من قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي الى ان القوات الاسرائيلية ستنسحب من لبنان سواء تم التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا او لم يتم ذلك. وحذر ايتامار رابينو فيتش كبير المفاوضين الاسرائيليين في الجولة الاولى من المفاوضات مع سوريا والتي تجمدت في عام 1996 من انه على عكس المأمول فان الانسحاب احادي الجانب قد يقود الى حمام دم. واوضح سيحدث تصعيد خطير على الحدود اللبنانية, ستزيد على الارجح امكانية نشوب نزاع مباشر بين اسرائيل وسوريا, ستكون لعبة جديدة تماما . واضاف انه لو ارادت اسرائيل ان تضمن انسحابا منظما من جنوبلبنان فعليها ان تتوصل الى سلام مع سوريا بحلول اواخر مايو/ ايار لكي تستطيع الوفاء بموعد يوليو. وقال المحلل الاسرائيلي باري روبن ان الانسحاب من لبنان مخاطرة سياسية كبرى بالنسبة لباراك. واضاف اذا انسحب وبقيت الحدود هادئة فسيكون ذلك نجاحا سياسيا كبيرا لباراك ولكن اذا انسحب ووقعت هجمات عبر الحدود من جانب لبنانيين او فلسطينيين فان الامر سيكون سيئا للغاية . واضاف ان الانسحاب احادي الجانب يمكن ان يكون كذلك مساحة للمناورات بالنسبة لاسرائيلي في مفاوضاتها مع دمشق. وقال من المفارقات الغريبة ان الانسحاب من جانب واحد هزيمة لسوريا ونصر لاسرائيل بالرغم من ان الامر في الظاهر ينبغي ان يكون عكس ذلك تماما . سوريا كانت اكثر وعيا وفهما للقرار الاسرائيلي وقطعت التخمينات حول انعكاس القرار على موقف سوريا في المفاوضات مع اسرائيل,, فجاء البيان الذي صدر عن القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة في سوريا الذي رحبت فيه بانسحاب إسرائيلي كامل وغير مشروط من لبنان,, هذا البيان قطع دابر التكهنات البعيدة عن الواقع وليضع القرار الإسرائيلي في المحك الحقيقي حول نية باراك الانسحاب فعلا الى وراء الحدود الدولية المعترف بها دون قيد او شرط,, حيث قال البيان السوري إنه اذا كانت اسرائيل تزمع بالفعل الانسحاب التام غير المشروط من جنوبلبنان الى ما وراء الحدود المعترف بها دولياً تنفيذا للقرار الدولي 425 فإن شعبنا في كل من سورياولبنان سيكون سعيدا جدا لتحرير جنوبلبنان . ويرى المحللون أن رد الفعل السوري هذا إحراج لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهودا باراك ومدى التزامه بتنفيذ وعده مع الالتزام بعدم تغيير خارطة لبنان كما تردد منذ بضعة اشهر من ان هناك نوايا إسرائيلية إلى تغيير الحدود الدولية للبنان مع اسرائيل في حال سحب قواتها من لبنان. الإسرائيليون كانوا اكثر سعادة بقرار حكومتهم الانسحاب من لبنان,, فقد اعتبرت صحيفة ها آرتس القرار تاريخيا يعبر عن تغير جوهري في النظرية الامنية الاسرائيلية. واعتبر المحلل السياسي للصحيفة زئيف شيف هذا القرار تاريخيا لأنه ينص لاول مرة على ان الحفاظ على امن المناطق الشمالية سيتم من الحدود الدولية مع لبنان، ولم يعد يستند الى ما تسميه اسرائيل بالمنطقة الامنية في جنوبلبنان او على جيوب داخل اراضي الدولة الجارة، أي مثلما كان طوال السنين التي سبقت حرب لبنان. واكد شيف ان هذا التغيير الجوهري سيسري رغم عدم التأكد من انه سيوقف القتال في الشمال، ورغم ان الحفاظ على الحدود في المستقبل سيكون اكثر صعوبة وتعقيدا بالنسبة للجيش وفيما يتعلق بالقرى المجاورة للحدود، وسيكون منوطا بنفقات باهظة. على النقيض من ذلك كان هناك رأي لمحلل اسرائيلي بدا اكثر واقعية حيث يقول ناحوم برنياع المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرنوت: يجدر بنا نحن الإسرائيليين ألا نوهم انفسنا ان الالتزام الذي قطعه باراك على نفسه في الانتخابات هو الذي اخرجنا من لبنان فحسب بل إن اراقة الدماء على يد حزب الله الذي ألحق الهزيمة بالجيش الاسرائيلي,, لقد هزموه في المعركة الاهم من كل المعارك هي الجبهة الداخلية . ومع ذلك فقد اعتبر برنياع قرار مجلس وزراء إسرائيل هو عملية جراحية لا مناص منها ولكنها جاءت متأخرة، وثمة شك في ان تؤول الى الشفاء . وعلّق الوزير الاسرائيلي من دون حقيبة حاييم رامون على القرار الذي اتخذته الحكومة الاسرائيلية بالاجماع لسحب الجيش، مع او من دون اتفاق مع دمشقوبيروت، قائلا ان الوضع الحالي غير مقبول على الاطلاق . وقال رامون المقرب من رئيس الوزراء ايهود باراك ان قرار الحكومة يقطع العقدة التي لاتحل والتي تربط اسرائيل بجنوبلبنان منذ 22 عاما. واضاف رامون للتلفزيون الاسرائيلي لقد اعلنا للشعب الاسرائيلي، اليوم، عن نهاية حقبة مؤكدا عدم جود اي سبب سياسي او عسكري لبقاء الجنود في جنوبلبنان ضمن منطقة حدودية تبلغ مساحتها 850 كم مربع. من جهته، قال امين عام مجلس الوزراء اسحق هيرتزوغ لدى اعلانه القرار الاحد الماضي ان الحكومة ستعمل على ان تكون عملية الانتشار ضمن اطار اتفاق موحيا رغبة اسرائيل باستئناف المفاوضات مع سوريا والتي جمدت منذ العاشر من كانون الثاني/ يناير الماضي. وقد ازدادت الضغوط التي يمارسها الرأي العام على باراك منذ مضاعفة الهجمات الدامية التي يشنها حزب الله وأسفرت عن مقتل سبعة جنود اسرائيليين منذ مطلع السنة الحالية. ومنذ العام 1985، بلغت الخسائر البشرية الاسرائيلية في جنوبلبنان حوالي الف جندي قتلت غالبيتهم في كمائن او هجمات بواسطة العبوات الناسفة ومواجهات بالاسلحة الخفيفة والصواريخ شن معظمها حزب الله. وبدورها، اشادت رئيسة منظمة الامهات الاربع راشيل بن دور التي تدعو الى الانسحاب من جنوبلبنان بقرار الحكومة، الا انها ابدت خشية ازاء مواصلة حزب الله هجماته في حال عدم وجود اتفاق. وقالت بن دور التي تضم حركتها امهات جنود قتلوا في لبنان، لوكالة فرانس برس آمل في ان تكون هذه الخطوة نهاية الحرب، وآمل ايضا بألا نضطر الى تقديم ضحايا جديدة قبل تموز/ يوليو المقبل . وتزداد اعداد الاسرائيليين المؤيدين للانسحاب من المستنقع اللبناني بعد أن صدمتهم المشاهد التي بثها التلفزيون عن الجنود القتلى والجرحى الذين كانوا ينتطرون اسعافهم. واظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه امس ان 61% من الاشخاص المستطلعين يؤيدون الانسحاب مقابل 56% قبل شهر واحد، في حين بلغت نسبة المعارضين 31% مقابل 34% في استطلاع سابق, ولم يعلن 8% عن رأيهم. لكن سكان شمال اسرائيل لا يشعورون بالامان, وقال مساعد رئيس بلدية كريات شمونة سامي ملول على الحكومة عدم اللعب بالنار اذ ان انسحابا كهذا قد يؤدي الى المزيد من الخسائر . أبرز محطات الاحتلال الإسرائيلي للبنان منذ عام 1978 بعد موافقة الحكومة الاسرائيلية على خطة رئيس الوزراء ايهود باراك لسحب الجيش الاسرائيلي من جنوبلبنان بحلول تموز/ يوليو المقبل، في مايلي ابرز العمليات العسكرية التي نفذتها اسرائيل في لبنان منذ العام 1978: 1978 14آذار/ مارس: بعد هجوم قرب تل ابيب نفذته مجموعة فلسطينية انطلقت من لبنان اجتاح 25 الف جندي اسرائيلي جنوبلبنان في عملية اطلقت عليها اسرائيل اسم عملية الليطاني واسفرت عن مقتل مابين 200 و400 شخص وادت الى نزوح حوالي 400 الف شخص الى بيروت وضواحيها. 19 آذار/ مارس:اصدرت الاممالمتحدة القرار 425 الذي يطلب من اسرائيل الانسحاب الفوري من جنوبلبنان حتى الحدود الدولية وقررت انشاء قوات طوارىء دولية وارسالها الى لبنان لمساندة الجيش اللبناني على الانتشار حتى الحدود الدولية. 1982 6حزيران/ يونيو: اسرائيل تجتاح لبنان وصولا الى العاصمة بيروت في عملية حملت اسم سلامة الجليل بذريعة قيام فصيل فلسطيني راديكالي معارض لياسر عرفات بمحاولة فاشلة لاغتيال السفير الاسرائيلي في لندن. بين 21آب/ اغسطس و 3 ايلول/ سبتمبر انسحب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات مع مايزيد على 11 الف مقاتل فلسطين من بيروت, وفي 15 ايلول/ سبتمبر، دخلت القوات الاسرائيلية بيروت الغربية. في 17 و18 ايلول/ سبتمبر اودت مجزرة بحياة 1500 فلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا (الضاحية الجنوبيةلبيروت) على ايدي عناصر ميليشيا المسيحية بعد اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، بينما طوق الجيش الاسرائيلي المخيمين, وقد اعترفت لجنة تحقيق اسرائيلية ب المسؤولية غير المباشرة للاسرائيليين عن هذه المجزرة,وادت عملية سلامة الجليل الاسرائيلية بحسب حصيلة رسمية لبنانية الى سقوط حوالي عشرين الف قتيل وثلاثين الف جريح. 1984 5 كانون الثاني/ يناير: غارة اسرائيلية على بعلبك (شرق لبنان ) اوقعت مئة قتيل, 1985 حزيران/يونيو: القوات الاسرائيلية تعيد انتشارها وتحتفظ بمنطقة امنية في جنوبلبنان والبقاع الغربي مساحتها حوالي 850 كلم مربعا ما تزال تحتلها حتى اليوم وتسيطر عليها بمساعدة مليشيا جيش لبنانالجنوبي التابعة لها. 1987 5ايلول/سبتمبر: غارة اسرائيلية على مخيم عين الحلوة الفلسطيني في جنوبلبنان اوقعت 46قتيلا. 1988 آذار/ مارس: سلسلة من الغارات الاسرائيلية بعد هجوم على باص اسرائيلي في صحراء النقب بجنوب اسرائيل تسفر عن سقوط نحو مئة قتيل. 1989 28 تموز/يوليو: مجموعة كوماندوس اسرائيلية تخطف مسؤول حزب الله اللبناني الشيعي الشيخ عبدالكريم عبيد من منزله في جنوبلبنان. 1992 16شباط/ فبراير: اسرائيل تغتال بغارة مروحية الامين العام لحزب الله عباس الموسوي بينما كان في سيارته في جنوبلبنان. 1993 25الى 31تموز/يوليو: عملية تصفية الحساب الاسرائيلية في جنوبلبنان اثر عمليات نفذها حزب الله تسفر عن سقوط 132 قتيلا معظمهم من المدنيين اللبنانيين وتتسبب في نزوح مئات آلاف اللبنانيين. 1996 11 نيسان/ ابريل: عملية عناقيد الغضب الاسرائيلية بهدف القضاء على البنية العسكرية لحزب الله استمرت 16 يوما نفذ خلالها الطيران الاسرائيلي 600 غارة. اسفرت العملية عن سقوط 175قتيلا غالبيتهم الساحقة من النساء والاطفال وعن سقوط 351جريحا معظمهم من المدنيين. في 26نيسان/ ابريل تم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار حمل اسم تفاهم نيسان/ ابريل ينص على عدم استهداف المدنيين في جانبي الحدود اللبنانية والاسرائيلية وعلى عدم شن عمليات عسكرية من مناطق مأهولة. في 15 آب/ اغسطس تم تشكيل لجنة تفاهم نيسان /ابريل التي تضم الولاياتالمتحدة وفرنسا وسورياولبنان واسرائيل للاشراف على تطبيق بنود تفاهم نيسان/ ابريل. - 2 حزيران/ يونيو: غارة اسرائيلية على مخيم تدريب لحزب الله في سهل البقاع قرب الحدود السورية تسفر عن سقوط 32قتيلا. 1997 5ايلول/سبتمبر: مجموعة كوماندوس اسرائيلية تحاول تنفيذ عملية خارج المنطقة المحتلة فتسقط في كمين لحزب الله مما يسفر عن مقتل 12 جنديا اسرائيليا. 1998 1 آذار/ مارس: للمرة الاولى تعترف اسرائيل بقرار مجلس الامن الدولي رقم 425وتطالب بضمانات لتطبيقه وذلك على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو, لبنان يرفض. 1999 28 شباط/فبراير: مقتل اعلى ضابط اسرائيلي في المنطقة المحتلة الجنرال ايريز غيرشتاين على يد حزب الله. 17 ايار/ مايو: فوز ايهود باراك في الانتخابات الاسرائيلية وكان قد تعهد قبلها بالانسحاب من جنوبلبنان في حال فوزه خلال عام واحد من تسلمه مهامه. 25/24 حزيران/يونيو: سلسلة غارات جوية اسرائيلية على اهداف مدنية في عمق لبنان بعد قصف حزب الله شمال اسرائيل بصواريخ الكاتيوشا ردا على استهدافها المدنيين اللبنانيين, اسفرت العمليات الاسرائيلية عن مقتل عشرة اشخاص واصابة 54 آخرين بجروح وتدمير محطتين كهربائيتين وخمسة جسور، في حين اسفر قصف حزب الله عن سقوط قتيلين في اسرائيل. 2000 كانون الثاني/ يناير والاسبوع الاول من شباط/ فبراير: حزب الله يكثف عملياته الناجحة ضد الاحتلال الاسرائيلية فيقتل الرجل الثاني في ميليشيا الجنوب عقل هاشم وسبعة جنود اسرائيليين في اسبوعين. 8/7شباط/ فبراير:سلسلة غارات اسرائيلية على منشآت مدنية في عمق لبنان تسفر عن اصابة 22 مدنيا بجروح وتدمير ثلاث محطات لتحويل الكهرباء وذلك بعد مقتل الجندي الاسرائيلي السادس منذ مطلع العام على يد حزب الله داخل المنطقة المحتلة وتؤدي الى اطلاق حملة تضامن عربي واسعة مع لبنان. 11شباط/ فبراير:اسرائيل تعطل اللجنة الدولية لتفاهم نيسان/ ابريل اثر مقتل جنديها السابع اذ تستدعي وفدها من الاجتماع. 5 آذار /مارس: الحكومة الاسرائيلية تقر بالاجماع خطة رئيسها للانسحاب من جنوبلبنان بحلول تموز/ يوليو باتفاق مع لبنانوسوريا او بدونه.