البدو يعتزون ببداوتهم اعتزازاً شديداً ولا يطيقون حياة الاستقرار لأنهم ألفوا حياة الترحال والتجوال حتى أصبح ذلك ديدنهم وقصة معاوية بن أبي سفيان مع زوجته ميسون الكلبية مشهورة، تلك البدوية التي تاقت نفسها الى حياة البداوة ومشهد السماء الصافية والأرض الفسيحة وبيوت الشعر التي تعبث بها الرياح فقالت قصيدتها التي تتذمر فيها من العيش في قصور الخليفة الأموي وتتمنى لو تعود الى البادية ومن قصيدتها قولها: وخرق من بني عمي نحيف أحب إلي من علج عنيف فلما سمع معاوية قولها قال: ما زادت على أن جعلتني علجاً وسرَّحها الى أهلها في البادية. ودخل بدوي الى المديندة فاشتاق الى بلاده فقال: لعمري لنور الاقحوان بحائل ونور الخزامى في آلاء وعرفج احب إلينا يا حميد بن مالك من الورد والخيري ودهن البنفسج وأكل يرابيع وضب وأرنب أحب إلينا من سماني وتدرج ونص القلاص الصهب تدمى أنوفها يجبن بنا ما بين قو ومنعج أحلب إلينا من سفين بدجلة ودرب متى ما يظلم الليل يرتج وقال أعرابي يحن إلى نجد: لعمري لمكاء يغني بقفرة بعلياء من نجد علا ثم شرقا أحب إلينا من هديل حمامة ومن صوت ديك هاجه الليل أبلقا وقال آخر قدم بغداد فاستوبأها: أرى الريف يدنو كل يوم وليلة وازداد من نجد وصاحبه بعدا ألا ان بغداد بلاد بغيضة الي وان كانت معيشتها رغدا بلاد تهب الريح فيها مريضة وتزداد خبثا حين تمطر او تندى وقال أعرابي آخر: ألا ليت شعري هل ابيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي لصوت شمال زعزعت بعد هجعة ألاء واسباطا وأرطى من الحثل أحب إلينا من صياح دجاجة وديك ووصوت الريح في سعف النخل وقصة دخول علي بن الجهم على الخليفة المتوكل مشهورة إذ دخل عليه ما دحا فقال: أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب فقال المتوكل لمن حوله: ان هذا البدوي فصيح اللسان ذكي الجنان ولكنه يحتاج الى ترويض فروضوه وبعد أن هذب طبعه وشذبت اخلاقه راح يمدح الخليفة بأرق الشعر وأجوده مثل قوله: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري