وصف فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بالرياض اطلاق اتهامات التكفير والتفسيق والتضليل دون ضوابط شرعية بأنه فتنة عظيمة تهدد وحدة الأمة الإسلامية، مشيراً إلى أن فكرة التكفير ليست جديدة، وأن أول شرارة منها اندلعت في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستمرت بعد عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وظهور الخوارج. وأضاف د. السدلان في محاضرة بعنوان: «التكفير ضوابطه وشروطه» ألقاها ضمن فعاليات برنامج العناية بالمساجد ومنسوبيها بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض إلى أن الفتن، مؤكداً أن فكر التكفير والتفسيق - في الوقت الحالي - والذي دب بين طوائف من المسلمين خلت بضاعتهم من العلم وانحرفوا عن جادة السلف، يدخل في نطاق البدع والمحدثات التي من شأنها زعزعة الأمن واخافة الآمنين. التشدد في الدين وقد بدأ الشيخ صالح السدلان محاضرته قائلاً: لا شك أن موضوع التكفير هو فتنة عظيمة للأمة الإسلامية، وفكرة التكفير، والتفسيق، والتضليل، هذه فكرة، ليست جديدة، وأول شرارة حصلت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا المذهب أو هذا المنهج المنحرف الضال، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم الغنائم بالجعرانه فقام رجل وقال: إعدل يا رسول الله، وقد وصف هذا الرجل بأنه قصير القامة، كث اللحية، حليق الرأس، ويقال إنه ذو الخويصرة قال: إعدل يا رسول الله، أو اعدل يا محمد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :«من يعدل إذا لم أعدل، ثم قال انه يخرج من ضئضي هذا أقوام تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم، رهبان بالليل فرسان بالنهار رهبان بالليل يقرؤون القرآن، يقيمونه كما يقام السهم، يقرؤونه لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يعودون إليه حتى يعود اللبن إلى الضرع، واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، هل نقتل هذا الرجل فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين لهم - عليه الصلاة والسلام - أن هذا الرجل، رجل فتنة، وأنه ليس هو الذي عليه الحكم، وإنما على من سيخرج من صلبه، وقد خرجوا في عهد علي - رضي الله عنه - وذلك أنه لما قتل عثمان - رضي الله عنه -، وآلت الخلافة إلى علي، بعد ذلك خرجت فئة تطالب بدم عثمان، وبالغوا، وتآمروا على خليفة الإسلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الخليفة الراشد، وعملوا أعمالاً كثيرة وعظيمة، فهم في الحقيقة أي «الخوارج» يقتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، وهم أي الخوارج مبدؤهم هو الشدة والغلظة على الناس، والتكلف، والتنطع، والتشدد في الدين، يبالغون ويتكلفون، ويتنطعون،ويشددون على الأمة في أي قضية يذهبون إليها، أو يقولون بها، وأقوالهم كثيرة وقد تعددت وتنوعت بحسب الأزمنة والأمكنة، والخوارج يرون أن صاحب المعصية كافر، بالمعاصي، ويحكمون عليه أنه في النار يوم القيامة خالداً مخلداً، ويكفرون الحكام بالمعاصي، فإذا قيل لهم إن الحاكم الفلاني عاص فيحكمون عليه بالكفر، ويحكمون على من والى هذا السلطان أنه كافر، فلا يبقى عندهم مسلم إلا هم، الحاكم كافر، والشعوب كافرة ولم يبق إلا هم. مجابهة أئمة الإسلام وأوضح فضيلته أن الخوارج لهم علامات كثيرة لأهل هذا المذهب الفاسق فهم يظهرون في كل وقت ويجابهون أئمة الإسلام - فالإمام أحمد - رضي الله عنه - لما قال الخليفة، لأحمد بن أبي دؤاب ما تقول في الإمام أحمد قال: يا أمير المؤمنين والله إنه كافر مشرك، يعني الإمام أحمد لأنه يقول بأن القرآن غير مخلوق فهذه معصية فهو كافر مشرك، وكذلك أيضاً كانوا يكفرون العلماء والحكام في زمانهم يكفرون من يتولى الحكام، ولهم مظاهر، ولهم علامات ولهم مناهج، فهنا في زماننا هذا، إما خوارج، وإما من يشبه الخوارج فلدينا من يشابهون الخوارج في أقوالهم، وفي أعمالهم، وفي تصرفاتهم، وفي مناهجهم كما أن هناك من هم يحملون نفس المبدأ، والعقيدة، خوارج وهم أهل التكفير والهجرة، يكفرون الناس ويستحلون دماءهم، ونحن لا نريد أن نمثل بأحد لأننا في هذا الزمن الكلام ينتشر، ويُحمل على غير معناه، ولكن بعدما نقرأ عليكم العلامات، ونبينها لكم، تستطيعون في أنفسكم كل واحد يستطيع أن يطبق على من يعرف فيه هذه الصفات. وواصل فضيلته القول: إن المتأمل في أحوال ذلك الفكر المنحرف يجد وصف نبي الله - صلى الله عليه وسلم - منطبقاً عليهم تمام الانطباق فقد جاء في وصفهم في الأحاديث المخرجة في الصحيحين وغيرهما أنهم، أولاً: حدثاء الأسنان ويعني صغاراً ليسوا علماء وإنما هم أحداث، ثانياً: سفهاء الأحلام أي ليسوا من ذوي العقول الراسية، وليسوا من الناس المتأنين المطمئنين الذين عرفوا برسوخ العقل، وبالطمأنينة وبعدم العجلة، وكذلك ظهورهم بمظاهر مخالفة للمجتمع يجعلونها شعاراً لهم، يعرفون به كما قال - صلى الله عليه وسلم في وصفهم «محلقة رؤرسهم»، وفي حديث آخر «سيماهم التحليق» ويقول العلامة المحقق الشاطبي - رحمه الله - في كلامه عن فرقة الخوارج وفكرها فقد عرف عليه الصلاة والسلام بهؤلاء وذكر لهم علامة في صاحبهم، وبيّن من مذهبهم في معالجة الشريعة أمرين اثنين، أحدهما اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصدهم يعني يأخذون دليلا واحدا ويتركون ما سواه ولا يجمعون بين الأدلة، ويأخذون بظاهر النص، والثاني قتل أهل الإسلام، وترك أهل الأوثان، قتلوا خباب - رضي الله عنه - وهو من سادة الصحابة - رضي الله عنه -. دعاة التكفير والتفسيق وبعد ذلك تطرق فضيلة الشيخ السدلان إلى آثار التكفير والتفسيق فقال: منها تفرق المجتمع وتحزب الناس، تباغضهم، ظهور الفتن، إلى أن يأتي إلى حمل السلاح واستحلال دماء. الخوارج الآن يقتلون من يقتلون، ويعتبرون أنفسهم أنهم قاموا بأجل عمل، وأنهم تقربوا إلى الله بقتل هذا الانسان، بل يقتلون النساء والأطفال، يقول أن هؤلاء رضوا بهؤلاء الحكام، ومن رضي بالكافر فهو كافر، وتسمعون الحوادث في كل مكان من هذا النوع، ولم تزل مظاهر غلو دعاة التكفير والتفسيق ظاهرة للعيان فمن قبل عرفوا بتكفيرهم من خالف منهجهم، حتى ولو كان من خالفهم ممن شهدت له الأمة على إمامتهم، يعني كفروا علي بن أبي طالب، وكفروا جماعة كثيرة من الصحابة، ومن حكام المسلمين، ومن أمراء الإسلام. وأوضح فضليته أن في وقتنا هذا دب فكر التكفير والتفسيق الخاطئ بطوائف من المسلمين مما خلت بضاعته في العلم، وانحرفوا عن جادة السلف، فمنهم من كفر حكام المسلمين، بل وكفروا رعيتهم، ومبنى التكفير للحكام أنهم لم يحكموا بما أنزل الله، وأما المحكومون يرون أنهم راضون بولاة الحكام ولاة عليهم، ومن لم يرض بمنهجهم كفروه، فصاروا يعدون أنفسهم جماعة الحق دون سواهم فكفروا العلماء الذين يخالفونهم، أو يبدعونهم، ويسمونهم بأنهم علماء سوء، يوالون الحكام لمصالحهم الشخصية، ثم دعت تلك الفرقة إلى محاصرة المجتمعات بأسرها، واعتزلوا المجتمعات، وهاجروا وسموها الهجرة ولجأوا إلى المغارات، وإلى الغابات وإلى الابتعاد عن الناس، وإلى اعتزال العلم والعلماء، ودعوا إلى الأمية يقولون حتى ينطبق علينا قول - الله جل وعلا - {هٍوّ الذٌي بّعّثّ فٌي الأٍمٌَيٌَينّ رّسٍولاْ مٌَنًهٍمً يّتًلٍو عّلّيًهٌمً آيّاتٌهٌ وّيٍزّكٌَيهٌمً وّيٍعّلٌَمٍهٍمٍ الكٌتّابّ وّالًحٌكًمّةّ وّإن كّانٍوا مٌن قّبًلٍ لّفٌي ضّلالُ مٍَبٌينُ}وقد بلغ بعض أفراد تلك الطائفة أن استحلت الأموال العامة، وسعت إلى اتلاف ما أمكن إتلافه،ومحاولة زعزعة الأمن، وإخافة الآمنين فعندهم عقيدة في هذا الأمر. واستشهد فضيلته بقول ابن تيمية - رحمه الله - «فمن شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ويكفرون من خالفهم فيها ويستحلون دمه»، وقال: إن بدعتهم هذه يجعلونها من واجبات الدين ويكفرون من خالفها كفعل الخوارج، والجهمية، والرافضة، والمعتزلة، وغيرهم، وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفاً لهم مكفراً لهم، مستحلاً لدمائهم، كما لم تكفر الصحابة الخوارج، مع تكفيرهم لعثمان وعلي - رضي الله عنهما - ومن ولاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفة لهم، فالكفار الآن شمتوا بالمسلمين لأنهم شوهوا دين الإسلام. قواعد وضوابط التكفير وتساءل الشيخ السدلان عن منشأ هذا الفكر عندهم، ولماذا هذه الفرقة تقول بهذا القول بتكفير الناس بهذا التنطع وبهذا التكلف، فأجاب قائلاً: هناك أسباب عدة منها، الجهل بأحكام العصمة، فهم لا يعرفون أحكام عصمة الدماء، وثانياً البناء على الخطأ الموروث من فرقة الخوارج فورثوا عنهم أخطاءهم وقاموا بها وساروا عليها وزادوها في هذا الزمان. وتحدث فضيلته بعد ذلك عن قواعد وضوابط التكفير، وقال: إن العلماء والأئمة وفطاحل هذه الأمة لا يتجرؤون على التكفير، فالتكفير مسألة لا نبحث عنها وليس مطلباً شرعياً أن نبحث عن الكافر، ونحن لم نؤمر بالتكفير، بل أمرنا بأن نسعى إلى ادخال الناس في دين الله، وإلى اصلاح أحوال العصاة من المسلمين، وإلى التقليل من العصاة، ومن الكفار، وادخال الناس في دين الله أفواجاً. وأبان الشيخ صالح السدلان أسباب مظاهر التكفير والتفسيق، وقال من أبرزها: الأول الجهل فلا علم عندهم وليس عندهم إلا العناد وتقليد بعضهم البعض، والسبب الثاني الاكتفاء بالعلم الشرعي بما تيسر ولو كان قليلاً من قراءة أو جلسة أو انتماء لجماعة، أي يكتفي بأن يكون منتمياً لجماعة، لا يعرف كتب العقيدة، والسبب الثالث أن من الجهل الذي طبق على كثير من شباب المسلمين اتخاذ مرجعية خاصة مهما تأمرهم فإنهم يأتمرون، فمرجعيتهم خاصة، شباب مثلهم، سفهاء الأحلام مثلهم، لهم رأي اقتنعوا به فلم يسمعوا غيره، وليس هذا شأن المسلم، فالعالم الذي هو من أكبر العلماء يرجع إلى الحق، والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما قال لهم حبر أو عالم من اليهود: إن الله يضع السماء على أصبع، والأراضين على اصبع و الثرى على اصبع، والشجر على اصبع فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن شأن الله أكبر من ذلك، وتبسم، ولم يكذب هذا الحبر وهذا العالم من اليهود. وواصل فضيلته القول: أما السبب الرابع التحمس للدين، وهو التشدد في الدين على أسس غير صحيحة، والسبب الخامس ضعف جانب العقيدة، ليس لهم معرفة بالعقيدة، ولا حتى المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم- ولا يفهمون ما قاله العلماء، والسبب السادس عدم التأصيل، لم يدرسوا على علماء، من هو العالم الذي يسمى عالم، وليس له شيوخ قرأ عليهم، تجد أن هذا الانسان يفتي ويحكم على الحكام، وعلى العلماء، وإذا قيل له من هو شيخك لا يعرف، وليس له مرجع، والسبب السابع عدم معالجة أمر العقيدة وبيان الأخطاء فيها. انتشاره عند الشباب وبيّن الشيخ صالح السدلان حكم أهل العلم على أصحاب هذا المنهج: لا ريب أن هذا المنهج منهج خاطئ في التكفير والتفسيق، منهج بدعة وضلال، ومن يتأمل في النصوص الواردة في هذا الباب ومن يتأمل كذلك ما آلت إليه بدع هذه الطائفة، يعلم علم اليقين شدة تحريم اتباع هذا المنهج، وأن صاحبه على خطر عظيم إن لم يتداركه الله بالرجوع إليه». وخلص فضيلة الشيخ صالح السدلان إلى القول: إن منهج التكفير والتفسيق الآن انتشر عند بعض الشباب وصاروا يتكلمون فيه، ويتناقشون فيه، ويحكمون على أشخاص من عموم المسلمين، ويحكمون على الحكام، ويحكمون ربما على بعض العلماء، ومن له اطلاع على شبكة الانترنت يعرف ما يقال في هذا المجال، ولا شك أنه أمر خطير وخطير جداً، سائلاً الله أن يعصمنا جميعاً من الخطأ والزلل، وأن يوفقنا للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يحفظ علينا ديننا، وأن يحفظ علينا أمننا، وأن يصلح ولاة أمورنا، وأن يهدي شبابنا إنه على كل شيء قدير.