كان مريضي الأخير تلك الليلة، دخل إلى العيادة يعرج ويبدو عليه الإرهاق والألم. لقد وصل لتوه من كندا بعد رحلة طويلة لمدة أربع عشرة ساعة بالطائرة. قال لي: لقد عملت طوال الرحلة لإنهاء الكثير من العمل المكتبي المتراكم. في نهاية الرحلة بدأ الألم في ساقه ثم تبعه تورم في الرجل والساق وجاءني الآن يبحث عن العلاج. فحصت الرجل ووجدت تورما في الساق مع ألم شديد عند لمس عضلات الساق وكان ذلك متصاحبا مع أوردة منتفخة وظاهرة في الطرف السفلي. كان التشخيص واضحا أنها جلطة في أوردة الساق العميقة. تقوم ثلاث شبكات من الأوعية الدموية بتزويد الجسم بالغذاء والأكسجين اللازم ثم نقل الفضلات. الشرايين تنقل الدم من القلب إلى الأنسجة والأوردة تعيد الدم من الأنسجة إلى القلب والرئتين. هناك أيضا أوعية مجهرية صغيرة تسمى الأوعية الليمفاوية تنقل السوائل من الأنسجة إلى غدد ليمفاوية صغيرة ومنها إلى الأوردة لتدخل الدورة الدموية. الأوردة في الأرجل تنقسم إلى سطحية، وتراها كخطوط زرقاء تحت الجلد وأوردة عميقة بين العضلات داخل الساق. اتجاه جريان الدم يكون من السطح إلى الداخل ثم إلى أعلى باتجاه القلب. يضمن هذا الاتجاه المضاد للجاذبية انقباض العضلات في الطرف السفلي بالإضافة لوجود صمامات تمنع عودة الدم في الاتجاه المعاكس أي إلى الأسفل والخارج. تنشأ الدوالي عندما يضعف جدار الوريد أو عند وجود خلل في الصمامات داخل الوريد والتي تمنع جريان الدم إلى الخلف. في هذه الحالة تتوسع الأوردة الخارجية وتتعرج وتظهر الدوالي في الطرف السفلي وخاصة عند الوقوف. تزداد إمكانية الإصابة بالدوالي بازدياد العمر وخاصة عند السيدات. يلعب الحمل المتكرر دورا مهما في نشوئها وزيادتها. كما أن هناك علاقة بين الدوالي وزيادة الوزن وكذلك الوقوف الطويل في بعض أنواع العمل مثل المدرسين والجراحين والحلاقين وغيرهم ممن تتطلب أعمالهم وقوفا طويلا. الغذاء قليل الألياف وبالتالي الإمساك والجلوس لمدد طويلة في الأعمال المكتبية يزيد من إمكانية الإصابة بالدوالي وازديادها في حالة الإصابة بها. كما أن هناك استعداداً وراثياً عند بعض العائلات للإصابة بالدوالي. تظهر الدوالي على الأطراف السفلية وخاصة عند الوقوف ويشكو المريض من ثقل في الأرجل, خاصة بعد وقوف طويل أو في المساء بالإضافة إلى تورم وبعض الألم. كما يشكو أحيانا من حكة في اسفل الساق وتقلصات في العضلات ليلا. هذه الأعراض تزداد وتسوء بعد الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة كما تتحسن بالحركة وعند رفع الأرجل لمستوى أعلى من القلب بحيث يسهل جريان الدم في الأوردة في الاتجاه الصحيح. ليس تشخيص الدوالي كافيا. إن من المهم أن نعرف هل هي دوالي أولية نتجت عن قصور في الصمامات الوريدية أو نتيجة لضعف في جدار الوريد. أو هي دوالي ثانوية نتجت عن انسداد الأوردة الداخلية كما في حال المريض. يتم التفريق بين الحالتين عن طريق فحص للأوردة إما بالموجات فوق الصوتية أو بحقن مادة ظليلة داخل الوريد وتصوير الأوردة شعاعيا. من المهم أن يبدأ علاج الدوالي مبكرا فالدوالي المهملة تؤدي لمضاعفات قاسية مثل تجلط الدم في الأوردة سواء السطحية أو العميقة. تتشكل الجلطة بسبب سكون الدم وحركته البطيئة داخل الأوردة. سكون الدم يؤدي أيضا إلى تلون الجلد في الحالات المتقدمة باللون البني أو الأسود ونشوء تقرحات قي أسفل الساق. يسبب ذلك تسرب مواد من الدم، وخاصة الحديد، إلى الجلد. في حال تعرض الساق المصابة لأي صدمة أو جرح في مكان الدوالي فقد يؤدي ذلك إلى نزف شديد. عدم تحريك الأطراف السفلية لمدد طويلة يؤدي إلى سكون الدم في الأرجل وتغييرات في الجدار الداخلي للوريد وكذلك زيادة قدرة الدم على التجلط هذه العوامل جميعها تؤدي لنشوء الجلطات الوريدية. الجلطات الدموية في الأوردة قد تؤدي إلى نتائج خطيرة ، فقد يدفع الدم الجلطة داخل الوريد لتصل إلى الطرف الأيمن من القلب والى الرئتين مؤدية لمشاكل صحية خطيرة. الوقاية خير من العلاج, حكمة عربية قديمة. الحركة الجيدة للدم داخل الأوردة وخاصة العميقة والتقليل من إمكانية تجلط الدم هي الوسيلة لمنع هذه التجلطات وخاصة في حالات عدم الحركة كما في العمليات الجراحية والوقوف أو الجلوس الطويل مثل رحلات الطيران الطويلة أو الأعمال المكتبية. تحريك الأطراف السفلية وخاصة الأقدام ورفع الأرجل مفيد جدا في هذه الحالات فهو يسهل حركة الدم في الاتجاه الصحيح. كذلك استعمال جوارب خاصة تضغط الأوردة السطحية وتسرع مرور الدم في الأوردة العميقة يمنع التجلط ويستعمل عادة في حالات الدوالي كعلاج وكواقي في حالات العمليات الجراحية.أما الأدوية المانعة لتجلط الدم فقد تؤدي لزيادة النزف في حالات الإصابة بجروح ويجب أن يقتصر استعمالها على المرضى المعرضين جدا لحدوث جلطة في الأوردة وتحت إشراف طبي. تعالج حالات الدوالي البسيطة بالأدوية ولبس الجراب الضاغط. أما العلاج بالحقن فهو حل أفضل في حالات الدوالي الأكثر تقدما, هنا تحقن مادة تحطم الجدار الداخلي للوريد المريض وتؤدي إلى التصاقها مانعة الدم من المرور بها وهذا يؤدي إلى اختفائها. لبس الجوارب الطبية لمدة ثلاث أسابيع ضروري بعد الحقن لضمان نجاحه. تجرى الجراحة فقط في الحالات المتقدمة. أثناء العملية تزال الأوردة الرئيسية وفروعها في الطرف السفلي عن طريق جروح صغيرة. تجرى العملية بالتخدير العام ويحتاج فيها المريض ليوم واحد في المستشفى. أدخلت مريضي إلى المستشفى حيث تم علاجه بالمراقبة والراحة التامة في سريره وإعطائه مادة الهبارين لتميع الدم لعدة أيام. هو الآن بصحة جيدة ولكن عليه ارتداء الجوارب الطبية الضاغطة وأخذ عقار الاسبرين مدى الحياة. د. محمد نبيل السيد استشاري جراحة العيادات الاستشارية - مستشفى المملكة