لم تكن المسؤولية بسيطة وسهلة أمام ذلك القادم من معهد الإدارة بالرياض ليقوم بممارسة ابداعه العملي. فحمد الوردي - رحمه الله - هو ذلك الرجل القادم من تلك المدينة الكبيرة المتطورة حضارياً وفكرياً واجتماعياً إلى تلك المنطقة التي بدأت خطواته الأولى فيها.. فلقد عاش طفولته بتلك المدرسة البسيطة المبنى، المتواضعة الامكانيات يتلقى دروسه المتواضعة بين نظرائه من خليط من الطلاب من سكاكا أو من أولئك البدو القادمين من أعماق وفيافي صحراء المنطقة المحيطة بتلك المدينة الكبيرة في نظرهم.. سكاكا. لم تتغير تلك المدرسة كثيراً فهي كما تركها ولم يتغير حتى الشارع من زمن رحيله في طلب العلم إلى عودته هذه، التي أتاحت له الفرصة المثلى لأن يشارك حاملاً معول البناء ولبنة المستقبل. كانت أمامه مسؤوليات جسام في الطريقة المثلى التي يستطيع بها أن يرقى بهذا المجتمع في أطر وحدود الخطة التي نهجتها دولتنا الفتية في أن يبني الانسان السعودي ليصبح في مستوى المكانة التي يجب أن يكون بها بين الأمم العربية والإسلامية والعالمية. حينما جاء من الرياض لم يكن ليهنأ بالنوم فجل وقته في العمل يجيء إلى مكتبه مبكراً حتى أصبح مثالاً يقتدى به.. لقد سخر جل وقته في سبيل عمله. أذكر أنني حينما قطعت المسافة بين طبرجل وسكاكا التي تبلغ مائتين وخمسة وخمسين كيلاً كنت قد خرجت من منزلي قبيل الفجر من طبرجل لكي يكون معي وقت كافٍ لأحاول أن أصل في وقت مبكر لانجاز بعض معاملاتي في العاصمة الإدارية لمنطقة الجوف - سكاكا. وكنت قد تعودت على أن أول شيء أقوم به هو السلام عليه -رحمه الله- لما توسمته فيه من خير وعمل صادق ورؤية ثاقبة استراتيجية في اصلاح الكثير ورأب الكثير مما تحتاجه هذه المنطقة وما يتأمله مواطنوها وكنت أكبر فيه ذلك التواضع وطريقته المميزة في أن يتساوى عنده الجميع دون استثناء أو تميز.. فكل أبناء منطقة الجوف كانوا عنده أبناء وأصدقاء. فلم أفاجأ حينما مررت في مبنى الامارة لأرى سيارته تقف أمام البوابة الرئيسية الداخلية للمبنى.. في ذلك الوقت المبكر.. فالواقع جاء مطابقاً لظنوني ان هذا الرجل جاء لهذه المنطقة ليعمل.. وأن عمله سيحقق بإذن الله الخير والعطاء لمنطقة الجوف التي هي بحاجة لمثل هذا الرجل المخلص في عمله الصادق في وعوده الناجح في خططه المثلى.. ولعل ضريبة النجاح قاسية ولكن ذكرها سيخلده التاريخ.. والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً. حينما دخلت عليه وجدته يترك مكتبه ليجلس بين عدد من المسنين الذين التفوا حوله والقادمين من عدد من مراكز ومحافظات المنطقة الذين كانوا يعلمون أنه في هذا الوقت المبكر الذي لم يتجاوز السادسة والنصف صباحاً سيكون في مكتبه ولعل بعضهم جاء مبكراً لينجز بعض ما لديه من معاملات وكانوا يبثونه شجونهم في بعض المشاكل التي تواجههم كان كالابن لهم وكالأخ الصادق الناصح لهم.. كان متواضعاً في حركته التي يحدثهم أو يستقبلهم ويودعهم فيها وكأن الواحد منهم أحد والديه أو أكثر كان يستمع لكل واحد منهم بانصات الابن، و«هذا من ذمتي للتاريخ» كان يوجههم إلى أمثل الطرق لحل مشاكلهم أما داخل الامارة أو خارجها وكان يحرص على التعقيب على انجاز أمورهم ولم يكن المسنون هم وحدهم الذين حازوا على هذه الصفة المثلى فلقد كان كثير من شباب هذه المنطقة أيضاً فلقد واصل البحث هو عنهم وشجعهم في الظهور واتاح لهم تلك الفرص في الظهور والخوض في مجالات المشاركة في العطاء لهذه المنطقة. وهذا مما أتاح الفرص في أن يلتقي المواطن المسؤول مباشرة.. وهنا أتيحت الفرص لأكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع بمنطقة الجوف في الالتقاء بالمسؤولين مباشرة من أعلى مسؤول في المنطقة كاللقاءات التي كان يجريها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف «سابقاً» حيث اتيحت فرص غير مسبوقة للمثقفين ولرجال الأعمال وللمواطنين ولكل القدرات التي يمكن أن تشارك وتساهم في انعاش المنطقة كل على حدة وكانت لقاءات مثمرة أتاحت الفرصة لكثير منهم في ابداء الكثير من الآراء وانارت لهم السبل في الطرق المثلى في العطاء وبذل الكثير من الجهد وكانت محل تقدير كل فئة منهم في هذه اللقاءات لقد كانت هذه اللقاءات وراءها جنود مجهولون ذللوا الصعاب لها ومن أهمهم الدكتور حمد الوردي رحمه الله. لقد ساهم الوردي مساهمة فعالة في انشاء نادي منطقة الجوف الأدبي وبذل كثيراً من المتابعة المتواصلة حتى أصبح هذا النادي الأمنية واقعاً حياً وحظي النادي بمشاركة الوردي في الحضور حينما افتتح النادي صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر أمير منطقة الجوف له يوم 22/11/1423ه. ولقد ساهم الوردي في انشاء عدة لجان من أهمها لجنة تاريخ منطقة الجوف التي أتأمل أن تبقى وأن تستمر وهي عمل استراتيجي مخلص للمحافظة على أن يكون تاريخ هذه المنطقة تاريخ واقعي وحقيقي. لقد كان حمد الوردي رجلاً مخلصاً متفانياً في عمله مجداً فيه يحاول ما استطاع أن يقدم في عمله ما يرضى الله ثم ولاة الأمر وكل ما يهم الوطن والمواطن. لقد كان الوردي رجلاً واقعياً يتحدث بمثالية وببساطة المسؤول المتواضع الذي يتفهم كل شيء ويبحث عن مكامن الحقيقة بجد وتفان وصمت ليكون عمله ناجحاً ومفيداً. لقد ساهم الوردي في الكثير من الأسس في منطقة الجوف التي ستبقى بإذن الله أعمالاً تشهد له بصدق العمل والاخلاص والرؤية الثاقبة. أينما تجد عملاً مفيداً لهذه المنطقة قد ظهر فإنك حتماً ستجد من البصمات المشاركة في ظهوره بصمة من بصمات حمد الوردي رحمه الله. ولن تصل يد الغدر التي غدرت به إلى تغييب الوردي عن أذهاننا ولن تستطيع تلك اليد الغادرة التي اغتالته مهما كانت أهدافها ودوافعها أن تحبط يد الخيرين أمثال الوردي في العطاء بمثالية العطاء الوردي لهذه المنطقة لكي تبقى منطقة الجوف وستظل المنطقة التي ساهمت بصدق واخلاص ونقاء في المشاركة ببناء هذا الكيان الكبير.. كبيرة بأهلها صادقة في وفائها وولائها وعطائها. رحمك الله يا دكتور حمد رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.. {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. (*)عضو مؤسس مجلس إدارة نادي منطقة الجوف الأدبي