إن مخاطبة النَّاس على قدر عقولها ليست نابعةًَ من فراغ؛ فالناس تتفاوت قدراتها العقلية، وبالتالي تتفاوت استجابات العقول لما يردها من القول. هذا عندما يكون القول يحمل «أوزاناً» من المعاني، فكيف إن جاء القول مفرَّغاً منها؟!... يطرأ لي هذا القول دوماً كلَّما جلستُ، أو قرأتُ، إلى ما يطلقه المتكلِّمون، في المواقف القولية المختلفة عامِّها وخاصِّها، فكيف عندما يكون الموقف، موقف قول تُبْنى عليه المواقف، والقرارات؟!... فحتى عندما تريد أن تحدِّد موقفك من شيء، يكون قولك الدَّليلَ القاطع في الأمر...، لوحظ في كثير من مواقف اللقاءات الفكرية، أو العلمية، أو حتى الثقافية العامة، أو مجالس الأعمال على اختلاف اختصاصاتها بما فيها إدارات الأقسام العلمية، أو سواها، أنَّ كثيراً لايُلقون بالاًَ وهم يتكلَّمون إلى تفاوت القدرات العقلية التي تجلس إليهم، أو تجلس ضمن من يجلس ليسمعهم، أو يكون واحداً ممَّن يقرأ ما يقولونه.. ولا يتذكَّرون أنَّ عليهم أن يخاطبوا النَّاس على قدر عقولهم...، بعضهم تمنحه المقاعد التي قُدِّر له أن يعتليها ثقة الإطلاق لما يريد من القول، وكأنَّ هذا المقعدَ الحصن الحصين له دون أن يكشفه الآخرون، ويعرُّوا «مقدار» عقله من مقدار قوله؛ وبعضهم لا يعيرون الناس أهميةً ولا اهتماماً من منطلق تسيِّدهم بأيّ نوع من سيادة المظهر، لا المخبر... تُرى، لو فكَّر النَّاس في شعار «لا تخاطب ما دمت تجهل»، أي لا تُلقي بقولك أمام كلِّ من هو أمامك، ما دمت تجهل مقادير العقول التي أمامك، فهل يمكن أن يكون هذا الخلط المخجل في مواقع لابد أن توزن فيها الكلمة بقدر العقول التي تتلقَّاها سماعاً أو قراءة؟!.