قال الله تعالى: {كٍلٍَ نّفًسُ ذّائٌقّةٍ المّوًتٌ وّإنَّمّا تٍوّفَّوًنّ أٍجٍورّكٍمً يّوًمّ القٌيّامّةٌ فّمّن زٍحًزٌحّ عّنٌ النَّارٌ وّأٍدًخٌلّ االجّنَّةّ فّقّدً فّازّ وّمّا الحّيّاةٍ الدٍَنًيّا إلاَّ مّتّاعٍ الغٍرٍورٌ} [آل عمران: 185]. لقد فقدت الأسرة العمرانية في المملكة العربية السعودية واحداً من أبنائها البررة .. اخلص لها وعمل بكل حرص وإتقان منذ تخرجه من قسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود حتى وفاته. رحل المهندس المبدع أحمد بن عمر باسليمان من هذه الدنيا الفانية يوم الأحد الماضي بعد صراع طويل مع المرض تجرع خلاله تجربة الغربة في الرحلة العلاجية إلى مستشفيات أمريكا، بعد قضاء مدة في المستشفى التخصصي بالرياض، ودفن بمقابر النسيم ظهر يوم الاثنين في مشهد حزين أوجع قلوب محبيه من أهله وأصدقائه وزملائه وطلابه ولا نجد في هذا الموقف الحزين كلاماً خيراً مما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا لفراقك يا أحمد لمحزونون. اليوم ونحن نودع بحزن الزميل العزيز أحمد باسليمان تعود بنا الذاكرة إلى مرحلة دراسة البكالوريوس بقسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود في حي عليشة، حيث اختير - رحمه الله - بعد التخرج معيدا في كلية الهندسة في عام 1403ه لما تميز به من إبداع وتميز علماً وخلقاً ومعاملة وديناً، وفي نهاية عام 1404ه تم ابتعاثه الى الولاياتالمتحدةالامريكية لدراسة مرحلة الماجستير في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس انجلوس، وكان كما عهدناه سابقاً متميزاً في كل المجالات، لذلك تم اختياره من جامعة جنوب كاليفورنيا لجائزة التفوق الدراسي في عام 1988م وفي اواخر مرحلة الماجستير توفي والده عمر باسليمان رحمة الله عليه وقد اثر ذلك على مسيرته العلمية لعلاقته القوية مع والده. وفي عام 1410ه أتم مرحلة الماجستير بتفوق في تخصص العمارة البيئية (تنسيق المواقع العمرانية Landscape Architecture) حيث كان موضوع الرسالة عن وادي حنيفة كعنصر بيئي رئيسي ومصدر ترفيهي مهم في تكوين مدينة الرياض، وبعد اتمامه لمرحلة الماجستير توجه الى جامعة شيفيلد في بريطانيا في عام 1411ه لدراسة مرحلة الدكتوراه في مجال تخطيط المواقع وتنسيقها وفي هذه المرحلة تعرض لظروف صحية صعبة من ضمنها تضخم القلب بدأ معها رحلة العلاج، وقد أجبرته هذه الظروف إلى العودة الى المملكة في بداية عام 1416ه ووافقت الجامعة بعد ذلك على إنهاء بعثته نظرا لظروفه الصحية الصعبة التي لم تمكنه من إتمام متطلبات برنامج الدكتوراه، وفي منتصف عام 1417ه تم تعيينه على مرتبة محاضر في قسم التخطيط العمراني، وقد كان -رحمه الله- متواضعاً ومؤدباً ومؤدياً لواجباته ومخلصاً في عمله ومحبوبا من الجميع أساتذة وطلاباً، وفي صيف عام 1422ه بدأ الرحلة العلاجية في مستشفيات أمريكا (هيستون) بعد قضاء مدة في المستشفى التخصصي بالرياض أجرى خلالها بعض العمليات الجراحية لاستئصال المرض الخبيث الذي بدأ بالقولون ثم انتشر في باقي أعضاء الجسم. فجيعتنا بالأخ العزيز أحمد لم يخفف من وقعها أننا كنا نعلم حقيقة مرضه العضال، ونرى وقع ذلك على جسمه النحيل، لكننا كنا دائما نتعلق بخيوط الأمل والرجاء، ونؤمن بقضاء الله وقدره، ففي مساء يوم الاحد 9/11/1423ه كنا نحتفل في كلية العمارة والتخطيط بتوزيع الجوائز على أبنائنا الطلاب الفائزين بمسابقة تخطيط وتصميم منطقة سكنية بحي السويدي بمدينة الرياض بمبادرة ورعاية من شركة دار الأركان للتطوير العقاري المحدودة. وفي نهاية الحفل في ذلك المساء صدمنا بالخبر الحزين عندما أخبرنا سعادة وكيل كلية العمارة والتخطيط الدكتور إبراهيم بن محمد البطحي بتلقيه خبر رحيل الأخ العزيز أحمد. ليس هناك أصعب من اختيار كلمات العزاء التي نعبر بها عن مشاعرنا حول رحيل الأخ العزيز أحمد، ماذا نقول لوالدته المؤمنة الصابرة، ماذا نقول لإخوانه الطبيب محمد، وخالد وأخواته، ماذا نقول لباقي أسرته وأقربائه، ماذا نقول لزوجته الصابرة المخلصة التي وقفت معه في أثناء محنته وتغربت من اجله في أثناء رحلته العلاجية في أمريكا، وتحملت المشقة والعناء راضية بقضاء الله وقدره ماذا نقول لزملائه وأصدقائه وطلابه وأحبائه، لا نجد إلا أن نقول للجميع: «اعظم الله أجركم، واحسن الله عزاءكم، وغفر لميتكم، وألهمكم الصبر». ونقول كذلك: (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه واعف عنه، واكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من والذنوب الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دار خيرا من داره، وأهلا خير من أهله، وزوجا خير من زوجه، وادخله الجنة، وأعذه من عذاب النار» ولعلنا نختم هذه الكلمات بثلاثة اقتراحات: * الاقتراح الأول: أن يتكرم معالي أمين مدينة الرياض سمو الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن بتسمية أحد شوارع مدينة الرياض باسم المهندس أحمد بن عمر باسليمان، المدينة التي ولد ونشأ وعمل فيها، مكافأة لجهوده، وتخليدا لذكراه، حتى يُدعى له بالمغفرة دائما، خصوصا انه لم يُرزق بالذرية، إضافة الى ذلك أن سمو أمين مدينة الرياض يعرف المرحوم تماما المعرفة خصوصا في الفترة التي كان فيها سموه رئيساً لقسم التخطيط العمراني. * الاقتراح الثاني: لمعالي مدير جامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الفيصل، وسعادة عميد كلية العمارة والتخطيط الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالله بن صالح للتكرم بتسمية إحدى القاعات الدراسية في المبنى الجديد الذي تحت الإنشاء حاليا لكلية العمارة والتخطيط بالمدينة الجامعية باسم المهندس أحمد بن عمر باسليمان، مكافأة لجهوده وتخليدا لذكراه أيضا، خصوصا انه أوصى قبل وفاته رحمه الله - بإهداء كتبه للجامعة كما سمعنا من أهله. * الاقتراح الثالث: للمسؤولين في الجمعية السعودية لعلوم العمران، وخصوصا سعادة الدكتور عبدالإله خالد علام، رئيس فرع الجمعية في مدينة الرياض، للتكرم بتخصيص عدد من مجلة (الديرة) للحديث عن السيرة الذاتية للمرحوم، وإنجازاته، مع عرض موجز لرسالة الماجستير التي قام بها، وأحاديثه مع زملائه في المراحل الدراسية المختلفة. وفي الختام نقول: اللهم إن عبدك الفقير أحمد باسليمان في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر وعذاب النار، أنت أهل الوفاء والفضل، فاغفر له وارحمه، واسكنه فسيح جناتك، وألهم أهله وذويه وزملاءه وأصدقاءه وطلابه وأحباءه الصبر والسلوان {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. (*) رئيس قسم التخطيط العمراني - كلية العمارة والتخطيط جامعة الملك سعود