كعادته جلس «الجد» مع أحفاده ليسامرهم.. ويتجاذب معهم أطراف الحديث.. وليطلعهم على صور حية تتمثل في سرد قصص واقعية لأحداث حقيقية كان ممارساً لها وممثلاً لأدوارها.. وبينما هو كذلك سأله أحد أبنائه «مندهشاً».. أحقيقة هذا الذي تقول!! أم تلك أضغاث أحلام؟ فرد عليه متبسماً وهو يقول: لا يا بني.. بل هي الحقيقة التي لا غرابة بها في ذلك الزمن.. سكت «الجد» هنيهة.. ليستطرد قائلاً «بصوت خافت».. يا بني يحق لك الاستغراب.. مادمت والحال ما ترى!! أمن في الأوطان.. وصحةٍ في الأبدان».. يحق لك السؤال ونحن وإياك في عيش رغيد.. ونعمة مسداة.. لا نعرف العوز.. ولا نشكو من الحاجة..نعم يا بني إنها قصص أغرب من الخيال.. وأعجب من الوصف.. لكن «من وجد خيراً فليحمد الله» يا بني.. لا تعجب فإن «دوام الحال من المحال» ولكنها نواميس الكون.. وسنن الحياة.. فالله تبارك وتعالى يقول:{إنَّ اللهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً (11)} . يا بني .. لقد كان أولئك القوم أقرب ما يكونون إلى الله طاعة وعبادته. وأقرب ما يكونون لأنفسهم صفاءً في السرائر.. وطهارة في القلوب.. يا بني.. إن كان يحق لك التعجب.. والاستغراب.. فيحق لي أن أقابلك بالمثل.. يا بني.. إني أرى نعماً عظيمة.. وآلاءً جسيمة فأين آثارها الحميدة!! يا بني إني أرى عجباً!!؟ أرى تقدماً فيما بين أيديكم من المحسوسات المادية.. غير أني أرى تأخراً معنوياً فيما بينكم.. ورغم أنكم تصفون عصركم هذا بعصر السرعة «والحداثة» إلا أنني ألحظ تأخراً شديداً من الافادة الحقيقية من معطياته ونتاجه القيم!! يا بني.. إني أرى.. وأرى.. ولكن ربما أحاطت بكم الظنون وساورتكم الشكوك.. بأننا قوم لا نعرف من الحضارة إلا اسمها.. ولا من الحياة إلا ما اضطررنا إليه.. يا بني لتعلم أنت ومن كان على شاكلتك.. أنه لو كان لنا من الأمر شيء.. ما آلت بنا الحال على ما أنتم عليه من الدعة.. والتثاقل..والاعتماد على الآخرين.. يا بني.. إن دولاب الحياة لا يعرف الاستقرار.. يدور بكل ما فيه من خير.. وما يحيط به من ضرر.. غير أن العبرة بخواتيم العمل.. ونتائج الفعال.. وما عسى أن تعود به من خيري الدنيا والآخرة.. يا بني.. لتكن لكم العبرة والعظة بحال غيركم من السالفين في سابق الزمن.. يا بني.. لتعلم أن وسائل العيش.. وطرق الحياة لا تعرف الحدود.. ولا تحصرها الأزمان.. وتلك هي سنة الله في خلقه.. يا بني.. إياك.. إياك وكفران النعم.. وجحود المنعم - ولا تخش الفقر والفاقة ولا تخف من تردي الحال وشدة العوز فالله سبحانه وتعالى يقول:{وّمّا مٌن دّابَّةُ فٌي الأّرًضٌ إلاَّ عّلّى اللّهٌ رٌزًقٍهّا وّيّعًلّمٍ مٍسًتّقّرَّهّا وّمٍسًتّوًدّعّهّا كٍلَِ فٌي كٌتّابُ مٍَبٌينُ (6)} [هود: 6] . وعليك أن تعرف أن لكل شيء أصوله التي يؤول إليها.. وأركانه التي يعتمد عليها ليسير وفقاً لها.. واعتماداً بعد الله على وسائلها الموصلة وجماع ذلك.. اخلاص النية.. وسلامة المقصد.. في كل ما تأتي وتذر.. ولا تنس أخلاق دينك الحميدة.. وآدابه الجمة. وإني أحذرك مواطن الريب.. ومزالق الشر والتي ربما أخذتك «على حين غرة» فهي أقرب ما تكون لك في زمن كهذا.. يا بني.. نعم تلك هي الحقيقة.. وذاك هو الصواب فهل أنت من المعتبرين؟ وهل استوعبت الحديث؟؟ وتأملت الخبر؟!! ختاماً يا بني.. لتعلم أن تجارب السنين لا توازي نتائج الأيام.