ليس هناك على المرء أقسى واصعب من السطو على ممتلكاته المادية وسلبها بأي صورة كانت الا ان تنتهك حقوقه الفكرية والادبية ويتم الاستيلاء على نتاج جهده وحصيلة ابداعه وتجييرها ونسبتها لأحد غيره! وكثيراً ما سمعنا وقرأنا عن حالات من «السرقات الفكرية» وقيام هذا النوع من «اللصوص» دون رادع ضمير او حمرة خجل بتلميع صورهم المهتزة وتضخيم ذواتهم الناقصة وتعويض فشلهم في مجاراة المبدعين بالاعتداء على نصوص تعود لغيرهم ونقلها حرفياً - او التصرف فيها للخداع والتمويه - وادعاء ملكيتهم لها ومن ثم نشرها او اذاعتها بأسمائهم وربما رافقتها صورهم وعناوينهم وأحياناً ارقام هواتفهم بل وارقام اخرى اذا كانت الغاية من هذه - السرقة - يسيل لها اللعاب!! ما دعاني الى هذه المقدمة سماعي لشريط عنوانه «صفحات من قصص وقصيد الفارس نمر بن عدوان» أصدرته وتوزعه وتبيعه في معظم مثيلاتها بالمملكة احدى مؤسسات التسجيلات. وهذا الاصدار - كما كتب عليه - للراوية السعودي «عبدالرحمن بن سعود المرشدي»» الذي اورد في سياق سرده لقصص وقصيد «نمر بن عدوان» القصيدة التي مطلعها: أمل الوجار وخلو الباب مفتوح خوف المسير يستحي لا ينادي ومنها: يا نمر ما في صكّة الباب مصلوح ولا هي بلنا يا مضنَّة فوادي وذكر الراوية - المرشدي ان هذه القصيدة قالتها أخت الشاعر «نمر بن عدوان» تؤنب اخاها - كما يقول - على ترك وقطع عادته في الكرم وفتح بيته للضيوف!! والقصيدة المذكورة يعرف كل مهتم بالادب الشعبي السعودي المعاصر انها للشاعر والراوية المعروف «محمد بن شلاح المطيري» احد ابرز رواد التراث والادب الشعبي ومقدمي البرامج الشعبية قالها مخاطباً ابنه «نمر» والاثنان الشاعر وابنه مازالا بحمد الله على قيد الحياة بينما رحل نمر بن عدوان واخته قبل اكثر من قرنين من الزمان!! وعلى الرغم من اني لا اعرف عن الاخ المرشدي الا انه احد رجال التربية والتعليم المتقاعدين واجزم - واثقاً باذن الله - انه فوق اي شبهة ولم يتعمد هذا الخطأ الواضح لأنه لا مصلحة له في ذلك فليس كل مجتهد بمصيب دائماً.. الا ان هذا لا يعفي المذكور من خطأ اعتماده على الذاكرة التي كثيراً ما تخون أوثقته برواية غير موثقة ومؤكدة أوقعته في هذا المطب فسلب قصيدةً مشهورة من قائلها الاصلي واذاعها باسم غيره عبر آلاف من النسخ! والمرشدي يبدو انه من المهتمين والمتابعين للإنتاج الشعبي والحريصين على نشر التراث وهو جهد وتوجه يشكر عليه.. لكن لا أدري وهو كذلك كيف انه لم يسمع بهذه القصيدة وقد اذيعت عشرات المرات اذاعياً وتلفزيونياً واشتهرت اكثر بعد ما غناها عازف الربابة السوري المعروف «مظهور العقيدي» وعرضت مرات عديدة خاصة في البرامج التي يقدمها «محمد بن شلاح نفسه؟! وحتى لا اقع أنا أيضاً ضحية الاعتماد على الذاكرة فقد سألت الراوية والشاعر وصاحب المؤلفات الشعبية العديدة «ناصر المسيميري» عن القصيدة ولمن تعود فأكد لي أنه سمعها مباشرة من ابن شلاح بل أكد أنها نشرت في اكثر من مؤلف ومنها «ديوان الامراء وتحفة الشعراء» الذي صدر عام 1407ه ومؤلفه «ماجد طاهر المطيري» وذلك في الصفحة رقم «315» تحديداً. واؤكد هنا انه لا تربطني بالطرفين «محمد بن شلاح والمرشدي»» أية علاقة - على الرغم من ان معرفتهما تشرفني» فهما عينان في رأس ويكفي انهما من ثمرات هذا الوطن الحبيب ونتاج هذه الارض الغالية على الجميع. وإذ أتعرضا لهذه القضية اضعها بين ايدي قراء «الجزيرة» لعلهم يسهموا في الادلاء بمرئياتهم بشأنها حول تأييدهم او رفضهم تسجيل القصيدة المذكورة باسم اخت «نمر بن عدوان» بدلاً من «ابو نمر محمد بن شلاح» على ان يكون الرأي مدعماً بدليل موثق يؤكده مع تجنب العواطف التي لا مجال لها في مثل هذه الامور وما يهمني ويهم كل متابع - بالطبع - هو رأي وردّ الاخ «المرشدي» نفسه ليؤكد بالدليل صحة روايته وبطلان طرحي او يقرر وقوعه في خطأ غير مقصود ولاعيب ان يعلن ذلك وجل من لا يخطئ والشجاعة - كل الشجاعة - ان يعتذر لصاحب الشأن بالطريقة التي ترد له اعتباره المعنوي واجزم أن (ابن شلاح) لايطلب أكثر من ذلك والاعتراف بالخطأ فضيلة وختاماً نداء اوجهه للمسؤولين في وزارة «الثقافة والاعلام» وقد اصبحت راعيةً للثقافة والفنون بكافة جوانبها بعد ان كان دور «وزارة الاعلام» مجرد اصدار تصاريح الطبع والتأليف.. للنظر في اعادة تنظيم اسلوب الانتاج الثقافي والفني ونشره وتوزيعه وتحديد الجهات التي لها حق احتكار ذلك ضماناً لتحقيق الغايات المنشودة بدلاً من استغلال الموروث مادياً من قبل جهات لا علاقة لها به!! والله من وراء القصد