قال الله تعالى:{وّأّوًفٍوا بٌعّهًدٌ اللّهٌ إذّا عّاهّدتٍَمً وّلا تّنقٍضٍوا الأّيًمّانّ بّعًدّ تّوًكٌيدٌهّا وّقّدً جّعّلًتٍمٍ اللّهّ عّلّيًكٍمً كّفٌيلاْ إنَّ اللّهّ يّعًلّمٍ مّا تّفًعّلٍونّ (91) وّلا تّكٍونٍوا كّالَّتٌي نّقّضّتً غّزًلّهّا مٌنً بّعًدٌ قٍوَّةُ أّنكّاثْا تّتَّخٌذٍونّ أّيًمّانّكٍمً دّخّلاْ بّيًنّكٍمً أّن تّكٍونّ أٍمَّةِ هٌيّ أّرًبّى" مٌنً أٍمَّةُ إنَّمّا يّبًلٍوكٍمٍ اللّهٍ بٌهٌ وّلّيٍبّيٌَنّنَّ لّكٍمً يّوًمّ القٌيّامّةٌ مّا كٍنتٍمً فٌيهٌ تّخًتّلٌفٍونّ} . آية عظيمة، فيها يأمر الله تعالى عباده بأن يفوا بعهده ويحذرهم من نقض الأيمان بعد توكيدها، ويضرب لهم مثلاً ليعتبروا به، ويتعظوا بأحداثه، فهم إذا لم يفوا بعهده فهم كتلك المرأة التي تعبت حتى اكتمل غزلها فما لبثت إلا وامتدت يدها اليه تنقضه حتى عاد أنكاثا، فمن الأولى ان تحافظ عليه وتفرح باكتماله، لا لتنقضه بنفسها، بل من الأولى ان تبذل قصارى جهدها كي تحافظ على هذا الغزل، ولو امتدت اليه يد عابث، لحق لها ان تبذل ما باستطاعتها لمنعه وصده من العبث به، ولكنها وللأسف هي التي نقضت غزلها بيدها حتى جعلته كأنه لم يغزل ذلك من حمقها وسفاهة عقلها. فمن فعل فعلها فهو مثلها في السفاهة والحماقة. وفي هذه الآية الكريمة تذكير لأهل الأيمان بأن يحافظوا على حسناتهم وأن يبتعدوا عن آفاتها، ونحن قبل أيام قلائل ودعنا شهر رمضان، بعد ان أودعناه بعض الأعمال الصالحة، من صيام وقيام ونفقة وتلاوة قرآن وغير ذلك، فيجدر بنا ان نحافظ على ثواب تلك الأعمال بالبعد عما يكون سبباً في احباط ما جمعناه من حسنات، وإن لم نفعل فإننا كتلك المرأة الخرقاء الحمقاء التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. وللمحافظة على الحسنات أسباب منها: البعد عن العجب والغرور بما حصل منا من عمل مهما كان ذلك العمل، مع الاستمرار والاكثار من عمل الصالحات وعدم الاتكال على ذلك، إنما نعمل ونرجو فضل الله ورحمته، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لن يُدخل أحداً منكم عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة». فلا نتكل على أعمالنا لأننا لا ندري أقبلت أم لا، بل نكون منها على خوف ووجل كالذين ذكر الله في قوله: {وّالَّذٌينّ يٍؤًتٍونّ مّا آتّوًا وَّقٍلٍوبٍهٍمً وّجٌلّةِ أّنَّهٍمً إلّى" رّبٌَهٌمً رّاجٌعٍونّ} عائشة رضي الله عنها، سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال صلى الله عليه وسلم:«لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات». ومن أسباب المحافظة على الحسنات، البعد عن آفاتها، والحذر من الوقوع بمحبطاتها كانتهاك المحرمات، ففي الحديث الذي صححه الألباني يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثوراً» قال ثوبان - راوي الحديث - يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال:«أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها». وللحديث بقية.