يقبل المسؤولون الأجانب بشراهة على كتابة «ذكرياتهم» «ومذكراتهم» و«سيرهم الذاتية».. ولا شك أن «الذكريات» تختلف عن «السيرة الذاتية»، فالذكريات حديث عن مواقف مرت على المسؤول خلال مسؤولياته، أما السيرة الذاتية فهي حديث عن حياة الشخص ومكابداته وما مرَّ عليه من مواقف خلال حياته وقد يكون معها شيء من ذكرياته عن مسؤولياته ولدينا يقل بشكل كبير حديث المسؤولين عن سيرهم الذاتية وذكرياتهم وأحجامهم عن ذلك قد يكون عائداً إلى التواضع وعدم الحديث عن النفس الذي هو من أخلاق العرب في جزيرتهم.. ولكن هذا لا يكون مقبولاً إذا كان الشخص يمتدح نفسه وينسب إلى نفسه من الأعمال ما لغيره.. أو أن يتحدث من ليس له من الأعمال ماله تأثير ملموس ومعروف ويريد أن يرغم الناس على قراءة مذكراته وسيرته.. ولكن الناس لا يقرأون إلا لمن عرف بأعماله وجهوده.. هناك شخص أتمنى أن يكتب لنا سيرته الذاتية ومذكراته هو معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الذي يعمل حالياً أميناًعاماً مساعداً لرابطة العالم الإسلامي.. هذا الشخص انطلق من «القصيم» وتدّرج في عدد من المناصب وجال العالم من أقصاه إلى أقصاه وذهب إلى مشارق الأرض ومغاربها وزار عدداً من الدول يزيد عن الدول المنضوية تحت مظلة الأممالمتحدة ولم يبق جزيرة في مجاهل المحيطات إلا وزارها.. فمع هذا الزخم الهائل من الرحلات لابد أن يكون لهذا الرجل تجربة ثرية ومواقف غنية بالعبر والمعلومات والطرائف.. نعم انه قد سجل كل ذلك في كتب تزيد عن المائة كتاب في الرحلات ولكن هذه الكتب تظل مشاهدات يومية ولكن هناك مواقف طريفة أو ذات عبرة يمكن تلخيصها في كتاب مستقل إضافة إلى حياة الشيخ العبودي وسيرته الذاتية منذ أن كان أميناً لمكتبة بريدة ومديراً لمعهدها العلمي ومعاناته وشظف عيشه.. فهو رجل نقش الصخر بأظافره ورجل معلم ومرب من الطراز الأول.. تجربته يجب أن تكون زاداً للأجيال يجب أن تقرأها الأجيال.. فهذا الرجل ابن بطوطة حديث.. ابن بطوطة نراه أمامنا نرى رحلته مصورة في الصور.. ابن بطوطة يتحدث في الإذاعة ويسرد مشاهداته بأسلوب عربي فصيح مبين لا لبس فيه ولا كلمات دخيلة.. هذا هو ابن بطوطة في القرن العشرين.. كل هذه المئات من الكتب لا تغني نهم القارئ عن أن يسبر أغوار هذا الرجل وأن يعرف تاريخه البطولي وكفاحه المرير.. هذا الرجل كرَّمه نادي القصيم الأدبي.. وقد حق له أن يكرِّمه .. فمن غير هذا الرجل ألَّف معجماً وسفراً ضخماً عن القصيم.. هو «معجم بلدان القصيم» جمع فيه كل اسم لكلِّ قرية.. وكل جيل.. وكل وادٍ.. فقد استحق لهذا أن تكرِّمه القصيم كلها وان ينقش اسمه على رمالها.. وأن يحفر على جبالها.. فمثل هذا الرجل استثناء في تاريخ القصيم كله.. ومثله من يستحق التكريم.. وان يسمى باسمه شارع ومدرسة.. وأن يؤلف نادي القصيم الأدبي كتاباً تذكارياً عنه. إن تكريم هذا الرجل.. هو تكريم لعلمه الجم والغزير وخدماته الجليلة للإسلام والمسلمين.. وخدمته قبل ذلك لمنطقة القصيم بهذا المرجع الوحيد عنها. لقد عرفه الآلاف من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بتفقد أحوالهم ويدفع الاعانات لهم لبناء المساجد والمدارس ولمّ الشمل.. واضافة إلى هذا وهب الله الشيخ العبودي قلماً متميزاً في الكتابة.. فهو يكتب الرحلات وكأنه ينقش في البحر بسلاسة وسهولة أسلوب وبسرعة تتالى مع الأحداث اليومية للرحلة فقلمه تطوى له الصفحات تلو الصفحات.. ولا أظن أن معاليه سيبخل على قرائه ومحبيه الكثر بكتابة «سيرته الذاتية» وعن المناصب التي تولاها وذكرياته معها ولا مانع من أن يذكر معها أطرف ما واجهه في رحلاته حول العالم وأطرف الأماكن التي رآها أو زارها.. وأطرف رحلة قام بها.. إن مثل ذلك لا نطالعه في كتب الرحلات التي ألفها.. أتمنى أن يستجيب معاليه لهذا المطلب الثقافي المهم. المهندس - عبدالعزيز بن محمد السحيباني - البدائع