دائماً يخاطب الكاتب قراؤه بطرحه المكتوب فيكون الموضوع ما بين فرضية الكاتب واختيارية القارئ. فعندما يبدأ القارئ القراءة في موضوع «ما» يجد إحساسه المعرفي في تعانق مع الحس الروحي للكلمة. فالكلمة.. لها روح تلك الروح التي تمثل في معناها بما تحمله من معان ومفاهيم ومضامين سامية وبقدر سمو فكر كاتبها تسمو روح هذه الكلمة ويتحقق من خلالها الغرض المنشود، لتضيف للفكر والأدب رقياً ورفعة، فأدبنا دائماً في حاجة لمثل ذلك. فمن هنا يستطيع القارئ المدرك تقييم ما يقرؤه محدداً مدى إبداع وتميز الكاتب أثناء تناوله لذلك الموضوع. كانت هذه المقدمة إجابة لمداخلة من أحد الاصدقاء بعدها طلب منا مضيفنا التوجه الى سفرة الطعام وبعد جلوسنا بدأ مدير السفرة يقوم بعمله واضعاً أمامي طبق حساء يطفو على سطحه حبات بازلاء، حساء له رائحة زكية شهي حاولت أن أتذوقه ولكن لكثرة تأملي لحبات البازلاء الطافية على سطحه. أجدهن يلامسن يقيني بأنهن دلالة على وجود غيرهن في قاع الإناء لتبدأ علامات استفهام وتعجب تترامى ما بين حسية بعدي رأسية الحالتين وكأني بها تمثل إيجابية السلبية.. وسلبية الإيجابية.. عندما تتحول الى معنوية في واقعنا احياناً لتكون نتيجة تفرضها مليودراما تفاعلنا الحياتي في حاضر ماضينا ومستقبل حاضرنا فتفرز إسقاطات تكون سبباً في انكسار القاعدة الاستراتيجية لمفهوم المعقول واللا معقول. واذا بمن يجلس بجانبي رجل يحتسي ثقافته من هوامش المتون يعتب علي لماذا أكلم نفسي فقلت له الزم الصمت فأنت رجل أجوف مثل حبات البازلاء تلك الطافية على سطح هذا الحساء مما جعل علامات عدم الرضاء تبدو على وجهه لأصرف نظري لما في يدي عود ثقاب أسنان تهزه العبرات وهو ينظر الى الحائط ينظر الى مشط خشبي مستطيل الشكل قديم وضعه مضيفنا من ضمن مقتنيات أثرية فسألته عن سبب بكائه فأجاب بامتعاض ألا ترى ابتسامة ذلك المشط إنه يضحك علي وأنا من بني جلدته. فما إن سمع المشط حوارنا بدأ يهمهم مخاطباً عود الثقاب كلا يا بني إن بكاءك بسبب من كنت بيده يتناول حساء فقط فأيقنت بحرمانك من شيء فأعتقد أنك في موقف لا تحسد عليه تجلى فيه سرَّ ضعفك فيذكرني بمن ينتظر أن يعطى السمكة متجاهلاً المثل الذي يقول «أعطني شبكة ولا تعطني سمكة» فهذا المثل حاولت جاهداً التمرد والتفوق على اعتيادية نصه ومضمونه بأن أصنع الشبكة بجهد ذاتي. فأنا المشط، هكذا تبدو ابتسامتي دائمة فهي الآلية التي تحتمها أيدلوجية البحث عن مكونات الوسيلة حينما ألامس صيوان عقل الإنسان ومركز حواسه وأمر ملكاته فلو كنت مكاني وعرفت ما يدور بصيوان عقله بكيت ألماً وحزناً وضحكت فرحاً وذلك حسب قيمه ومبادئه وثقافته وفكره، فأنا لست مثلك دائماً أتوج أولى اهتماماتي بمثالية الوسيلة لأفوز بسمو الغاية فأستخلص معطيات ما أريد من صيوان عقول العلماء والأدباء والمفكرين وممن لديهم ثقافات في جميع الاختصاصات وبعد أن انتهى المشط من كلامه. ألح.. عليه عود الثقاب أن يلقنه.. شيئاً.. أي شيء.. ليصبح شيئا ويبرز على الساحة فرد عليه المشط.. بأن الساحة لا تحتمل.. إلا أن عود الثقاب خانه فهمه معتقداً أنه من حيث المساحة فقال.. «اني نحيف..» فزادت ابتسامة المشط أثناء رده عليه.. لا لأنك.. نحيف.. ولكن لأنك سخيف.. [email protected]