جلس شمران ذاك الرجل الذي صبغت لفحات الشمس بشرته باللون الاسمر وحفر تعاقب السنين في اديمه خطوطاً كأنها جداول ماء صغيرة، جلس فرحاً مسروراً تداعب مخيلته احلامه بقرب تقاعده الوظيفي وقرب استراحته من عناء الكد والمشقة وعمل استمر طوال سنين قاربت الاربعين عمل فيها بكل جد واخلاص ووضح ذلك على بشرته السمراء وجسمه النحيل. جلس فرحاً يخطط ماذا سيفعل بالمبلغ الذي سيتسلمه وهو مكافأة نهاية الخدمة التي تبلغ حوالي مئة الف ريال، وقرر انه سيقسمه الى عدة بنود، بند لسداد بعض المستلزمات والديون المادية المطالب بها، وبند سيساعد فيه ابنه في زواجه المرتقب قريباً، وبند سيصرفه على ترميم وتجديد بعض اثاث بيته، وبند سيشتري به سيارة تكون احدث موديلاً ولو بسنوات قليلة من سيارته التي مضى على سنة صنعها عشرون سنة، وفي النهاية لم يبق من المبلغ شيء للادخار ومع ذلك فهو فرح لأنه قسمه بطريقة تعينه على تحمل نفقات حياته التقاعدية الجديدة التي سينقص فيها راتبه الشهري الى ما دون النصف، ولكن للاسف الافراح لا تكمل حتى وان كانت احلاماً، هكذا قال شمران عندما حزن وتكدر خاطره وهو يقرأ في جريدة الجزيرة خبراً مفاده أن الموظف المتقاعد لن يتسلم حقوقه التقاعدية حتى يحضر اخلاء طرف من صندوق التنمية العقاري يثبت انه ملتزم بسداد الصندوق والا فان الصندوق سيحرمه من حقوقه ويودعها في خزينة الصندوق وبهذا تنهدم كل احلامه وامانيه التي بناها سنيناً وهو يحلم بهذه المكافأة التي تحولت الى معاقبة على تفانيه واخلاصه طوال تلك السنين. كلنا نعلم أن هناك نسبة كبيرة جداً من المقترضين لم يسددوا الاقساط المستحقة عليهم ولم يسددوا بانتظام ولكن يجب أن نعترف ويعلم صندوق التنمية العقاري بانخفاض الوضع الاقتصادي للفرد السعودي وذلك لأسباب عدة لسنا بصدد مناقشتها منها، ارتفاع اسعار المعيشة، ارتفاع اسعار المشتقات البترولية، والكهرباء والهاتف والاهم من ذلك عدم ايجاد فرص وظيفية للشباب لم يحدث لها اي تحسن لتواكب ارتفاع الاسعار. كل هذه الاسباب وغيرها اثقلت كاهل المواطن وجعلته غير قادر على الوفاء بالتزاماته المالية ومنها ديون صندوق التنمية العقاري، وتعالوا معي نناقش الوضع الحالي للمواطن حسب المتوسط الحسابي لدخله وذلك على وجه التقريب وقبل ذلك فلنتذكر اقساط صندوق التنمية العقاري المقررة سنوياً على المقترضين وهي ستة الاف لبعض المدن وثمانية الاف لبعض المدن وعشرة الاف لمدن اخرى هذا اذا كان المقترض منتظماً بالسداد ومعنى هذا ان معدل القسط الشهري المفروض على المقترض لصندوق التنمية هو سبعمائة ريال تقريباً ونعود لوضع الموظف المالي فاذا علمنا بأن متوسط رواتب الموظفين الشهرية عندنا حوالي اربعة آلاف ريال يذهب منها حوالي خمسمائة ريال قيمة فواتير شهرية ما بين كهرباء وماء وهاتف وتجديد استمارة سيارة وتجديد رخصة سير للمرور وقيمة جواز سفر وقيمة تأمين على الرخصة وغيرها من الاقساط الحكومية واذا اضفنا على هذا المبلغ قيمة قسط صندوق التنمية الشهري وهو حوالي سبعمائة ريال سيكون ما يدفعه المواطن شهرياً حوالي الف ومائتي ريال ويتبقى له من راتبه حوالي الثلاثة الاف ريال فقط. فبالله عليكم اجيبونا وأنصفونا هل هذا المبلغ المتواضع يكفي لإعالة المواطن وتلبية مستلزماته ومتطلباته الحياتية هو واسرته الذين غالباً ما يفوق عددهم العشرة اشخاص؟!! خصوصاً اذا علمنا بأن افراد الاسرة منهم الطفل الصغير ومنهم طالب الثانوية المراهق ومنهم الطالب الجامعي ومنهم العاطل عن العمل وكل منهم له متطلباته.. ؟!! لهذا اقول بأن قرار صندوق التنمية العقاري احزن وآلم شمران وكم في الوطن من شمران؟ لهذا فأنا هنا نيابة عن شمران استرحم صندوق التنمية العقاري بأن يرحمنا والا يزيد همنا هماً والاولى ان يعفي جميع المقترضين سابقاً ولاحقاً من التسديد وان كان هذا مستحيلاً وضرباً من الخيال فاليكم الثاني وهو: أ - يعفى جميع الاشخاص المتوفين من السداد وتبرأ ذمتهم من ذلك. ب - الموظفون والمتقاعدون الذين تقل رواتبهم عن ثلاثة الاف ريال يدفع كل منهم قسطاً شهرياً قيمته خمسون ريالاً. ج - الموظفون والمتقاعدون الذين تتراوح رواتبهم بين ثلاثة الاف وتسعة الاف ريال يؤخذ من كل منهم قسط شهري مقداره مئة ريال. د - الموظفون والمتقاعدون الذين تزيد رواتبهم عن تسعة الاف ريال يكون القسط المقرر على كل منهم مئة وخمسين ريالاً شهرياً. ه - يُبدأ بتطبيق هذا الاقتراح من الآن ولا يُطالَب المقترض بما فات عليه من اقساط استحقت للسداد ويكون الخصم حسب هذا الاقتراح شهرياً من الراتب لأنه ارحم وأخف وطأة من القسط الشهري. فمن وجهة نظري أن ذلك يوفر للصندوق مخزوناً جيداً من المال فاذا توقعنا أن عدد المقترضين الذين ينطبق عليهم ذلك ما يقارب المليون مقترض فانهم سيدفعون للصندوق حوالي مئة مليون ريال شهرياً وهذا يكفي لإقراض حوالي اربعة الاف شخص تقريباً شهرياً. هذا الاقتراح ان نفذ سيملأ خزينة الصندوق بمال وفير وسيعجل بإقراض المواطنين ويريحهم مادياً وهذا افضل بكثير للطرفين - الصندوق والمقترض - من اخذ الصندوق لمكافأة نهاية الخدمة للموظف. اتمنى أن يدرس هذا الاقتراح جيداً من قبل المسؤولين وان يضعوا بين اعينهم فرحة وابتسامة كل شمران مواطن في هذا الوطن العزيز، وختاماً بقي أن اقول انني لم اقترض بعد، ولم اعانِ من هذه المشكلة بعد وأنا هنا لا اتكلم عن مشكلة او معاناة شخصية ولكن الصالح العام وهمومه تعصر قلبي الماً لينزف آلامه حبراً تسطره الاوراق. فهل من قارئ؟ وهل من مجيب؟!