ما زال أهالي الأحساء يتذكرون سوق القيصرية على الرغم من مرور أكثر من عام على الحريق الذي فتك به. ذلك السوق التاريخي الأول للأحساء المبني من مواد أولية كانت هي مواد البناء الأساسية في ذلك الوقت حسب بيئة الأحساء الطبيعية كالجص وجذوع النخل وهذا السوق الذي تجاوز عمره مئات السنين كان خلالها أهل الاحساء وأغلب مواطني دول الخليج يعتمدون عليه لشراء احتياجاتهم والتسوق منه إلا أن الحريق الذي أتى على هذا السوق التاريخي في اليوم الثاني من شهر شعبان للعام 1422ه خلّف دماراً وحطم المبنى بنسبة 92% إضافة الى خسائر مادية طائلة. «الجزيرة» رصدت تلك الذاكرة في أذهان أهالي الأحساء من خلال اللقاء بهم بجوار محلات القيصرية وفي السوق البديل للقيصرية الذي تبنت بلدية المحافظة تنظيمه في موقع سوق الخضار القديم بالمحافظة. حيث وصف المواطن نايف بن حسن البقشي سوق القيصرية المحترق بأنه تاريخ عريق يمثل حضارة الاحساء قديما سواء من ناحية معمارية أو اقتصادية ففي اليوم الذي احترقت فيه القيصرية احترقت معه قلوبنا لأننا كنا نشعر بأن القيصرية جزء منا ومن الأحساء أكبر واحات العالم إلا ان قدر الله فوق كل شيء والحمد لله على كل حال، وإذا كانت القيصرية قد احترقت فإنها باقية في قلوبنا وذاكرتنا فلن ننساها أبداً حيث ان تاريخ الاحساء قد خلدها في سطوره كجزء من تاريخ الأحساء. أما المواطن صلاح حسين المحمد صالح فيقول تعود أهل الأحساء منذ القدم على تموين جميع احتياجاتهم من سوق واحد فقط يجمع في طياته كل ما يحتاجه المرء ويتعامل فيها المرتاد مع عمالة سعودية تصل إلى 100% فيشعر المرتاد للسوق بالارتياح النفسي وتوالت تلك العادة من الآباء الى الأبناء. واعتقد أن السبب هو الطابع الشعبي المريح للنفس الذي قد يشتاق اليه المرء بطبيعته ليعود قليلا إلى تراث الآباء والاجداد إضافة الى ان السوق تنوعت وتعددت فيه ألوان بضائعه الجيدة في مجملها ومناسبة أسعاره لكل الفئات، ولكن لا ندري لماذا لا يتم التعجيل في اعادة بنائه ما دام على هذه الأهمية. تعودنا زيارته فؤاد النعيمي من دولة قطر الشقيقة لم يختلف في رأيه عن رأي أهالي الاحساء حول سوق القيصرية ومكانته التي تربعت في نفوسهم فيقول تعودنا نحن أهل دولة قطر، التسوق من سوق القيصرية في الاحساء أحد أشهر الأسواق في الجهة الشرقية من الجزيرة العربية وشراء كل ما نحتاجه وبكميات كبيرة منذ زمن طويل وهي ثقة ورثناها من آبائنا حيال هذا السوق العريق الذي آلمنا نبأ الحريق الذي اشتعل فيه العام الماضي حيث لم نستطع التموين من السوق في العام الماضي وكنت أتفاءل في أن أتسوق من قيصرية الأحساء بعد تجديدها خلال هذا العام إلا أنني فوجئت عندما رأيت السوق المحترق واقفا على حالته المنهارة. أما عن نقاط التسوق التي قام بالشراء منها فيقول النعيمي انني قمت بزيارة بعض الاصدقاء هنا في الاحساء الذين كنت أتسوق منهم خلال الاعوام الطويلة السابقة وبالفعل وجدت عندهم كل ما كنت احتاجه فالبعض استغل منزله أو مزرعته لبيع بعض المواد الغذائية التي يكون عليها طلب كبير خلال شهر رمضان كالرز الحساوي وحب الهريس والدقيق والزيت والسمن البلدي المشهور في الاحساء والأقط والتمر والدبس والآخر اتجه لفتح محل بديل لمحله بالقرب من سوق القيصرية للحفاظ على وضعه في السوق واجتذاب زبائنه مرة أخرى. ما زلنا ننتظر أما المواطن مرتضى البوعلي فيتمنى من الجهات المسؤولة تعجيل فكرة اعادة ترميم سوق القيصرية الذي يعرفه كل مواطن وزائر للمحافظة لما يتميز به من طابع شعبي ومعلم تاريخي تجسد حضارة شهدتها محافظة الاحساء منذ القدم مؤيداً الدراسة التي قامت بها البلدية وهو أن يكون الشكل الجديد مطابقاً لشكل القيصرية القديمة وفي الموقع نفسه حفاظا على مواصلة توارث هذا المبنى العريق الى الابناء كي لا ينسى كما نسيت اشكال البيوت الطينية التي عاشها الأجداد في الماضي. ويروي لنا السيد علي بو حسين من دولة البحرين علاقته بسوق القيصرية فيقول ان الاحساء تميزت بعدة معالم تاريخية من جملتها سوق القيصرية الذي ربط بينه وبين الناس علاقة قوية وحميمة في الوقت نفسه حيث أننا تعودنا على مر تلك السنوات ان نقوم بتموين كل ما نحتاجه وخصوصا في شهر رمضان المبارك من سوق القيصرية وذلك في الحقيقة راجع لعدة عوامل من أهمها أن السوق ضم أجود البضائع اضافة الى منتجات منطقة الاحساء كالرز الحساوي والثوم والسمن البلدي والتمر والدبس وغيرها من المنتجات المشهورة في الاحساء والعديد من المواد الغذائية الاخرى التي تحتاجها الاسرة العربية وبالتحديد الاسرة الخليجية حيث إن أغلب الاكلات في دول الخليج متشابهة ويتم التموين من القيصرية وبالتالي فإن حركة البيع والشراء في السوق تكون نشطة خلال تلك الفترة وبشكل عام طوال السنة فكنت أتمنى في الحقيقة ان أتسوق من القيصرية هذا العام ومع ذلك وجدت أن المحلات المجاورة للقيصرية قد وفرت أغلب الاحتياجات والمواد الغذائية المختلفة وقمنا بالفعل بشراء كل ما نحتاجه وبالكمية الكافية. السياحة انخفضت حسين القطان صاحب أحد المحلات بالقيصرية يقول ان عنصر السياحة انخفض في مدينة الهفوف والسبب هو أن الاحساء فقدت أحد أبرز المعالم السياحية لها وهو سوق القيصرية إذ ما زال السوق واقفاً على دماره ولم يعد بناؤه والسبب الآخر إن السوق البديل للقيصرية الذي أعدته البلدية مكان سوق الخضار القديم له طراز معماري حديث وهو لا يعبر على شعبية وقدم المبنى بمسماها «قيصرية» مبدياً أمله بتطلعات لجنة السياحة حول الأحساء حيث كنا نرى أعداداً كثيرة من السياح الاجانب يأتون الى سوق القيصرية ويلتقطون لها صوراً تتذكارية أعتقد انها توضع في قصورهم الفخمة لما لها من طابع فريق سواء من ناحية التصميم أو أنواع المعروضات وطرق عرضها إضافة الى أن لهم دوراً في انعاش الحركة الاقتصادية حيث كانوا يشترون كثيراً من المعروضات التي لأول مرة يرونها. السوق البديل المواطن ماجد القطان يمتلك مع اخوته عدد من المحلات التجارية مارسوا خلالها العديد من الأنشطة التجارية منذ سنوات طويلة كبيع المواد الغذائية والعود والعطور يقول لقد عشنا نحن أصحاب المحلات منذ نعومة أظفارنا في سوق القيصرية وتعودنا على أجوائها الشعبية وطابعها الاجتماعي البسيط فكنا كالأسرة الواحدة ونجد الآن مع مرور أكثر من عام كامل على حريق دمر القيصرية بكاملها تشتت خلالها أصحاب المحلات فمنهم من تكبد خسائر كبيرة خصوصا ان الحريق في العام الماضي قدوقع قبل دخول شهر رمضان المبارك بأيام قليلة حيث احترقت معه البضائع التي تم توفيرها في المحلات استعداداً لموسم الخير والبركة فلم يستطع حتى اليوم تعويض تلك الخسائر وبحث عن عمل بسيط يسترزق منه قوت يومه والبعض اتخذ منزله أو مزرعته لبيع بعض المواد وآخرون استأجروا محالاً تجارية في أماكن متفرقة فتشتت اصحاب المحلات وكنا نتطلع نحن أصحاب المحلات الى تأهيل السوق البديل للقيصرية الذي تبنت بلدية الاحساء اعداده إلا أنه لم يكن بالصورة المرجوة فالتأخير في تسليم المحال لأصحابها ساهم في شتات العديد من أصحاب المحلات وحجم المحل الصغير وعدم التظليل عن أشعة الشمس أو سقوط الامطار أدى الى عزوف الكثير عن رغبتهم في ذلك السوق البديل اضافة إلى عدم تهيئة المواقف بشكل مناسب وعدم وجود لوحات ارشادية تعرف القاصدين للسوق على موقعه سواء من أهل الاحساء أم الزائرين له من دول الخليج فالكثير لا يعرف مكانه ولا نوع النشاط الذي يمارس فيه لذلك أصبح التركيز على المحال التي تجاور سوق القيصرية المحترق فنجد الزحام يتركز في ذلك الموقع لأن الناس ما زالوا يرغبون في القيصرية وما جاورها. أين البلدية أما المواطن عبدالرؤوف بو خمسين فيقول ليس أهل الاحساء وحدهم يتذكرون سوق القيصرية بل ان العديد من سكان المملكة ودول الخليج العربي ويعتبرونها خسارة حيث كنا نرى في شهر رمضان وأيام الاعياد في الأعوام السابقة مدى الزحام الحاصل في شارع سوق القيصرية والجهد الذي تبذله الجهات الأمنية باختلاف اختصاصاتها للحفاظ على الأمن وتنظيم حركة السير إلا أننا نمر خلال هذه الأيام على شارع القيصرية لنعاود الذاكرة فنجد قيصرية محطمة وحيوانات وقوارض شاردة لم تتكلف بلدية الاحساء حتى في رفع تلك الانقاض ومخلفات الحريق حفاظا على سلامة المواطن وبالأخص الاطفال الذين لا يدركون الخطر المحدق اضافة الى اعطاء صورة جمالية للموقع الذي يتوسط مدينة الهفوف. ويقول المواطن ناصر السلمان ان القيصرية التي عهدها الآباء والأجداد كنا نتمنى ان يعاد بناؤها بالتصميم الفريد نفسه وفي عجلة حتى لا تنسى حيث كنا نتسوق في هذا السوق الفريد منذ القدم ونأخذ جميع احتياجاتنا منه لان من زار السوق لن ينساه لما له من ميزات ايجابية على الرغم من ان هناك عوامل خطرة كانت تحدق به في غفلة من بعض الجهات منها عدم وجود خراطيم للمياه قريبة من السوق أو مخارج للطوارئ فصحيح ان السوق قديم ولكن يجب ان يعتني ببعض الجوانب التي توفر سلامة للمواطن والزائر له حتى ولو تم الاستغناء عن بعض الاجزاء من السوق لتوسيع الممرات أو تحديد خراطيم للمياه ووضع صفارات الانذار المبكرة للحريق حتى يكون السوق في وضع آمن والامان بالله تعالى. القيصرية متحف الأحساء أما هاشم العلي فقال: القيصرية هي عبارة قديمة ألفتها دول الخليج يقصد بها ذلك السوق الكبير في حجمه والبسيط في شكله المتميز في تصميمه وطابعه الشعبي يحوي بين جنباته عدداً من المحلات المتجاورة التي استطاعت ان توفر جميع المواد التي يحتاجها المتسوق في اريحية نفسية حيث التعامل الجيد والسعر المناسب التي هي من أبرز مميزاته التي كان لها الدور في جذب الزبائن حتى مع مرور الزمن وتطور الاسواق وانشاء المجمعات التجارية المختلفة كما ان طابعه الشعبي وطريقة تصميمه التي تبعد المتسوق عن اشعة الشمس في فصل الصيف وعن الامطار في فصل الشتاء جعل القيصرية متحفاً يزار من قبل الاجانب وأبناء الجيل الحديث الذين لم يعهدوا القيصرية ويحكي لنا المواطن جابر العيسى حول القيصرية فيقول ان لهذا السوق شأناً كبيراً في نفس أهالي الاحساء خاصة وأهل الخليج عامة وللزائرين له فهذا السوق الشعبي الذي تميز بطراز معماري قديم كان له فن هندسي مميز أعجب كل من رآه.أما جعفر الصالح فيقول: القيصرية ذلك السوق الشعبي القديم الذي افتقدناه هو سوق لا بد من الاعتناء به باستغلال موقعه السابق بإنشاء سوق شعبي يحمل صفات الماضي وأصالته تتوافر به جميع وسائل السلامة والراحة للزائر فمع أن الأحساء تفتقد الى أسواق تجارية حديثة ضخمة نراها في بعض المناطق إلا ان سوق القيصرية الشعبي كان يوفر لنا كل احتياجاتنا من مواد غذائية وملابس ومع الحريق الذي ألم به فقدناه. ونتمنى اهتمام البلدية بإعادة بناء سوق القيصرية وفي الموقع نفسه بالشكل السابق نفسه مع توفير وسائل السلامة فمتى يكون ذلك؟.