بعد أن انتهيت من فحص المريض وجلست أشرح لوالده مما يعانيه وفصلت خطتي للعلاج انحنى الوالد علي هامساً وقال: لكن هناك مشكلة أخرى يا دكتور لقد بلغ ولدي الثامنة من عمره وهو لا يزال غير قادر على ضبط بوله أثناء النوم.. بعكس أخته الصغرى التي أصبحت نظيفة في عمر الثلاث سنوات. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أواجه شكوى كهذه فسلس البول «أو التبول غير الإرادي» كثير الحدوث نسبياً «يعاني منه 7% من الأطفال في سن السابعة»، وينبغي التمييز بين نوعين مختلفين من سلس البول، فهناك سلس البول الأولي، وهو الأكثر شيوعاً إذ يصيب 90% من المرضى وفيه تنعدم القدرة على ضبط البول أثناء النوم فقط، ورغم عدم معرفة سببه تماماً إلا أن تأخر نضج المراكز الدماغية التي تتحكم بعملية التبول قد يلعب دوراً مهماً في آلية حدوث المرض، كما أن زيادة إنتاج البول أثناء الليل التي تلاحظ عند هؤلاء المرضى قد تكون ناجمة عن اضطراب في إفراز الهرمون المضاد للإدرار ADH ، وهذا النوع من السلس أكثر شيوعاً في الذكور «ثلاثة ذكور لأنثى واحدة» وغالباً، ما تظهر القصة العائلية وجود بعض الأقارب ممن يعانون المشكلة نفسها. أما سلس البول الثانوي فهو ما يحدث بعد فترة معقولة من التحكم الكامل بعملية التبول، وهذا التبول غير الإرادي يحدث أثناء فترتي النوم والصحو، وأكثر ما يشاهد بعد تعرض الطفل لشدة عاطفية تترافق مع حصول تغيير كبير ومفاجئ على المحيط الذي يعيش فيه الطفل «كالانتقال إلى بلد مختلف أو فقد أحد أعضاء العائلة بالموت أو الطلاق أو قدوم مولود جديد.. الخ»، ويصيب هذا النوع من سلس البول الذكور والإناث بنسب متساوية، ويكثر حدوثه عند الأطفال الخجولين. وقبل أن نصف أي علاج لهذه المشكلة لابد أن ننفي وجود بعض الآفات التي قد تصاحبها أو تسببها كالتهاب المجاري البولية وتشوهاتها والآفات العصبية، وخاصة ما اتصل منها بالحبل الشوكي والداء السكري والصرع وغيرها.. ويجب أن توجه المعالجة نحو السبب إن عرف كما في حالات السلس البولي الثانوي، أما في سلس البول الأولي فيجب أن نطمئن الأهل إلى كون هذه المشكلة ستنحل من تلقاء نفسها، حتى بدون علاج، طالما أنه ليس هناك من آفات مصاحبة لها، كما يجب التذكير أن هذه المشكلة ليست نفسية، ويجدر بالأهل أن يتجنبوا معاقبة الطفل أو تأنيبه إذ إنهم بذلك يزيدون الطين بلة كما يقال، بل يفضل لهم أن يشجعوا الطفل وأن يساعدوه على تغيير بعض العادات كتجنب الشرب مساءً خاصة قبل موعد النوم. وإذا كان الطفل متقدماً في العمر، فإن استخدام وسائل التنبيه التي توقظه عندما يتبول في نومه قد تفيد جزئياً. هناك دور للأدوية بالطبع وفائدتها غالباً ما تكون جزئية، إذ لا يستفيد منها كل المرضى كما أن توقف العلاج قد يعيد المريض إلى ماكان عليه، وأكثر هذه الأدوية استعمالاً هو DESMOPRESSIN ACETATE ، وقد لوحظ أن اكثر من استفاد منه هم المرضى الذين لهم قصة سلس بول عائلية. أخيراً فإن أسوأ ما يمكن أن يصاب به طفل يعاني من سلس البول هو أبوين غير متفهمين لطبيعة مشكلته، مما يدفعهما للشعور بالإحباط واللجوء لمعاقبة الطفل ومطالبته فيما ليس بوسعه في هذه المرحلة من النضج والتطور. د. خالد التركاوي استشاري الأطفال وحديثي الولادة -حائز على شهادة البورد الأمريكي في طب الأطفال - زميل أكاديمية طب الأطفال الأمريكية