حلقات كتبها وصورها حمّاد بن حامد السالمي المحاني.. المحاني.. عندما تردد هذا الاسم على لساني صباحا وانا في طريقي إليها، تذكرت، انها من المناطق التي استطلعتها قبل هذه المرة. كان ذلك في العام 1389ه، ونشر ذلك في جريدة الندوة بالابيض والاسود طبعا. هذه اذن هي المحاني، البلدة التي كنت تصلها قبل 35 عاما بشق الانفس، وكانت شبه منفى للمعلمين. اليوم قطعت الطريق اليها وطوله 180 كيلا في اقل من ساعتين. انه طريق مسفلت جميل يمر بعشيرة وقرى وهجر كثيرة، حتى يصب في المحاني، ثم يستمر شمالا حتى ينتهي في الفريع. محاني الوادي * فور وصولي، سرت صوب المركز الاداري الذي كان من اقدم الامارات في هذه النواحي حيث اسس عام 1373ه. والتقيت الاستاذ «تركي بن جريدي بن فتن الشريف رئيس المركز، فأدرت معه حوارا واسعا. بعد ذلك انتقلت بصحبة: وجب بن زايد العتيبي لزيارة المواقع المختلفة في انحاء المحاني. * ان اسم المحاني مأخوذ من منحنى الوادي اذا تعرج، وفي زمن قديم، سال وادي المحاني هذا، وكان بعضهم يسأل بعضا ماذا بقي من النخل فيقال: المحاني.. المحاني. ثم جرف في طريقه سكانا كثرا مع مواشيهم، ولجأ بعضهم الى اطرافه ومنحنياته للنجاة، فنجوا باذن الله، فتحول الاسم الى المحاني. وكان يعرف بوادي النعيم سابقا. * واليوم، تتناثر الابنية على ضفاف وادي المحاني، الذي هو من اكبر الاودية، حيث يأخذ سيوله من حرة الروقة، ثم يدفع شرقا في قاع النجيل ثم في السبخاء. ويعرف منذ القدم، بكثرة نخيله. وقيل بأن اول من بنى فيه قصرا، هو «مصلح بن ثعلي» عام 1118ه، واستضاف فيه: راكان بن فلاح ابو حثلين، ومزيد بن هذال شيخ مشايخ عنيزة في قصة معروفة - متوارثة منذ ثلاثمئة عام. وكان اول من سكن المحاني قبل ذلك، قبيلة هتيم ثم تبعهم الروقة. مدينة صغيرة * عندما ارتقيت قمة الجبل المحاذي للمحاني من شرقيها، رأيت مدينة صغيرة حلت محل المحاني البلدة والهجرة، هناك دور حديثة وشوارع ومتاجر ومرافق، وهناك ثلاثة قرون شكلت المحاني على جوانب هذا الوادي، الذي كان يصدر التمور والشعير. ويعرف تمر المحاني بكثرة انواعه وجودتها. «خلاص، مكتوم، حلوة، بيض، لبان، متلبن، عتيق، هراميز» وغيرها. اما اليوم، فلا شعير ولا ماء يكفي للابقاء على مزارع النخيل التي تشكو العطش. بل إن الناس يتضجرون من قلة مياه الشرب. 30 ألف نسمة في قرى وهجر * يبلغ عدد سكان المحاني اليوم، 30 الف نسمة، هم من الثعالية، والمتايهة والغبيات والمغايرة والجداعين والمورقة والمحاقنة والعوالي والذيبة والزراريق والطلوح، وكلهم من الروقة من عتيبة. ويعملون بالزراعة والتجارة وتربية الماشية والوظائف الحكومية وسكناهم في قرى وهجر كثيرة منها : «القصر، وهي حاضرة المحاني وبها المراكز والمرافق الادارية، ثم صنعاء، والمجمعة والحامض والقرارة، والحمراء، والخضر، وعشيرة مكتن، والبدائع، والبيضاء، والصالحية، وسويد، والحفائر، ودغبج، والسالمية، والعدل، والسرار، والكراع، والعبلة، والقاهرة. والقاهرة سميت بهذا الاسم لان اول من بنى بها دارا كانت له زوجة مصرية..! ولعل قرية صنعاء لذات السبب. جبال وأودية وحرات * تشتهر هذه النواحي، بكثرة الحرات ذوات الحجارة السود، ومنها تتفرع الاودية والجبال. * واكبر هذه الحرات هنا، هي حرة الروقة التي تمتد من الجنوب الى الشمال بمحاذاة وادي العقيق - عقيق عشيرة - فهي تربط بين جغرافية الحجاز جنوبا، وجغرافية المدينةالمنورة شمالا. * ومن اودية المحاني الشهيرة: وادي المحاني الذي يبلغ طوله حوالي 50 كيلا ووادي مكتن، ووادي الحفائر، فهي تصب في وادي العقيق منحدرة شرقا الى النجيل في الفريع، ثم السبخاء. * ومن اشهر جبالها: نعام، والطراة، والمشاوي، وهي على 30 كيلا من غربي المحاني. وهناك جبال اخرى تنتظم حرة الروقة شمالا وجنوبا حتى بسيان في ركبة. مرافق وخدمات * أول جهاز خدمي في المحاني هو مركز الامارة عام 1373ه. واداره من ذلك الوقت الى اليوم كل من: عبد الله بن مصلح بن ثعلي، وسعد البراهيم النفيسة، ومحمد سعد العريفي، وعبد العزيز عبد الله المسعود، وحسين عبد الله العساف، ولافي علي الحارثي، ثم تركي بن جريدي بن فتن رئيس المركز الحالي. * وهناك مرافق اخرى منها: محكمة شرعية، مركزان صحيان، ومكتبا بريد، ومكتب للاتصالات والبرق، وآخر للأوقاف والمساجد، ومركز دفاع مدني ونقطة امن للشرطة، ومكتب فرقة مواصلات. * اما اول مدرسة انشئت هنا، فكانت عام 1381ه، وكان عدد طلابها يومذاك 60 طالبا. ويوجد في المحاني اليوم حوالي 20 مدرسة للبنين والبنات للمراحل الثلاث اضافة الى معهد معلمات على ان تحويله الى كلية امر يبدو وجيها في هذه المرحلة والطلاب والطالبات هنا 1600 طالب وطالبة. قصور .. ودور..! * لفت نظري في المحاني امران هما، كثرة النخيل، وجمال القصور الاثرية، فالحرار السود المحيطة بالمحاني لا يخفف من وطأة حرارتها مثل هذا النخيل الذي ينتظم الوادي كله، وان غلب السواد على الوادي وما يحيط به من حرار وجبال. * ووقفت هنا على ثلاثة قصور تاريخية على ثلاث قمم بطرف الوادي، هي غاية في الجمال، ويمكن اعدادها من المعالم السياحية والتاريخية الجيدة. * فقصر «ابن ثعلي» الذي بني من حجر وطين عام 1118ه، ما زال شامخا بطرف مزارع النخيل، وحوله دور جميلة، وسبل بينها ومسجد قديم. * ويروي صقر بن زايد الثعلي رئيس مكتب الاوقاف ابياتا لطيفة في هذا القصر، وفي ايامه الخوالي، قالها مزيد بن هذال، شيخ مشايخ عنزة عندما حماه القصر وصاحبه بعد حادثة اعتداءتعرض لها في ايامه حيث يقول، وكان قد اصيب في رجله: عليت يا رجلا بها الشمع مطبوع ما باقي الا سبتها والعظامي مرفوع يا قصر الاجاويد مرفوع قصرا لعله ما يجيه الهدامي مرفوع يا قصر بعيد عن الجوع يا قصر عكفان اليدين الكرامي ما همي الا ان حجر الزمل بجموع وطار الغطا عن لابسات اللثامي قضيت عمري كني العبد مبيوع ليا درهما حيران سود الجهامي * اما قصر ابن شهيل، فهو يتوسط مزرعة جميلة يغلب عليها النخل، ويغلب على بنائه الطين. لكن قصر شويمي بن جديع، هو ارفع هذه القصور، اذ يعتلي قمة تشرف على كافة ما حولها. وهو اليوم متهدم، وبالكاد يرى منه بقايا لا غير. المنقى والبرك * لا يعرف درب زبيدة، درب الحاج العراقي الشهير الذي مهدته وأمنته زوجة الخليفة، هارون الرشيد السيدة زبيدة، من العراق الى مكة في نهاية القرن الثاني الهجري، لا يعرف اليوم عند البوادي هنا الا انه المنقي، من التنقية، اي التمهيد والرصف. وهذا هو حاله في كثير من اجزائه وهو يمر بأطراف المحاني بمحاذاة وادي العقيق، ويتقاطع معه احيانا. * ومن معالم هذا الطريق التاريخي الباقية، برك وآبار، ورسوم لمحطات وحراسات ونحوها. ومن بركه العقيق - المحرابة - الغزلانية - المسلح - زبيدة وغيرها. * ومن آثار المحاني، ماهو موجود في ماضب والوطية، وهي في استلام ادارة الآثار. شخصيات في المحاني * يحفل سجل «الذاكرة» في المحاني، بأسماء شخصيات ورجال زاروا هذه البلدة او خرجوا منها في مراكز واعمال كبيرة. * من الشخصيات المهمة التي زارت المحاني: الامير احمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية والامير سعود بن عبد المحسن امير منطقة حائل، وزير المواصلات ناصر السلوم، والشيخ محمد العذل، ومحافظ الطائف فهد بن عبد العزيز بن معمر. * أما المشاهير من ابنائها فمنهم: «مصلح بن ثعلي، طالع بن عائض بن متية، عبد الهادي بن ثعلي، ضيف الله بن معجب الثعلي، شباب بن صويلح بن ثعلي، شويمي بن جديع الجديعي، سعيد بن نور المحقني، عبد الله بن عواد الغبيوي، لاحق بن فواز الثعلي، صقر بن رايد الثعلي، صالح بن محمد العتيبي». * اما الذين تخرجوا في مدارسها فمنهم: الدكتور عائض بن خزام الروقي، الذي يعمل حاليا في جامعة ام القرى، واللواء متقاعد دكتور ابراهيم بن عويض الروقي، والعميد شلاح بن زايد الروقي، في كلية الحرس الوطني بالرياض. وغيرهم كثر. ماذا عن شبابنا..؟! * على كثرة اهتمام الناس بفتح المتاجر والحوانيت والمقاهي، لا تجد من يفكر في فتح ناد رياضي او ترفيهي او ثقافي.. والصحف لا تباع هنا..!! * هذه ظاهرة عجيبة..! * ان القرى التي تنمو وتتوسع حتى تصبح في منظومة المدن، لابد لها من متنفسات تخدم الشباب، وتسهم في تنمية مهاراتهم، وتوجيه طاقاتهم. والمحاني التي فيها اليوم 1600 طالب وطالبة، تفتقر لمثل هذا.. وتنصبّ مطالب الناس على ادارة جديدة، او مركز جديد. لكن لا احد يهتم بالثقافة والرياضة والفن.. لماذا..؟! * طالما سألت نفسي هذا السؤال سواء في المحاني، او في غيرها من هذه المناطق التي ارى انها هي الاحوج لايلاء مزيد من العناية بخدمة الشباب ورعايتهم.. فهل تنوب الرئاسة العامة لرعاية الشباب عن الاهالي في التفكير في مثل هذا الامر..؟ مطالب وهموم * بعد جولة للاستطلاع والتصوير دامت الى ما بعد الظهر، اجتمعت في مقر المركز برئيس المركز تركي بن جريدي بن فتن وعدد من الاعيان منهم: محمد بن حمد شهيل، وصقر بن زايد الثعلي، وعواض بن حظيظ الزلامي. ودار حوار حول هموم الناس هنا، ومطالبهم وفيما يلي اوجز نتيجة هذا الحوار: 1- تقع المحاني على بعد 80 كيلا من كشب وبينهما طريق ترابي، لو شق وزفت لخدم كثيرا هذه الجهات. وهي كذلك على بعد 150 كيلا من المدينة، وهذا طريق لو زفت لوفر ربطا مهما بين اطراف الحجاز الشرقيةوالمدينة. 2- يوجد حاجة ماسة لاقامة مستشفى بدل المركز الصغير غير المكتمل. 3- الخدمات البلدية غير جيدة ووجود فرع للبلدية قد يسهم في ازالة الازبال المتراكمة وتنظيم العمران وتوفير الشروط الصحية في مطاعم ومخابز يديرها عمال آسيويون في هيئات مزرية غير نظيفة. 4- هناك مخطط غير معتمد منذ 20 عاما والناس ينتظرون، والبلدية تماطل..؟! 5- يرى بعضهم اهمية وجود وحدة للهلال الاحمر لكثرة الحوادث هنا. 6- ونبه بعضهم الى ارتفاع نسبة الأسر المحتاجة وكذلك البطالة بين الشباب فما هو دور الضمان الاجتماعي وكذلك الجمعيات الخيرية. 7- وفي قرية العدل التي تبعد عن المحاني سبعين كيلا. يرى اهلها انها تحتاج الى تغطيتها بخدمات بلدية وامنية كافية. هاتف وكهرباء * لاحظت انتشار الهاتف الثابت هنا، وكذلك تشغيل الهاتف الجوال، وانعكس هذا على حركة السكان ونشاطهم ايجابا بطبيعة الحال. * اما الكهرباء فهناك اعمال لنصب الاعمدة ومد الشبكات والناس في انتظار النور قريبا ان شاء الله. أما الماء..؟! * اما الماء.. فهو «أم القضايا» اليوم، ان الشكوى من قلته ترتفع حدة يوما بعد يوم، فالآبار تنضب والامطار شحيحة، والامل في رحمة رب العالمين. واعتقد ان حفر مزيد من الآبار الارتوازية، وانشاء السدود، هو المطلب الاقرب على مدى بضع سنوات قادمة. هموم في قصيدة..!! * في ختام زيارتي للمحاني، زرت ادارة اوقافها، وقابلت مديرها صقر بن زايد الثعلي، واطلعت عنده على قصيدة طريفة، تجمل هموم اهالي المحاني في هذه الابيات التي صيغت على شكل اسئلة متى بروج الكهرباء تاصلنا متى يجينا الهاتف الجوال؟ متى المجمع ياصل المحاني متى يجينا مركز الاحوال متى يجينا مركز للشرطة لان البلد يسلم من الانذال من وقت فيصل والطلب محمينة ليا قلت وصلة جالها عرقالي هذا يجي منا والآخر منا ما نعرف الرجلي من الخيال حتى الحوادث نقصوا عددها حطوا وقوعات مغير خيال متى يؤسس عندنا مستشفى متى يجينا مركز الاحوال متى المريض نوصله للطائف متى يجينا مركز الهلال ان كان ابه زيف يرحمه الله الوقت حر ولا عليه ظلال خطرا عليه انه يغلق دمه وفي الطرق ماله عليه مجال * الى ان يقول في هذه القصيدة التي القاها أمام محافظ الطائف يوم زار المحاني: برامج التلفاز ما نسمعها بعد المسافة وقف الارسال حتى المرور نشوف دورياته ولا يجينا منتدب جمال جمال وصقور وسمر * وأثناء عودتي من المحاني، لم اشاهد جَمَّالاً ولا جَمَّالِيّة، ولكني شاهدت جِمَالاً كثيرة ترعى، وشاهدت كذلك صقورا وقماري وحجل وعقبان، ثم اشجارا خضرا كثيرة من اشهرها : السَّمر، والطلح، والسدر والسلم. * انها طبيعة الحرار السود، لا تخلو من أشياء جميلة ومفيدة.