السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قرأت ما كتبه الاخ محمد ابراهيم العبيد في العدد «11178» بعنوان «هل يحتضن مركز ابن صالح مثقفي وادباء وشعراء عنيزة»؟ ولا غرو في ذلك فعنيزة من اشهر المدن النجدية ذات التاريخ العريق في الماضي القريب وقد تخرج من بين بساتينها المسؤولون والوزراء. «عنيزة» تلك المحافظة القصيمية الحالمة.. حين تطل عليها من اعاليها «الاشرفية» ترى منظراً بديعاً.. ولوحة مطرزة ببساتين النخيل الخضراء والجنان الملتفة.. تحتضنها كثبان رمال ذهبية.. في منظر بديع أخّاذ.. وخاصة في غب المطر.. انها مليحة القصيم وفاتنته.. «فيحاء القصيم» او باريس نجد.. حين تزورها مع بزوغ الشمس او عند غروبها ترى منظراً خرافي الحسن.. منظر يجمع بين الاصالة.. والحداثة.. اشجار النخيل تتلفت عسبانها.. نحو منازل الطين البديعة الصنع.. والدوارات والعمائر الحديثة تداعبها من بعيد في سباق بين التراث العريق.. والحاضر الحديث. لقد وصفها الرحالة «امين الريحاني» حيث زارها في القرن الماضي بأنها «باريس نجد» لما لاحظه فيها من الجو الحسن والمناظر الرائعة وتنظيم شوارعها قبل عصر التخطيط.. وطراز مبانيها الرائع البناء. في حاراتها «القديمة» والمبنية من الطين ترى الماضي العريق يتجسد بكل معانيه.. عروق الطين تتخللها لمسات واضحة لايادي البنائين المهرة.. والمشربيات العتاق تطل على بساتين النخيل.. ترسل وشوشات وسنى تداعب اشعة الشمس الحمراء حين تلقي بأشعتها قبيل الغروب.. تتلفت العسبان وتتمايل القنوان على نغمات خرير المياه. الموقع تقع عنيزة في موقع متوسط تقريباً من منطقة «القصيم» وفي موقع استراتيجي هام اذ تقع على ضفاف وادي الرمة الشمالي.. وفي منقطع جبل الطويق، ونفود الثويرات فهي تجمع بين الجبل وكثبان الرمال والوادي.. وتبعد عن بريدة حوالي 30 كم الى الجنوب الغربي منها، ومثلها عن البدائع والتي تقع الى الغرب منها، ومثلها عن المذنب التي تقع الى الجنوب منها. وجزء من هذه المدينة العريقة يقع على نهاية جبل الطويق في القصيم.. فتشرف منه على المدينة «الاشرفية» معطياً صورة «سريالية» زاهية رائعة لبساتين النخيل الخضراء والمنازل العتيقة والحديثة، وجزء من المدينة يقع على اطراف رمال «الغميس» «الوهلان مثلاً» معطياً لوحة موشاة بالرمال الذهبية والحقول الخضراء والمخططات الحديثة. التسمية عرفت «عنيزة» بهذا الاسم.. منذ زمان قديم ربما ناف على القرون. وورد هذا الاسم في كثير من النصوص والاشعار. قال مؤلف معجم بلاد القصيم «الشيخ محمد بن ناصر العبودي» «اشتقاق اسم عنيزة» مختلف فيه بين اللغويين والاقرب منها ان تكون مصغرة من كلمة العنز التي تعني القارة السوداء فذلك ما رواه الازهري عن اعرابي شافهه بذلك مشافهة، وهو الذي يتفق من كون عنيزة كان بقربها اكمة هي التي اكتسبت منها هذه التسمية قبل ان تصبح مدينة، بل ربما قبل ان يستخرج محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس ماءها فتصبح ماءً موروداً وذلك في القرن الثاني الهجري». ا.ه. وعنيزة في زماننا الحالي تسمى «الفيحاء» والفيحاء هي الروضة التي تنتهي اليها مسايل المياه والاودية فتنبت العشب والزهور ذات الروائح الفواحة من النفل والاقحوان والخزامى وهو ما ينطبق موقعه على «عنيزة» حيث يحدها شرقاًً مرتفعات جبل طويق وتنحدر اليها الاودية من الغرب والجنوب. النشأة تعود نشأة «عنيزة» وعمارتها الى مئات السنين لما تتمتع به من موقع فريد ومياه وافرة وارض خصبة فالماء هو اهم عنصر من عناصر الحياة وبسببه تنشأ كثير من المدن فلا ترى مدينة من المدن القديمة في الجزيرة العربية الا وهي مورد ماء او كان فيها عين من العيون. وقال الشيخ محمد بن مانع: انشئت عنيزة سنة 630ه تقريباً لانه معلوم بما استفاض عند اهل القصيم بأن اول من سكن عنيزة هو زهري بن جراح الثوري. وقال مقبل الذكير في تاريخه، «في حوادث سنة 1097ه في هذه السنة خرج الشريف احمد بن زيد الى نجد في شهر ربيع الثاني ونزل عنيزة في القصيم وكانت يومئذ منقسمة الى اربعة اقسام.. الجناح، العقيلة، المليحة، الجادة. وقال الاستاذ عبدالعزيز بن محمد القاضي في قصيدته الشهيرة «العنيزية» ولما اتى القرن الذي هو سابع لهجرة خير الخلق والنظراء تأسس مبناها وكان شمالها لآل جناح اول المترائى بها نزلوا حتى اقامت قبيلة سبيع من الجراح ذات دهاء وقال الشيخ محمد العبودي ايضاً اقدم نص مكتوب عثرت عليه عن عنيزة ووصفها بأنها قرية إذ سجل واقعة حدثت عام 822ه.. وذلك في طبقات القراء وهذا نص كلامه: «خرج - اي ابن الجزري - للحج هو ومعين الدين بن عبدالله بن قاضي كارزون فوصلا الى قرية «عنيزة» من نجد وتوجها منها، فأخذهم الاعراب من بني لام بعد مرحلتين فرجعا الى عنيزة». وهذا النص يدل على ان عنيزة كانت في ذلك الوقت ذات مبان ومساكن. اما بالنسبة للتسمية فهي قديمة جداً.. وتشتهر عنيزة بأنها تقع على طريق الحاج البصري المتجه الى مكةالمكرمة ويقع الى الشمال منها احد منازل هذا الطريق وهو منزل القريتين الواقع على ضفة وادي الرمة شمال عنيزة ويقع منزل القريتين المسمى حاليا العيارية او «الملقي» بين كل من منزل «رامة» و «العوسجة» ويبعد عن منزل رامة حوالي 43كم. اشعار في عنيزة نظراً لان «عنيزة» تقع في مسارح العرب القديمة ومرابعهم ومراعيهم فقد ورد فيها من الاشعار مالا يحصى ولا يعد. قال بشر بن ابي خازم الاسدي وهو شاعر جاهلي: عفا رسم برامة فالتلاع فكثبان الحفير الى لقاع فخبت «عنيزة» فذوات خيم بها الغزلان والبقر الرتاع وهو شاعر اسدي.. وتقع عنيزة ضمن منازل بني اسد وبني تميم وبالقرب منهما اذ تتركز منازل بني اسد في غرب القصيم وشماله وذكر مواضع لاتزال معروفة حتى الآن باسمها القديم مثل «رامة» المشهورة في اشعار العرب هي كثبان تقع جنوب غرب عنيزة.. وكذلك «الحفير» وتعرف الآن ب «الحفيرة» وهي حي صغير جنوب غرب عنيزة واكثر الشعراء من وصف الحياة البرية مثل الغزلان وبقر الوحش، ويذكر بعض كبار السن ان «الغميس» الواقع غرب عنيزة كان مليئاً بأشجار الغضا حتى قطع عن آخره.. وحمى اهالي عنيزة غضا «الخبيبة» فبقى على وضعه. وقال امرؤ القيس: «يصف مطراً وسحاباً»: سقى واردات والقليب ولعلعاً ملق سماكي فهضبة ايهبا فمر على الجنتين خبتي «عنيزة» فذات النقاع فانتحى وتصوبا ملما تولى من اعالي «طمية» انسبت به ريح الصبا فتحلبا وقال مالك بن الريب في قصيدته المشهورة وهو بخراسان: وهل اترك العيس العوالي بالضحى بركبانها تعلو المتان الفيافيا اذا عصب الركبان بين «عنيزة» وبولان عاجوا المبقيات النواجيا وقال: الا ليت الغضا لم يقطع الركب عرضه وليت الغضا ماش الركاب لياليا وقاع بولان معروف بطريق الحج بالقرب من الربيعة حاليا.. وقد ابعد النجعة من قال ان «الغضا» في قصيدة مالك بن الريب هو في شمال غرب المملكة وغير «غضا» عنيزة فعنيزة مشهورة بالغضا وبكثافة اشجاره في «الخبيبة» والغميس.. وقد كان مالك بن الريب يقيم في القصيم يقطع الطريق على الحاج ومعه بعض اشرار العرب. وقال النابغة الجعدي يصف سحاباً: فأصبح بالقمري يجر «عفاءه» بهيماً لكون الليل اسود داجيا فلما دنا للخرج خرج عنيزة وذي بقرأ لقى بهن المراسيا والقمري «هو خر ما وخريمان» حاليا وذي بقر هو وادي بقر حاليا وتقع عنيزة بين هذين الموضعين: وقال جرير: هذ تذكرين زماننا «بعنيزة» والابرقين وذاك مالا يرجع وقال الجاحظ الاسدي: وكأن ارحلنا بجو محصب بلوى «عنيزة» من مقيل الترمس في حيث خالطت الخزامى عرفجاً يأتيك قابس اهله لم يقبس ومن أشهر الاشعار الحديثة في «عنيزة» قصيدة «العنيزية» للاستاذ الشاعر عبدالعزيز بن محمد القاضي من اهالي عنيزة.. قال من قصيدة طويلة يذكر فيها تاريخ «عنيزة»: سلوا عن بلادي رائد الشعراء وقس اياد سيد الخطباء سلوه امرأ القيس بن حجر وطرفة وعنترة اربى على البلغاء زهيراً وعمراً، او لبيداً وحارثاً وحاتم من عفى على الكرماء وذا الاصبع المبسوط في الناس حكمه له الفضل معروف لدى الحكماء ويوم خزازى سائلوا فيه رأسه كليباً واوفى حقه المتنائي الى ان قال: سلوهم بما قالوا وعرفوا به من الشعر ان الشعر غير خفاء سلوهم لقد كانت بلادي مرتعاً لهم وبلادي مرتع العظماء بنو اسد كانت قديماً منازلاً لهم، وربوعاً او طنت برعاء والقصيدة «العنيزية» طويلة.. وفي عنيزة من الشعر مالا يحصى في الشعر القديم والحديث ودواوين الشعراء تشهد بذلك. اماكن تاريخية وجغرافية في عنيزة اشتهرت عنيزة بوجودها بالقرب من اماكن تاريخية مشهورة في الشعر العربي الجاهلي والاسلامي مثل «الغميس» وكان يسمى رمال «عجلز» وهو كثبان رملية تقع جنوب وغرب عنيزة.. ويشتهر هذا النفوذ بنبات «الغضا» الذي ينمو بكثافة بعد حماية من التعدي الجائر وخصوصاً في «الخبيبة و «المصفز» و «الجراحية» التي تعتبر منتزهات رائعة وجميلة.. وفي فصل الربيع تنمو فيها زهور الاقحوان والخزامى الفواحة والنباتات ذات الرائحة العطرية الجميلة. كما توجد الى الشمال من عنيزة وعلى ضفاف وادي الرمة.. آثار منزل العسكرة او العيارية التي كانت تسمى قديما« القريتين» وهي اثار دراسة لمنزل طريق الحاج البصري الذي يمر قبلها بالعوسجية والانياج «الاسياح» وبعدها برامة وهو المنزل رقم 12 من البصرة الى مكة. وفي عنيزة نفسها مبان قديمة مبنية من اللبن والطين تعتبر من التراث الاثري لهذه المدينة العريقة التي حافظت على اصالتها وتراثها. عنيزة مدينة العلماء والوزراء اشتهر اهل عنيزة بحبهم للعلم.. والتجارة وخدمة الوطن في كافة المجالات فتخرج من عنيزة الرجال والمسؤولون ورجال الاعمال الذين خدموا ويخدمون وطنهم بكل اخلاص.. كما اشتهر اهالي عنيزة بحبهم للغريب واريحيتهم ولطف معشرهم وكرمهم.. الذي جبل عليه العرب في جزيرتهم.. واشتهروا بالتجارة خارج حدود الوطن.. فقد كانوا يذهبون للتجارة عبر الصحاري والبحار.. واشتهرت عوائل منهم بذلك مثل البسام والذكير.. والشبيلي والزامل وغيرهم.. وبرز منها علماء اجلاء في علوم الشريعة والفقه مثل الشيخ ابن سعدي في القرن الماضي.. والشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - فهو علم في رأسه نار واشتهر بغزارة علمه ودقته في فتاويه واشتهرت عوائل كذلك بالعلم الشرعي وعلوم اللغة والقضاء مثل عائلة «القاضي» والذين تولوا قضاء عنيزة ومنهم الشيخ صالح العثمان القاضي والشيخ محمد العثمان القاضي وهو عالم تاريخ وانساب. ومن ابناء عنيزة عدد كبير جداً من الوزراء وكبار المسؤولين لايدانيه اي مدينة او بلدة في المملكة ومن هؤلاء: 1- معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء حاليا واشتهر باخلاصه ونزاهته وحرصه الشديد على المصلحة العامة. 2- معالي الاستاذ عبدالله العلي النعيم امين مدينة الرياض سابقاً. 3- الوزير عبدالله السليمان وهو مجموعة وزراء في وزير واحد في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله حيث تولى وزارة المالية في بداية تأسيسها وكانت مسؤولة عن جل امور الدولة. 4- معالي الشيخ محمد الحمد الشبيلي، رحمه الله - سفير المملكة سابقاً في ماليزيا، والعراق، والهند وهو يعتبر اسطورة في الكرم.. حتى ان بعض قصص الكرم الحاتمي التي تروى عنه لا تصدق. 5- معالي الدكتور سليمان السليم وزير التجارة سابقاً. 6- الاستاذ مساعد السناني وزير العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً. 7- الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي وكيل وزارة الاعلام. 8- الاستاذ عبدالعزيز البسام وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني. 9- المهندس سليمان عبدالله القاضي رئيس مجلس ادارة الشركة السعودية للكهرباء. وغير هؤلاء يوجد عدد كبير جداً من المسؤولين في اجهزة الدولة المختلفة من وزراء وعسكريين وسفراء واعلاميين ومثقفين واطباء ومهندسين.. فعنيزة تعتبر بحق وبدون منازع مدينة العلماء والوزراء. م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني القصيم - البدائع