عندما يطلق الانسان لخياله العنان، يدخل في مجال خياله الوهم وهو يعتقد ان كشوفه المستتبة، تجعله في طليعة السبق والذكر.. او عندما يركن المرء لمقتضيات: كان ولعل وليت، يجد نفسه خارج المدار، يعرض نفسه لفقدان التوازن اذ تتخلى عنه الارض على الرغم من قوة الجاذبية.. ان التردد، هنا، ينفصل عن رحم الحياة، فيقع في التبكيت والتناقض.. كلا الحالين: الذي يرى «المترسخ» في كل شيء، والذي يتردد في اية مصداقية اجتماعية قبلها التاريخ - يطيران فوق الواقع ويقفان ضد التطور وقراءة محركات الانسان وتاريخه في جانبه الاغر. وتبدو صورة واقعنا، وصورة انساننا اشد قسوة في المرآة، في ظل الظروف الراهنة والحراك الدولي وما يترتب عليه من حراك اقليمي، يجد الناس، فيها، انفسهم على مفترق طرق تفتقد لأمل بارق. عندما نصغي لعلماء الاجتماع وخاصة فيما يدور - تحديداً - حول علاقة الفرد بالجماعة، والعكس، نجد ان الذين يتكئون على الفكر الشمولي يميلون لجعل الفرد يستمد قوته وقيمته من الجماعة ليصل في النهاية الى ان يصبح «شيئاً» في آلة وظيفتها محددة، يبقى يدور فيها محجوزاً، مستلب التبصر، بصرف النظر عن «الاثر» الذي يحدثه، او القيمة او المخرج الذي ينتج نشاطه اليومي، وفي هذا الاتجاه قد يدمر التشوف الانساني الى حد بعيد. لكن جرت محاولات مستنيرة لم تنفع في فك الاسار الجماعي بفعل رفض الآلة الجماعية الطامسة، لكن مثل هذه المحاولات فتحت باب الاجتهاد على ابصار جديد للفرد وتداعياته الممكنة داخل نسق مشروع الجماعة. في المقابل هناك من يميل الى الاحادية والفردية التي تكسب ثقة الفرد بقوته وقيمته من ذاته لقناعة من يميل الى هذا الاتجاه الى ان الجماعة او المجتمع يستمد كيانه وقوته وتشكيلات العطاء فيه ومنتجه على كل المستويات من:« مجموعة الافراد»، الفرد، هنا، هو:« الاساس» في - بنية الجماعة - وعماد بنائها وكيانها، وهو «الترس» في الة الانتاج، يدور فيها، ولكنه، في الآن نفسه، يشترك في المدخل ويراهن على المخرجات، لأن التزامه الجماعي، اختاره بحرية، ونفترض درجة مناسبة من الوعي تؤهله حتى يكون اختياره حراً وهو يبني، ويطور، ويرسخ القيم التي تدفع الى الامام وتسابق خطوات العصر العريضة. والمشكلة تكون حادة، حين لا يمتلك الفرد وعيه، وحين لا يسعى المجتمع، في اطار الالتزام، من اجل تكوين هذا الوعي، وتنميته، بل يعمل على محاربته بتراكمات خطابية مقنعة. من خلال ما تقدم، وفي ضوء الاحداث التي تمر بها المنطقة والعالم والحراك العجيب الذي فاق كل التوقعات، والذي تتعرض له القرية الكونية، يجد المرء نفسه بقوة امام مشروعية اسئلة متراكمة متوالدة مثل: ما خيارات الفكر لدى انساننا في المجال التربوي او الاجتماعي او الانساني؟ ايهما الاقدر على التعامل مع مقتضيات العصر ومتغيراته.. الاتجاه الاول ام الثاني؟ الفرد ام المجتمع؟.. ايهما المدماك اولاً؟. هل هناك مكان في الاتجاهين وليس بينهما لانبثاق علاقات تقويهما معاً.. هل ثمة تجربة ناجحة تمثل هذا الانبثاق في تكوين تكاملي بين هذا وذاك!؟.. بداءة، استبعد، في الاجابة ما يسمى:« الوسطية» لأنها، نتيجة وليست اتجاهاً ثالثاً، او مفترق طرق، او نقطة عبور!. «الوسطية» محصلة توفيقية ليست استراتيجية، ليست تنويعاً على تجربة اتجاه ما محتمل.. وبعد هذه البداية، وبكل الاختيار، علينا ان نقدر جيداً مفهوم الوطن الذي يتشكل من فجاجات او من مكونات بيولوجية وانتربولوجية وسيسولوجية وسيكولوجية خاصة تمتد في مواطننا الذي ان تم اعتبارها فيها واحترامها في علاقته بالوطن والمجتمع، غدا صاروخاً عابراً للقارات، يصير طاقة نووية تبني، وتطور، ويصبح قوة في وجه التحديات، من اشدها:« الاعداء». لقد اثبت المواطن السعودي هذه النتيجة في تلاحمه مع قيادته بالاحترام المتبادل، والقوة المتبادلة المتناغمة التي ترهب الاعداء. لقد صار هذا الكيان الكبير المدعوم بالتلاحم الخاص المتميز بين القيادة الجماعية والافراد، شجرة وارفة الظلال جذورها ضاربة في عمق الصحراء للبحث الدائم عن الماء، واغصانها تعانق السحاب الذي يمطرها، وتستمطره احياناً. كل منا يذكر الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي حمل الفرد والجماعة بقيادته على تجديد البيعة واحياء نسج التلاحم على الدوام، وعلى الولاء الذي يتحدى كل العواصف وقسوة التضاريس. يقول خادم الحرمين الشريفين ما نصه:« ان بلادنا مسؤولية مشاعة بين الجميع، فكل مواطن شريف شريك في وحدة هذا الوطن واستقراره». هذه هي التجربة الناجحة التي اوجدت علاقة جديدة تكاملية بين الفردية والجماعية التي اشرت اليها من قبل التي تبقى مفتوحة على دعائم جديدة حيثما استندت إلى جدل بنائي يعطي ويأخذ من اجل صيغة تكوينية حية العناصر تبني الفرد والمجتمع وتترك الفرصة ليبني كل منهما الآخر على ارض الواقع والحقيقة تظللها سماء مقتضيات العصر الذي نمتلك فيه فضاءنا الخاص المتميز الذي من المتوجب ان نوسع آماده من اثيرنا حتى نبقى. والله من وراء القصد.