نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الخارجية يصل قازان لترؤس وفد المملكة المشارك في اجتماع بريكس    التعاون يتغلّب على التين أسير التركماني بثنائية في دوري أبطال آسيا 2    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    الإحصاء:13.4 نسبة ارتفاع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر    أمير المدينة المنورة يرعى الحفل الختامي لموسم تمور المدينة    بناء الشخصية.. استثمار وطني    إلى وزارة الثقافة مع التحية!    هل انخفاض الشكاوى مؤشر إيجابي ؟!    «ديك فرنسي» يثير نزاعاً قضائياً    «جوجل» تظهر وصفات الطعام بنتائج البحث    أبعاد إنسانية    المطارات للسفر.. لا للمزاح    السعودية وتحديات المنطقة    هوكشتاين في لبنان.. جعجعة بلاطحن    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    في الجولة الثامنة من دوري روشن للمحترفين.. الهلال يواجه التعاون.. والاتحاد ضيفا على الرياض    هكذا يكون الرد يا سالم    «إيثار حيان» المتوجة بذهبية تايكوندو الألعاب السعودية ل(البلاد): الأميرة «دليل» آمنت بموهبتي.. وكثيرون راهنوا على خسارتي    الدرعان مديراً بمجمع إرادة والصحة النفسية    أفراح حلواني وراشد بقران الدكتور عاصم    صيني ينسى زوجته الحامل في الشارع    عبدالعزيز بن ماجد يواسي آل مقبول في فقيدهم    نائب مدير عام الجوازات يتفقد سير العمل في جوازات منطقة القصيم    ضمن الأنشطة المدرسية.. ابتدائية زيد بن الخطاب تُتوج بدوري كرة القدم    «هاكثون الإبل».. تعزيز الموروث الثقافي    بمبادرة من المملكة.. انطلاق الأسبوع العربي في "اليونسكو" نوفمبر المقبل    امرأة يمَّمت وجهها شطر الإبداع.. عن ابنة «بيت الحكمة» أكتب    المُعمِّر السعودي.. حكاية انتهت بقوتها ورشاقتها    فلتان ملعون    حدثوني عن مقبرة الأحلام    "التخصصي" يعزز مكانة المملكة في السياحة العلاجية    بصمة الرؤية تظلل الملتقى الصحي!    احتفال الثبيتي بزواج راكان    تركيا: أربعة قتلى و14 جريحاً في هجوم على شركة صناعات الفضاء    ثبات المواقف    الحليسي يحتفي بدكتوراه ريم    6 مناطق تسجل ارتفاعا في العقار يفوق الرياض    18 مليونا تذاكر السينما المباعة    أمير جازان يدشّن مهرجان الفل والنباتات العطرية الثاني بمحافظة أبو عريش    مانشستر سيتي يسحق سبارتا براغ بخماسية في «أبطال أوروبا»    للمرة الخامسة.. نجم القادسية آل مخلص بطل العالم للجوجيتسو    201 ألف وظيفة في اللوجيستيات بحلول 2030    مرضى اضطراب الزورانية غير مسؤولين جنائيا    4 تقنيات بمؤتمر تطورات طب الأطفال    «هاتريك» رافينيا يقود برشلونة لكسر عقدة بايرن ميونخ برباعية    القبض على (3) مقيمين في جدة لترويجهم مادة الحشيش المخدر    المعلومة بين الحقيقة والوهم    في ظلال موسى.. الإنسان القلِق الخائف    أمير القصيم يستقبل نائب مدير الجوازات    مساعد وزير الداخلية لشؤون التقنية يزور جناح وزارة الداخلية في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    4738 طالباً يتأهلون لمسابقة «موهوب»    نائب أمير الرياض يعزي ابن شوية وابن حضرم    السفير الإيراني يزور مجمع طباعة المصحف الشريف    المصارير يتنازلون عن قاتل والدهم لوجه الله تعالى    جامعة الأمير سلطان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوقعان اتفاقية تعاون مشترك لإنشاء مركز فكر سعودي متخصص في الدبلوماسية العامة    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبدالله بن سالم الزهراني
العراق مهد الحضارات ومعبر الصراعات..ماذا يخبئ له القدر؟
نشر في الجزيرة يوم 11 - 04 - 2003

محاولة لإيراد لمحة تاريخية عن هذا البلد الذي لم يكد يختفي اسمه من أي وسيلة إعلامية طوال 22 عاماً.
وهكذا الحال في صفحات التاريخ منذ أكثر من 6000 عام، وإن اختلفت المسميات لعين المكان إلا أن المكان هو عينه وهو في حدوده وإن اعتراه مد وجذب خلال حقب تاريخية معينة.
العراق الذي انتهى إلى هذا المسمى هو مهد للحضارات ومعبر للصراعات، موزوبتوميا أو أرض ما بين النهرين «دجلة والفرات» وأرض الهلال الخصيب أو على الأقل الجزء الرئيسي منه.
لعل أرض الرافدين هي أول أرض شهدت حضارة تركت بصماتها وآثارها حتى وقتنا الحاضر من خلال ما تبقى من آثار عمرانية أو آثار مدونة على الصلصال من كتابات وخرائط، هذه الحضارة الموغلة في كبد التاريخ كانت سابقة لحضارات الفينقيين والفراعنة والأغريق والرومان.
لقد بدأت حضارة سومر على رأس الخليج أي في الطرف الجنوبي من العراق واتخذت من مدينة أور الشهيرة عاصمة لها، قامت هذه الحضارة بناء على أساس موردين طبيعيين أساسيين هما الماء والتربة الخصبة، وساهم الأول في خلق الثاني أي أن المياه المتدفقة من نهري دجلة والفرات جلبت الإرسابات الطينية على مر الأزمان وأوجدت تربة طينية فيضية من أصلح التربات للزراعة.
ولعل أول الصراعات التي واجهتها هذه الحضارة كانت مع الطبيعة، أي مع نهري دجلة والفرات. إن عبور هذين النهرين لأراضي سومر رغم أنهما كانا يمثلان مصدر العيش إلا أنهما كانا يمثلان أيضاً مصدراً للخراب والدمار والكوارث على المحاصيل وعلى السكان من خلال فيضانهما الذي يحدث بشكل رئيسي مع ذوبان الثلوج على هضبة أرمينا وجبال زاجروس.
إن ذلك الفيضان كان يفاجئ الناس في تلك المنطقة ولم تكن هناك تلك الوسائل التي يمكن أن تحذر الناس وتعلمهم بمقدم الفيضان الذي لم يكن له موعد محدد أو بالأصح أيام محددة.
ربما اكتسب سكان وادي الرافدين خبرة فيما بعد وتعرفوا على أوقات مقدم الفيضان الذي يبدأ في أوائل الربيع ومع بداية ذوبان الثلوج وإن اختلفت مواعيد فيضان النهرين، على كل حال الصراع مع هذين النهرين استمر ربما منذ ذلك الوقت وحتى بداية القرن العشرين رغم أن السومريين ابتكروا أنظمة للري مميزة وحاولوا التخفيف بقدر المستطاع من حدة فيضان النهرين.
إن الأرض الخصبة والمياه المتوفرة دفعت السومريين إلى استنبات أصناف من الحبوب مما وفَّر منتجات وفائض زراعي جيد ربما دفعت بالعديد من الناس من مناطق عديدة للهجرة إلى هذه الأراضي.
إن تلك الحضارة في وادي الرافدين والتي أخذت مسمى الحضارة البابلية فيما بعد لم يطلق عليها حضارة إلا لأنها تركت بصمات وآثاراً واضحة تدل عليها، هناك تأكيدات على أن أول محراث بدأ في وادي الرافدين وأن أول تقسيم للدائرة إلى درجات ودقائق وثوان بدأ في وادي الرافدين وإلى أن أول نظام مالي بنكي بدأ في وادي الرافدين وإلى أن أول استخدام للصلصال لحفظ المعلومات ورسم الخرائط بدأ في وادي الرافدين وإلى أن أول استنبات لأنواع من الحبوب ربما العدس كان واحداً منها كان في وادي الرافدين وربما البدء في حرفة الزراعة كان في وادي الرافدين. ناهيك عن استخدام المزاول والمراقبة الفلكية وربما أول تقويم بدأ في وادي الرافدين، على كل لم يقتصر صراع السومريين مع دجلة والفرات وكان لا بد لهم أن يصطدموا مع مجموعة سكانية أخرى قطنت شمال أراضي السومريين ألا وهم الأكادييون الذين يعتقد أنهم من أصل سامي ويعتقد أنهم قدموا من جزيرة العرب، في الألف الثالثة قبل الميلاد تمكن الملك سرجون ملك الآكاديين من إخضاع مملكة سومر والاستيلاء عليها ودمجها مع مملكة الآكاديين وجعل عاصمتها أكاد، ويعتقد ان هذه المملكة لم تدم طويلاً رغم انها امتدت إلى بلاد الشام، حيث عادت مملكة سومر إلى الوجود قبل نهاية الألف الثالث قبل الميلاد.
وفي النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد بدأ صراع آخر وانهارت مملكة سومر على يد حمورابي وأوجد مملكة أو إمبراطورية واسعة لم تقتصر على وادي الرافدين وإنما شملت بلاد الشام حيث الدولة العمورية التي انطلق منها حمورابي بما في ذلك ما يعرف الآن بلبنان، كما يعتقد أيضاً أنها ضمت أجزاء من سواحل الخليج العربي، وازدهرت امبراطورية حمورابي والتي اطلق عليها الحضارة البابلية، اشتهر حمورابي بقوانينه التي ربما تم تبني بعضها من قبل أمم لاحقة مثل العين بالعين والسن وبالسن انتهت الامبراطورية الحمورابية البابلية إن جاز التعبير قبل 1500 قبل الميلاد إثر صراع مع مجموعة سكانية أخرى ذات أصول غيرمعروفة استقر بعض منها في إيران والبعض في أوربا وفرع منها دمر الإمبراطورية البابلية، ثم جاء الحثيون واستمر الصراع وربما عدم الاستقرار حتى بداية الألف الأول قبل الميلاد حيث جاء الآشوريون الذين ارتبطت اسماء بعض قادتهم بالعنف والتعذيب والقسوة فهل التاريخ يعيد نفسه، ولكن الآشوريين برعوا في الفلك والرياضيات وغيرها أيضاً.جاء الكلدانيون ناقمين على تعسف الآشوريين خلال النصف الأخير من الألف الأول من قبل الميلاد ولعل أشهر ملوكهم «نختبنصر» الذي استولى على بلاد الشام وفلسطين ودمر القدس ولكنه أحيا تراث البابليين وبنى على يد ابنه حدائق بابل المعلقة والتي تعتبر من عجائب الدنيا السبع حيث يقال إنه بناها إرضاء لزوجته التي قدمت من الجبال الغنية بالأشجار وضاقت ذرعاً بالسهول. على كل حال لم تسلم بلاد الرافدين من غزو روماني خلال النصف الأخير من الألف الأول قبل الميلاد إلا أن وادي الرافدين وقعت في نهاية الأمر تحت حكم الإمبراطورية الفارسية التي بقيت في صراع مع الإمبراطورية الرومانية على أرض الرافدين حيث استمر حتى جاءت الفتوح الإسلامية في القرن السابع الميلادي وبالتحديد عام 634م، حيث فتحها القائد خالد بن الوليد في عهد الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث وقعت معركة ذات السلاسل بين المسلمين والفرس. استمر الصراع بين الفرس والمسلمين ووقعت معارك دامية وفاصلة مثل الحيرة والبويب والقادسية، أسست مدينة الكوفة والبصرة في عهد الخليفة عمر وشكلت الكوفة العاصمة السياسية وربما كانت البصرة تشكل العاصمة التجارية حتى في عهد الخلافة الأموية.
أسس أبو العباس الدولة العباسية التي ازدهرت في عهدها الحضارة الإسلامية وتأسست مدينة بغداد في القرن الثامن الميلادي وأصبحت عاصمة للخلافة والدولة العباسية وفي عصر الدولة العباسية أصبحت بغداد مركزا حضاريا على مستوى العالم، كانت مركز الاشعاع الثقافي والفكري، أنجبت الفلاسفة والأطباء والرياضيين والفيزيائيين والكيمائيين وغيرهم من العلماء.
على كل حال كان القدر بالمرصاد لعاصمة الحضارة الإسلامية حيث اجتاح المغول «مجموعة قبائل بدوية من وسط آسيا» في بداية القرن الثالث عشر الصين واتجهوا غربا واجتاحوا بخارا وسمرقند وبلاد فارس بقيادة جنكيز خان وبعد موت جنكيز خان جاء هولاكو خان الذي استمر في إكمال مهمة جنكيز خان في التدمير لكل آثار الحياة من مدن وقرى وأشجار ونظم ري وغيرها، وصل التتار بقيادة هولاكو إلى بغداد في عام 1258م ويقال إنه كان في يوم عاشوراء على رأس جيش كبير يزيد على 20000 وواجه المعتصم بالله وجيشه وسكان بغداد المغول ولكن دون جدوى، استباح المغول كل شيء والتاريخ يصف همجية المغول الذين استمروا في بغداد اربعين يوما لا شأن لهم إلا القتل وسالت الدماء أنهرا وخربت بغداد وكل تراثها وثقافتها ودورها «فهل يكون هذا اليوم شبيهاً بالبارحة؟ وهل ينطبق هذا القول على البريطانيين والأمريكيين الذين لهم حتى كتابة هذا المقال 20 يوما وهم يقتلون ويدمرون القصور والجسور والمدن والقرى والدور؟ وهل تسميتهم بالتتار الجدد تسمية معقولة؟ ستكون نهاية الأحداث كفيلة بالإجابة على ذلك.
قبعت بغداد في ظل التاريخ بعد هذا الغزو المغولي وبقيت تابعة لحكم المغول من ارض فارس ولم تنج بغداد من تيمورلنك الذي قتل الآلاف من ابناء العراق وبغداد.
وهكذا دار الصراع على أرض العراق مرة أخرى بين الصفويين والعثمانيين منذ عام 1514م على ما أعتقد في معركة مرج دابق التي انتصر فيها العثمانيون ولكن الصفويين لم يخرجوا من العراق إلا عام 1938م لتصبح العراق ضمن الخلافة العثمانية. على كل حال العراق ظلت أرضاً للصراع ومعبراً له مع الصفويين وايضاً بين المماليك والعثمانيين حيث سيطر المماليك على العراق منذ بداية القرن الثامن عشر بعيداً عن السلطة العثمانية وبقي هذا الوضع حتى عام 1831م عندما دمر فيضان اراضي العراق وأثر على قوة المماليك وعاد العثمانيون من جديد لحكم العراق ولكن الوضع لم يكن مستقرا حيث التمرد ومقاومة العراقيين وحكمت بغداد بعشرة حكام خلال ثلاثين عاماً تقريباً أي منذ منتصف الثلاثينات حتى منتصف الستينات من القرن التاسع عشر.
دخلت العراق مرحلة جديدة من الصراع ولكن هذه المرة صراع من اجل الحرية والابتعاد عن تركيا التي حاولت فرض اللغة التركية وبدأ التمرد في العراق والتوجه نحو القومية العربية إلا أن الأحداث تطورت وتلاحقت وبدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914م وتحالفت تركيا مع ألمانيا وتزامنت هذه الحرب مع تواجهات عربية ترمي- في التخلص من حكم الاتراك إذا هم وقفوا مع فرنسا وبريطانيا وأن يتم الاستقلال للعالم العربي، إلا أن هذه الحرب انتهت بتقسيم الدول العربية وبالذات في قارة آسيا ووضعها تحت الانتداب والاستعمار الفرنسي والبريطاني وكان العراق من نصيب البريطانيين حسب تقسيم واتفاقية سايكس بيكو وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا حيث دخلت القوات البريطانية بغداد عام 1917م وبهذا انهارات وسقطت الامبراطورية العثمانية. صدر قرار عام 1920م أصبح العراق بموجبه تحت الانتداب البريطاني على ان تعمل بريطانيا على تشكيل حكومة عراقية مسؤولة لإدارة البلاد.
قامت انتفاضة عراقية ضد الانتداب البريطاني عام 1920م، حيث أدرك العراقيون مطامع بريطانيا في ثرواتهم البترولية وربما حتى الزراعية وهدف اقامة خط سكة حديد يخدم مصالحها التجارية مع الهند، وسعت بريطانيا إلى وضع نظام حكم جديد يتمثل في نظام ملكي عيّن له الأمير فيصل بن الحسين ولم يتحقق استقلال العراق الاسمى إلا عام 1933م بعد موت الملك فيصل الذي خلفه ابنه غازي. الأمور لم تكن مستقرة طوال فترة الثلاثينات والاربعينات والخمسينات والستينات من القرن العشرين، لا شك أن بريطانيا عندما وضعت دستوراً للعراق وجعلته نظاماً ملكياً حاولت أن تلعب دور فرِّق تسد فغلبت في الدستور دور القبائل وتجاهلت إلى درجة كبيرة الدور المدني والجيش خوفاً من الانقلابات ولكن تلك الطريقة عمقت الصراعات بين العراقيين. أصبحت العراق عضواً في الجامعة العربية عام 1945م وعضواً في الأمم المتحدة في نفس العام.
لم يكن الوضع مستقراً في العراق طوال الثلاثينات والاربعينات والخمسينات وحتى بداية السبعينات حيث توالت الانقلابات الدموية في العراق والتي بدأت عام 1936م على يد أبو بكر صدقي الذي قتل عام 1937م وفي 1/4/1941م قاد راشد علي الكيلاني انقلاباً ضد نوري السعيد والأمير عبدالله اللذين فرا للأردن، حيث كان قائد الانقلاب ضد توطيد العلاقة مع البريطانيين، ولكن البريطانيين استطاعو انزال قواتهم إلى البصرة ثم التمركز في قاعدة الحبانية التي انطلقوا من خلالها للهجوم على بغداد الذي استمر قرابة الشهر انتهى بهروب الجيلاني ورفاقه. سقط النظام الملكي في العراق عام 1958م بعد انقلاب قام به عبدالكريم قاسم الذي تزعم ما سمي بالضباط الاحرار تشبها بما حدث في مصر. وكان انقلابا دموياً تم فيه إعدام الملك فيصل والأمير عبدالله وعلقت جثتاهما أمام الملأ، كما قبض على نوري السعيد وسحب في مؤخرة سيارة على مشهد من الناس في شوارع بغداد حتى يقال إنه لم يبق منه إلا ساقه، استمرت محاولات الانقلاب وحاول عبدالسلام عارف مرتين في عام 1958م اغتيال عبدالكريم قاسم، ولم ينجح وجرت محاولة تمرد عليه في عام 1959م من قبل فرقة من الجيش في الموصل ولكنها سحقت وقتل المئات، تم اغتيال قاسم عام 1963م وأصبح أحمد حسن البكر رئيساً للوزراء وعبدالسلام عارف رئيسا للجمهورية ولكن عبدالسلام عارف اطاح بحكومة البكر وبسرعة وفي نفس العام تقريبا إلا أن عبدالسلام عارف توفي في تحطم طائرة هليكوبتر عام 1966م وخلفه أخوه عبدالرحمن عارف الذي أطيح به من قبل حزب البعث عام 1968م، وذلك بقيادة أحمد حسن البكر. أصبح صدام حسين رئيساً للعراق عام 1979م، حيث تنحى أو نحي حسن البكر من منصبه، وبعد عام من توليه الرئاسة أعلن عن تخليه عن اتفاقيته مع ايران حول شط العرب والتي وقِّعت في الجزائر عام 1975م وبعد هذا الإعلان بقرابة اسبوع وبالتحديد في 22 سبتمبر 1980م بدأت الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت قرابة ثماني سنوات قتل فيها مئات الآلاف من الجانبين ولم يحقق منها العراق أي شيء يذكر إلا إراقة الدماء واستخدام الأسلحة الكيماوية التي تعتبر الحرب الحالية إحدى المشاجب التي علقت عليها أسبابها.
لم ينعم العراق بالاستقرار، حيث قام بغزو الكويت في 2 اغسطس 1990م وجرت المحاولات العديدة لاقناع النظام العراقي بالانسحاب من الكويت ثم صدر قرار الأمم المتحدة رقم 678 الذي ينص على السماح باستخدام كل الوسائل الضرورية والتفويض باستخدام القوة لإخراجه من الكويت وطلب من النظام العراقي الانسحاب قبل 15 يناير 1991م، ولم يحصل ذلك الانسحاب إلا بالقوة، وتلاحقت القرارات على العراق بنزع اسلحته وفرض عليه الحصار وبرنامج البترول مقابل الغذاء والدواء وفرض عليه الحظر الجوي، وتلاحقت الكوارث على الشعب العراقي.
هل تكون هذه الحرب على العراق التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية آخر الكوارث على العراق؟ لقد أسموها حرب الخليج الثالثة وهي بالفعل ثالثة الأثافي، إن الحرب قد تكون قصيرة ولكن الذي يجب أن يعرفه الجميع في كل العالم أنها ليست حرب تحرير على الإطلاق، إنها حرب تدمير واضحة وحرب إهانة للشعب العراقي وحرب قمع تخلت عن كل المبادئ الانسانية، حرب مليئة بالمغالطات وحافلة بالكذب والتعمية الإعلامية التي لم يحدث لها شبيه في التاريخ حرب تتعمد ضرب الصحفيين والإعلاميين لمزيد من التعمية على ما يرتكب من قتل وتدمير، حرب استعملت وجربت فيها كل أسلحة جديدة وقديمة ضد شعب أعزل وضد الجيش العراقي وضد التراث العراقي، يقولون إنهم سيحافظون على التراث العراقي والبنى التحتية، لماذا تضرب الوزارات لماذا تضرب القصور التي يعلمون أن القيادة العراقية لن تكون فيها؟ لماذا يضربون المدارس؟ لماذا يهينون السكان ويظهرونهم عبر وسائل الإعلام جوعى وانهم يوزعون عليهم الحلوى والمياه وهم يعلمون أن السبب في ذلك هو الحصار ومشاركتهم لصدام في زيادة مأساة الشعب؟ إن العراق لن يحصل على الحرية المنشودة في ظل البندقية والفرض لحكومة في ظل أجواء الخراب والدمار والجو المشبع برائحة البارود واليورانيوم المنضب، لا نعلم ماذا يخبئ القدر لشعب العراق ولكن المؤشرات تقود إلى أن الصراع سيستمر إلى أجل بعيد، وأن معاناة الشعب العراقي لن تنتهي بانتهاء الحرب ولا بعقود بعدها لأن بريطانيا مشهورة تاريخيا بنكث الوعود مع العرب كما أن الولايات المتحدة مشهورة بمحاباة العدو الصهيوني والعمل من أجل مصلحته، وعلى هذا الأساس فلن تعمل هاتان الدولتان لمصلحة العراق على الإطلاق ولن تعملا على تسويق مشروع تجربة اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.