سؤال يطرح من قبل كل مريض مصاب بالبواسير، وقبل الموافقة على اجراء العمل الجراحي، وكأنه توجد قناعة لدى العامة بأن البواسير راجعة لا محالة مهما كانت العملية المجراة لعلاجها، ومن الطريف أن أحد المراجعين متيقن من عودة البواسير بعد الجراحة لأن طبيبه أقنعه بذلك. هذا نموذج من الاعتقادات الخاطئة التي ترسخت في عقلية مجتمعاتنا، ومنها أن ازالة البواسير تتكفل بآلام الظهر، وبتحسين الأداء الجنسي، كذلك أن الجروح تصاب بالالتهاب بسبب شم العطور (الشمم) وليس بسبب التلوث بالبكتيريا. لقد أصبح من الضروري اصلاح بعض هذه المفاهيم الخاطئة لجمهور أصبحت الثقافة الصحية مهمة له ومتاحة. من المؤكد في الأدب الطبي أن نكس البواسير أحد المشاكل التي تحدد الطريقة المثلى في علاج هذا المرض الذي يعاني منه 50% من البشر في فترة حياتهم. فالطريقة الأفضل للعلاج يجب أن تكون أمينة (أي قليلة المضاعفات)، وسهلة تكنيكيا، أقل ألما للمريض، وناجحة على المدى الطويل (نسبة نكس منخفضة). ان أشهر جراحي الشرج في العالم أمثال باركس،ميليجان،غوليجر يسجلون نسبة تقارب 5% من حالات النكس للمرضى الذين عالجوهم جراحيا، ولغاية الآن فان هذه النسبة تبقى أفضل من أي طريقة أخرى للعلاج ان كان بالحقن أو الربط أو التخثير الضوئي، أما التدبيس فهو طريقة حديثة لم يمض وقت كاف لتقييم نتائج النكس فيها على المدى الطويل. يبقى السؤال هو : لماذا تعود البواسير بعد استئصالها؟ للجواب على ذلك لابد من معرفة تكوين البواسير ومهمتها و تقنية جراحتها. الباسور نسيج رخو غني بالأوعية الدموية الدقيقة الوريدية والشريانية المتشابكة، المتوضعة داخل فتحة الشرج، والمغطاة بنسيج سطحي حساس للألم في الجزء الأسفل لفتحة الشرج، والفاقد لحس الألم في الجزء الأعلى، أما القناة الشرجية نفسها فتحاط بطبقتين من العضلات الحلقية لاحكام اغلاق الفتحة خارج أوقات التبرز. تعتبر الأنسجة الباسورية الطبيعية وسيلة اضافية في اغلاق فتحة الشرج، فهي تعمل كصمامات هيدروليكية داعمة لعمل العضلات الحلقية. توجد عند البشر غالبا ثلاث وسادات باسورية في مواضع محددة، اثنان في اليمين وواحد في اليسار، وهي تتبع مواقع ثلاثة شرايين تدعى الشرايين الباسورية المتوسطة. تتحول البنية الطبيعية السابقة الى حالة مرضية عندما تصاب البواسير بالتضخم، فتتوسع الأوردة الدقيقة بسبب ركودة في الدوران الدموي، فتتمدد وتصبح هشة و قابلة للنزف، و تشغل البواسير حيزا أكبر فتصبح ظاهرة خارج الشرج (بواسير خارجية)، وبسبب هبوطها خارج الشرج، يصبح الدوران الدموي فيها أسوأ، وهكذا تكتمل الدورة المعيبة vicious circle لتزداد الأعراض حدة : ألم، نزيف، افرازات، حكة. في بعض الأحيان نجد أن التغيرات المرضية تصيب واحدة أو اثنتين من الوسائد الباسورية الثلاثية. تقوم العملية الجراحية على استئصال الأنسجة الباسرية المتمددة كاملا ولغاية عنقها الذي يضم الشريان المغذي، ويربط عنق الباسور ويقص في مكان عال نسبيا لضمان استئصال كامل الأنسجة الباسورية. ان بقاء المرض لفترة طويلة يؤدي لتضخم شديد بالبواسير المريضة بحيث تشغل كامل قناة الشرج دائريا، وهذا يجعل استئصال البواسير كاملة عملا غير محبذ لأنه سيحرم قناة الشرج من الغشاء المبطن القابل للتمدد والحساس للشعور بالتغوط،فيصاب المريض في هذه الحالة بضيق في الشرج و بعدم القدرة على التحكم بالبراز، لذا ينصح دائما بترك أجزاء صغيرة من هذا الغشاء الذي يترمم بسرعة حتى ولو اضطر الجراح لاجراء العملية على مرحلتين في الحالات الشديدة. قد تعتبر عملية استئصال البواسير من قبل البعض عملية بسيطة، وهي كذلك اذا أجريت بواسطة طبيب متمرس، وهي لا تزال العملية الأكثر فعالية في القضاء على المرض بشكل نهائي، وقد تم التغلب على مشكلة الألم باستعمالنا لتقنة التخدير الطويل الأمد للأعصاب المسؤولة عن الألم، و أصبح بامكان المريض مغادرة المستشفى في اليوم التالي.بعد هذه المقدمة الضرورية لفهم الآلية المرضية للبواسير نقول ان الأسباب التي تؤدي لنكس المرض هي كالتالي: 1- استئصال واحد أو اثنين من البواسير المريضة ثم ظهور المرض في الباسور الثالث بعد اجراء العملية. 2- الترك المقصود لبعض الأنسجة الباسورية في الحالات الشديدة تفاديا للاصابة بضيق بالفتحة والسلس البرازي. 3- التقنيات الجراحية غير المتقنة. لا تزال عملية استئصال البواسير الشرجية ورغم وجود طرق عديدة أخرى للعلاج كالربط والتبريد والحقن والتدبيس وغيرها، أفضل الطرق و أنجعها للقضاء على البواسير الخارجية و الهابطة بشكل نهائي، عندما تجرى بواسطة جراح صاحب خبرة لأنها تمنح أقل نسبة من النكس وبفضل التقنيات الطبية الحديثة أصبحت أقل ألما و تجرى بمخدر عام أو نصفي أو موضعي. د. محمد فؤاد الأحدب استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير مستشفى المركز التخصصي الطبي